دبي – خاص
إيليا فتحوتدينوف، رئيس قسم المدفوعات في الشرق الأوسط في “فيناسترا“
يبدو واضحاً أن صناعة المدفوعات تتطور بوتيرة سريعة، ويعزى ذلك في المقام الأول إلى متطلبات الصناعة المتغيّرة والتقنيات والمبادرات الجديدة التي تؤدي إلى زيادة الشفافية والسلاسة وسرعة الخدمات. وشهدنا على سبيل المثال لا الحصر ظهور مسارات الدفع اللحظية، واعتماد معيار (آيزو 20022)، فضلاً عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي وتقنيات المراسلة الحديثة.
وبناءً على النتائج التي خرجت بها الأبحاث، فقد تبيّن أن منطقة الشرق الأوسط كانت أسرع أسواق الدفع الفوري نمواً على مستوى العالم في العام الماضي. وبفضل ذكاء التكنولوجيا، أصبح السكان الأصغر سناً والمستهلكون والشركات في بعض المناطق، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، معتادين على الخدمات المصرفية الرقمية والشخصية والفورية.
وتعد منطقة الشرق الأوسط موطناً للعديد من المبادرات المختلفة التي تهدف إلى تبسيط خدمات الدفع، مثل مبادرة منصة “آني” Aani للمدفوعات الفورية التي أطلقتها شركة الاتحاد للمدفوعات التابعة لمصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، كما تعدّ مبادرة رئيسية للمصرف في إطار برنامجه لتحول البنية التحتية المالية، بهدف تمكين المؤسسات المالية من تقديم معاملات فورية وآمنة. ومن النماذج الأخرى، ونظام التسويات الإجمالية في الوقت الحقيقي لدول مجلس التعاون الخليجي المصمم لتوفير شبكة دفع فورية إقليمية، وتبسيط تدفقات الدفع داخل المنطقة.
وبالتوازي مع استمرار النمو السريع للطلب على المدفوعات الفورية، أصبحت المؤسسات المالية بحاجة للتحول إلى منصات مركزية قادرة على دعم أنواع دفع متعددة والابتعاد عن الأنظمة أو المنصات المنفصلة والمعزولة التي تتعامل حصرياً مع وظائف أو مهام محددة بشكل مستقل. ومع ازدهار الابتكارات في مجال التكنولوجيا المالية في المنطقة، فقد بات لزاماً على البنوك تلبية هذا الطلب المتزايد كوسيلة تساعدها في الاحتفاظ بعملائها.
معيار (آيزو 20022): من الامتثال إلى الفرصة
يبرز معيار (آيزو 20022) باعتباره بروتوكول دولي يوفر طريقة آمنة وموحدة لتبادل الرسائل المالية بين المؤسسات داخل صناعة الدفع للتواصل في جميع أنحاء العالم عبر شبكة SWIFT. وانطلاقاً من التفويض التنظيمي مع الموعد النهائي العالمي في نوفمبر 2025، ستطبق الأسواق هذا المعيار لمعالجة الدفع من أجل تقليل الاحتكاك في عمليات معالجة الدفع الفوري وعبر الحدود، إلى جانب توحيد الرسائل لأنظمة الدفع المحلية والدولية.
ومن المزايا الرئيسية التي يتّسم بها هذا المعيار إمكانية الوصول إلى البيانات منظمة وعالية الجودة، والتي ستكون بمثابة خاصية رئيسية للمؤسسات المالية. وينطبق هذا بشكل خاص على البنوك التي عانت لفترة طويلة من العوائق نتيجة اعتمادها على أنساق الرسائل الخاصة والأنظمة المصرفية الأساسية القديمة. ومن خلال استخلاص المزيد من القيمة من البيانات الشاملة، يمكن للمؤسسات الحصول على رؤى أعمق حول سلوكيات العملاء، حتى تتمكن من الارتقاء بجودة منتجاتها وخدماتها التي تقدمها لعملائها.
