المتحدث: بروفيسور فيونا روبسون، رئيس كلية إدنبرة للأعمال وكلية العلوم الاجتماعية بجامعة هيريوت وات دبي
يعتبر العمل في نموذج العمل المختلط (الا وهو العمل من المنزل أو المؤسسة) بمثابة سيناريو إيجابي بالنسبة للكثيرين. ومع ذلك، يمكن أن يكون أيضًا سلاحًا ذو حدين من حيث عدم وضوح النتيجة المترقبة أو تعريف الحدود. تشمل المزايا خيارات عمل مرنة وقد تتيح فرص كثيرة للموظفين أو الراغبين فى العمل بسبب ظروفهم الشخصية الذين لا يريدون أو لا يستطيعون الذهاب الى العمل كل يوم. تشمل فوائد نموذج العمل المرن توفير التكلفة المتمثلة في عدم الاضطرار إلى الذهاب من وإلى العمل مرتين في اليوم وبالتالى توفير وقت أكثر لتعزيز الإنتاجية لدى الموظفين. لن تكون كل الأدوار الوظيفية مناسبة للعمل المختلط، على سبيل المثال الموظفين العاملين في خدمة العملاء. يتيح تقديم خيارات العمل المختلطة إمكانية زيادة الاحتفاظ بالموظفين من خلال تلبية احتياجاتهم. ومن المهم أيضًا إدراك أن العمل المختلط لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه دور وظيفى بدوام جزئي وبالتالى اتباع المؤسسة بقواعد العمل الجزئى. يتحمل القادة مسؤولية تطوير ثقافة يتم بموجبها تشجيع جميع الموظفين المؤهلين على العمل عن بعد لبعض وقت عملهم على الأقل.
هناك أبحاث تشير إلى أن الموظفين القادرين على العمل من المنزل هم أكثر إنتاجية مما هم عليه في المكتب. وهذا يضع بعض الإافتراضات منها أن الموظفين لا يمانعون عدم وضوح الحدود في حياتهم المنزلية والشخصية أو أنه سيكون لديهم مساحة مناسبة يمكنهم العمل من خلالها، أو أن التكنولوجيا والبنية التحتية المناسبة (مثل شبكة wifi) متاحة. اعتمادًا على وضع المنزل، قد يكون هناك المزيد من عوامل التشتيت فى العمل بعيدًا عن المكتب خصوصًا إذا تم مشاركته مع أشخاص آخرين. في نهاية المطاف، سيحتاج القرار المتعلق بالانتقال إلى العمل المختلط إلى استشارة القائد ثم أخذ جميع العوامل في الاعتبار لتحديد التأثير المحتمل.
التكنولوجيا وتسخيرها لتعزيز نموذج العمل المختلط:
يمكن استخدام التكنولوجيا لتحسين الأداء في جميع أقسام المؤسسة، ولكي تكون ناجحة، هناك مجموعة من العوامل التي يجب توافرها. أولاً، اختيار الأدوات التكنولوجية المناسبة التي يمكن أن تلبي احتياجات المؤسسات ومستخدميها. بمجرد الاختيار، هناك حاجة إلى دعم واسع النطاق للتعلم والتطوير حتى يشعر المستخدمون بالثقة والكفاءة في استخدامه لأدوارهم. إذا كانت هناك معدات أو برامج لا يتم استخدامها بانتظام، فقد تكون بعض التذكيرات وعروض التدريب مفيدة. وينبغي مراعاة صحة وسلامة العمال الذين يعملون فى نموذج العمل المرن، وضمان تنظيم العمل عن بعد وتنفيذه بطريقة آمنة كجزء من المسؤوليات التى تقع على عاتق القائد.
تعتبر التكنولوجيا بديلاً جيدًا عندما لا يتمكن القائد من مقابلة جميع موظفيه. تسمح برامج مثل “زووم” و”مايكروسوفت تيمز” بمشاركة المعلومات على الفور. في حين أنه قد تكون هناك مواقف محددة تتطلب حضورًا شخصيًا، إلا أن العديد من الاجتماعات يمكن أن تكون عبر الإنترنت. ربما كان التأثير الأكبر للوباء هو كيفية تحول المؤسسات لتكون قادرة على العمل عن بعد. بالنسبة لبعض الموظفين، كان يُنظر إلى هذا على أنه أمر جيد جدًا؛ بعد أن قيل لنا سابقًا أن ذلك غير ممكن لبعض الأدوار الوظيفية، ولكن أثبت نجاحه. يمكن أن يوفر العمل المختلط أيضًا مرونة في الوقت مما قد يجعل التعاون الدولي أسهل. يجب على القادة أن يكونوا قدوة يحتذى بها وأن يسلطوا الضوء على عملهم المختلط، مما يضمن حصولهم على أقصى قدر من الرؤية.
مخاطر العمل عن بعد ومميزاته:
تشمل العيوب المحتملة للعمل المختلط وجود تأثير سلبي على العمل الجماعي والروح المعنوية وهو ما قد يحتاج القادة إلى معالجته. من المرجح أن تتم فرص إجراء المحادثات القيمة بين الأفراد بشكل أقل تكرارًا، مما قد يؤدي إلى ضياع فرص التعاون وتحسين العمليات.
