بقلم أرجون سينغ، شريك لدى آرثر دي ليتل الشرق الأوسط، ومحمد نيكار، مدير في آرثر دي ليتل الشرق الأوسط
يشهد قطاع التقنية المالية في المملكة العربية السعودية تقدماً ملحوظاً، مما يضع المملكة العربية السعودية على المسار الصحيح لتصبح مركزاً رائداً في مجال التقنية المالية.
قفزة نمو واستثمار غير مسبوقة
يُحلق قطاع التقنية المالية في المملكة العربية السعودية بآفاقٍ رحبة، حيث قفز عدد شركات التقنية المالية لأكثر من الضعف، من 89 شركة في عام 2022 إلى 216 في عام 2023. ولا يقتصر هذا النمو على عدد شركات التقنية المالية فحسب، بل تجاوز إجمالي رأس المال الاستثماري الذي جمعته شركات التقنية المالية الناشئة السعودية 6.9 مليار ريال سعودي بنهاية عام 2023. ويعمل حالياً أكثر من 6500 شخص في قطاع التقنية المالية في المملكة العربية السعودية، وأكثر من 70٪ من جميع المعاملات غير نقدية. تعكس هذه الإحصائيات التزاماً راسخاً بتعزيز منظومة التقنية المالية المزدهرة بدعم من المستثمرين المحليين والإقليميين والعالميين.
يعود هذا النمو الكبير في النشاط الريادي والاستثمار إلى دعم مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي) والهيئات التنظيمية الأخرى. مثل تأسيس فنتك السعودية والبيئة التشريعية التجريبية للتقنية المالية (sandbox)، التي أسست بيئة مثالية للابتكار والنمو.
محفزات التغيير
لقد حفزت العديد من التدابير الرئيسية هذا النمو السريع. لقد كان تأسيس فنتك السعودية خطوة محورية أدت إلى إنشاء برنامج مسرعة فنتك، ومركز ابتكار فنتك السعودية، ودليل شركات التقنية المالية الإلكتروني. وقد ساهمت هذه المبادرات، إلى جانب التحسينات التنظيمية بالتعاون مع مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية، في تسهيل الطريق أمام ابتكارات التقنية المالية لدخول السوق.
توفر البيئة التشريعية التجريبية للتقنية المالية (sandbox) التي أنشأتها مؤسسة النقد العربي السعودي و ومختبر هيئة السوق المالية CMA Fintech Lab بيئات خاضعة للرقابة لاختبار ابتكارات التكنولوجيا المالية بشكل مباشر، مما يسهل الانتقال إلى السوق المفتوحة بسلاسة. لعبت البيئة التشريعية التجريبية للتقنية المالية (sandbox) دوراً رئيسياً في تعزيز بيئة يمكن من خلالها تطوير الأفكار الجديدة واختبارها بأمان.
وعلاوة على ذلك، لعبت آليات تمويل ودعم الشركات الناشئة، مثل الصناديق المشتركة بين “الشركة السعودية للاستثمار الجريء” وهيئة السوق المالية، اللتين تعهدتا معاً بإطلاق صندوق بقيمة 350 مليون ريال سعودي يركز على الشركات الناشئة في مجال التقنية المالية أو برنامج دعم “مكّن” الذي يزود شركات التقنية المالية بالمساعدة في البنية التحتية التكنولوجية المطلوبة، دوراً رئيسياً في دعم هذا القطاع. وتضمن هذه الأنظمة المالية حصول الشركات الناشئة على رأس المال اللازم لتوسيع نطاق عملياتها والمواصلة في الابتكار.
تعزيز مشاركة المجتمع وتطوير الكفاءات والمواهب
يجسد تعزيز مشاركة المجتمع وتطوير الكفاءات والمواهب ركيزة أساسية في مسيرة نمو التقنية المالية في المملكة العربية السعودية. فإلى جانب أكثر من 6500 شخص يعملون في مجال التقنية المالية بالمملكة، شارك أكثر من 100,000 شخص في الفعاليات ذات الصلة بالتقنية المالية والدورات التدريبية والتدريب الداخلي التي نظمتها مبادرة فنتك السعودية. وتعكس هذه المشاركة الواسعة تحولاً كبيراً نحو خدمات مالية أكثر سهولة ويسهل الوصول إليها للمستهلكين، بما يتماشى مع احتياجات وتفضيلات مستخدمي اليوم ذوي الخبرة الرقمية، كما أنه يؤكد التزام المملكة بتطوير القوى العاملة الماهرة التي يمكنها الحفاظ على هذا النمو وتعزيزه.
رؤية 2030: استشراف المستقبل
على الرغم من الإنجازات المذهلة التي تحققت حتى الآن، إلا أن الحفاظ على الزخم وتحقيق أهداف رؤية 2030 الأبعد مدى يتطلب تطويراً استراتيجياً مستمراً. على سبيل المثال، يمكن تنظيم مؤتمرات عالمية في الرياض وجدة مثل “مؤتمر السعودية الدولي للتقنية المالية” لتعزيز مكانة المملكة على الصعيد الدولي. ويمكن إقامة شراكات مع بنوك عالمية وشركات فنتك من دول أخرى لتشجيع التعاون عبر الحدود، ويمكن تحديث القوانين لتسهيل إطلاق الشركات الناشئة في مجال التقنية المالية لتبسيط الأطر التنظيمية
كما يعد تنويع مصادر التمويل أمراً حيوياً، وذلك من خلال إنشاء صناديق استثمار جديدة تدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع التقنية المالية. يمكن إطلاق برامج تدريبية متقدمة بالتعاون مع الجامعات الكبرى مثل “برنامج الابتكار المالي” في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لرعاية المواهب. ويمكن تطوير مراكز بيانات حديثة وتوسيع نطاق شبكات الإنترنت عالي السرعة في جميع أنحاء المملكة لتحسين الاستثمار في البنية التحتية.
لا يقتصر النهج الذي تتبعه المملكة العربية السعودية في مجال التقنية المالية على النمو محلياً فحسب، بل يتعلق أيضاً بترسيخ مكانتها كرائدة عالمياً. إن التركيز على الشراكات الدولية ودعم شركات التقنية المالية السعودية في مشاريعها العالمية يجسد هذا الطموح. ومن خلال الاستمرار في إعطاء الأولوية للابتكار والاستراتيجيات المرنة، فإن المملكة العربية السعودية على المسار الصحيح في تحقيق أهداف رؤية 2030، حيث تلعب التقنية المالية دوراً محوراً في هذا التحول.