وبفضل تطبيق المعيار الجديد، ستتطور المدفوعات اللحظية إلى لغة مراسلة تؤدي بدورها إلى تسهيل المدفوعات المحلية والعابرة للحدود على حدّ سواء. ويعني هذا أن البنوك ستتجه بشكل متزايد إلى تحديث أنظمة الدفع التي تستخدمها لتتمكن من مواكبة البيئة الراهنة، إلى جانب زيادة النضج المصرفي المفتوح.
التحديث من خلال السحابة و “المدفوعات كخدمة”
تواجه العديد من المؤسسات عقبات شتى عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع البنية التحتية القائمة، ودمج الأنظمة، وتحسين التكاليف. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحجم المتزايد للمدفوعات الرقمية الناجم عن النمو المستمر في أنشطة التجارة الإلكترونية والمعاملات غير النقدية، يحتّم توسيع نطاق أنظمة الدفع خارج الإنترنت. وتلعب السحابة والمدفوعات كخدمة (PaaS) دوراً مهماً للتغلب على هذه التحديات.
وتستفيد المؤسسات من نشر السحابة في تحسين وقت الوصول إلى السوق، وإدارة تكاليف بنيتها التحتية بشكل أكثر كفاءة، إلى جانب ضمان قدرة المطورين على بناء خدمات قيّمة للغاية فوق البنية التحتية. وبفضل التمويل المفتوح، تعمل الحلول السحابية أيضاً على تمكين البنوك من التواصل مع منظومة متنامية من شركات التكنولوجيا المالية المتخصصة التي يمكن أن تساعدها على الاستجابة للسوق المتغير بسرعة.
ومع ارتفاع أحجام الدفع الفوري على سبيل المثال، يزداد أيضاً خطر الاحتيال. ويمكن للبنوك دمج التطبيقات التي تستخدم التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، عبر واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة، لاكتشاف الاحتيال بشكل أفضل، فضلاً عن إنشاء سيناريوهات لأنواع جديدة من الاحتيال لم نشهدها من قبل. ومن شأن هذا النهج أن يعزز قدرة المؤسسات على مواكبة الابتكار من دون التأثير سلباً على الأمن.
إن حلول المدفوعات كخدمة (PaaS) توفر اتصالاً مباشراً بشبكات المدفوعات الفورية، وتتضمن التحديثات التنظيمية والتحديثات الأخرى المتعلقة بالامتثال، وتأتي مدمجة مسبقاً مع الحلول الحديثة لمكافحة غسل الأموال واكتشاف الاحتيال، وبالتالي يمكنها أن تساعد في تقليل التكلفة الإجمالية للملكية وتبسيط العمليات. وتتيح البنية المعيارية القائمة على الخدمات الصغيرة أيضاً القدرة على التكيّف بشكل واسع من دون التأثير على الأداء.
الاستعداد للنمو في الشرق الأوسط
عندما تواجه البنوك في الشرق الأوسط تزايد حجم المدفوعات، خاصة مع المدفوعات الفورية، فضلاً عن تضاؤل هوامش الربح، وارتفاع توقعات العملاء للحصول على خدمات سلسة وعالية المستوى، يكون لزاماً عليها أن تعطي الأولوية لترقية الأنظمة، كوسيلة لضمان الوصول إلى خدمات أسرع، وتكون مؤتمتة ومعززة بالبيانات.
ويتعين على المؤسسات بكافة أحجامها أن تدرك أهمية التحديث وأن تتقبله في عملياتها. وإذا لم تتم معالجة هذه التحولات بشكل استباقي، سيؤدي ذلك إلى ضياع فرص السوق، وانخفاض القدرة التنافسية في المنظومة المالية التي تزداد ديناميكية. والأهم من ذلك كله أنه من خلال مواجهة البنوك لهذه الضغوط مع شريك تكنولوجي استراتيجي، ستكون على أتم جاهزية لتلبية المتطلبات التنظيمية والصناعية واحتياجات العملاء المستقبلية، إضافة إلى تمهيد الطريق لمواصلة النمو.