إن العمل المختلط/عن بعد لا يعني ضياع جميع فرص التواصل حيث تمنحنا التكنولوجيا الآن العديد من الطرق لتفادى التحديات . ومن الدروس المستفادة من الوباء حيث تم عقد العديد من المؤتمرات والفعاليات بالكامل عبر الإنترنت. تسمح منصات مثل LinkedIn للقادة بالتواصل مع الأشخاص في جميع أنحاء العالم وبناء شبكتهم الرقمية. وتشجع البرامج المتخصصة الأخرى القادة وموظفيهم على قضاء بعض الوقت غير الرسمي عبر الإنترنت.
إن القرار الرئيسي للقائد هو مدى ضرورة مراقبة أداء الموظفين. إن التكنولوجيا متاحة للقيام بذلك. ومع ذلك، فإن مسألة الثقة أصبحت عامل أساسى. قد تكون هناك وظائف معينة حيث يصبح من الضروري للشركة الوصول إلى بعض البيانات لأسباب أمنية. وينبغي الالتزام بسياسات حماية البيانات والخصوصية في جميع الأوقات.
يدرك القادة الأقوياء أهمية تقديم الملاحظات وتلقيها وإدراجها أثناء تنفيذ المشروع وفى خططه وليس فقط في نهايته. حيث يعني العمل المختلط فرصًا أقل للمشاركة وجهًا لوجه، يمكن استخدام التكنولوجيا عبر البرامج التي تجمع تعليقات الموظفين وتخزنها. يحتاج القادة إلى أن يكونوا قدوة للسلوك الجيد من خلال البحث بشكل واضح عن التعليقات حول أدائهم والاستجابة لها.
من المهم أن يتم إطلاع فريق الموارد البشرية كقائد على ما يعكس التزام المؤسسة بالعمل المختلط من خلال ضمان أن السياسات والممارسات لا تضر بالعمال الذين يعملون فى نموذج العمل المختلط. على سبيل المثال، مراجعة معايير الترقية الداخلية ومراجعة الأداء للتأكد من ملاءمتها. وينبغي النظر في سياسات تكنولوجيا المعلومات المحدثة، لتعكس احتياجات الأشخاص الذين يعملون في المنزل ويستخدمون بيانات آمنة لم تكن متاحة من قبل. يجب على القادة النظر في بعض القضايا الحساسة حول العمل المختلط، على سبيل المثال، هل يؤدي ذلك إلى إدخال المكاتب المشتركة حيث أن بالنسبة لبعض الموظفين فإن فقدان جزء من مساحتهم الشخصية قد يكون أمرًا سلبيًا.
لا يزال استخدام الذكاء الاصطناعي في معظم المؤسسات في مراحله المبكرة ، حيث لا يثق الكثيرون في إمكانياته. إن إستخدام ادوات الذكاء الاصطناعى من المحتمل أن يوفر للقادة أنفسهم ميزة تنافسية. كما سيكون من المفيد أن يكون هناك شفافية بشأن المزايا والعيوب بالإضافة إلى تحديد أين ومتى يمكن استخدامها. يعد الإدماج المبكر للموظفين للتأثير على حدود استخدام الذكاء الاصطناعي وتنفيذه استثمارًا مفيدًا.
تقوم العديد من المؤسسات بجمع البيانات بشكل يومي ولكنها لا تستغلها على النحو الأمثل، وبالتالى تصبح فرصة ضائعة. يجب على القادة الاستثمار في الموظفين الجدد الذين لديهم خبرة في تحليل البيانات ويمكنهم توفير بعض الاستخدامات المخصصة للتكنولوجيا لتلبية الاحتياجات المحددة للمؤسسة. والأهم من ذلك أن هذه التعيينات يمكنها تحسين مهارات القوى العاملة الحالية من خلال التعلم على الارض الواقع من خلال التجربة العملية.
في حين أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى بعض الاضطراب، إلا أن ذلك في حد ذاته يشجع على المزيد من الابتكار. يتحمل القادة مسؤولية أخلاقية بالإضافة إلى مسؤولية إدارية لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مناسب وبما يتوافق مع اللوائح. ربما تكون فرصة قوية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في هذه المرحلة لإحداث فرق حقيقي هي جمع البيانات حول مشاركة الموظفين بشكل مستمر. ويمكن استخدام هذا للتنبؤ بالسلوكيات والإجراءات المستقبلية لفريق القيادة.
يمكن للقادة استخدام التكنولوجيا، على سبيل المثال، كجزء من عمليات التوظيف والاختيار الخاصة بهم حتى يحصل المرشحون المحتملون على تجربة شخصية. يمكن أيضًا استخدام التخصيص كجزء من استراتيجية مشاركة الموظفين. إن استخدام الذكاء الاصطناعي ليس علاجا سحريا، وستظل هناك حاجة إلى التدخلات البشرية، وخاصة في مراحل التبني المبكرة، لضمان اتخاذ القرار العادل.
سيتعين على فرق الموارد البشرية التابعة للقادة العمل مع الخبراء لضمان إمكانية تقليل أي نتائج سلبية محتملة للذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال. إذا بدأ جميع الموظفين في استخدام Chat GPT في عملهم. سيحتاج القادة إلى مهاراتهم في إدارة تقدم التغيير في مؤسسة قد تجد التغيير أمرًا صعبًا للغاية.