بقلم: فرحات علي خان، الشريك الإداري في شركة سي إم آي
أدى الصعود المتسارع للعملات المشفرة الذي يشهده قطاع العملات الرقمية في الشرق الأوسط، إلى تغيرات سريعة في القطاع المالي الذي يتميز بالقوة والرسوخ، الأمر الذي يدعو إلى الإعجاب والحذر في آن واحد.
اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي صادرت بين عامي 2021 و 2022 أكثر من 4 مليارات درهم (1.1 مليار دولار أمريكي) من الأموال غير المشروعة، خطوات مدروسة واستباقية لمواكبة النمو الذي يشهده قطاع العملات المشفرة والتكيف مع التحولات المتسارعة للأصول الرقمية والحاجة الملحة إلى قوانين لمكافحة غسيل الأموال.
ولكن أدى هذا النمو السريع لسوق العملات المشفرة، كما هو الحال في مجالات الابتكار التكنولوجيا الأخرى، إلى إظهار الحاجة الملحة إلى قوانين فعالة لمكافحة غسيل الأموال.
وفي ظل استمرار القطاع في تحقيق إقبال ونمو متزايد، تتجلى بوضوح الحاجة إلى استكشاف وإيجاد سبل لتحقيق التوازن المعقد بين تعزيز نظام بيئي مزدهر للعملات المشفرة يفيد ويحمي مستخدميه ويخفف ليس فقط من المخاطر الواضحة، ولكن المخاطر الأساسية المرتبطة بغسيل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة.
أبرز التحديات
يترافق تطبيق أنظمة الامتثال الخاصة بمكافحة غسيل الأموال، كما هو الحال مع غيرها من أشكال التنظيم والضوابط والتوازنات في كل قطاع، مع مجموعة من التحديات الخاصة. وهذا يشمل تعقيد وحجم المعاملات الرقمية التي يصعب في كثير من الأحيان على أنظمة واستراتيجيات مكافحة غسيل الأموال التقليدية مواكبة سرعة التي تتطور بها أساليب غسيل الأموال الحديثة، مما يؤدي بدوره إلى تطور جرائم غسيل الأموال من حيث الحجم والتعقيد.
كما تشكل التغييرات في المشهد التنظيمي بسبب زيادة تعقيد أساليب غسيل الأموال حجر عثرة رئيسي فيما يتعلق بالامتثال. وقد أدى هذا التحدي إلى إيجاد ثغرات في الامتثال ناهيك عن الزيادة في التكاليف، والتي يمكن أن تطغى على العملية والفريق بشكل عام.
يبدو أن التحديات الأخرى مثل ضرورة امتثال للمنظمات ذات الوجود العالمي لقوانين مختلفة التي تواجه، وعدم كفاءة الإجراء بسبب استخدام البرامج القديمة، والعمليات اليدوية، والاعتماد على الوثائق الورقية، والأنظمة المعزولة، والتحقق من هوية العملاء وتقييم مخاطر غسيل الأموال المحتملة أو الجرائم المالية الأخرى، تبطئ التكامل السلس لمكافحة غسيل الأموال في مجال العملات الرقمية.
مزايا التكامل في مكافحة غسيل الأموال
نظراً للسمات التي تتصف بها العملات المشفرة والتي تجعلها بؤرة جذب للأنشطة الاحتيالية، لا يزال تحقيق توازن بين العملة المشفرة ومكافحة غسيل الأموال على المدى الطويل ممكناً. يمكن لمنصات العملات الرقمية تعزيز تدابيرها الأمنية الشاملة ضد الأنشطة الاحتيالية من خلال وضع استراتيجية مناسبة لمكافحة غسيل الأموال. ويشمل ذلك الكشف المبكر عن المعاملات المشبوهة وتحديد الأنماط المميزة التي تشير إلى نشاط غسيل الأموال.
كما يسمح التكامل في استراتيجيات مكافحة غسيل الأموال لمنصات العملات المشفرة ضمان الامتثال للمتطلبات التنظيمية في كل دولة، والتي تتيح بدورها تجنب المشاكل القانونية المحتملة الإجراءات العقابية.
كما يمكن للمنصات التي تثبت التزامها بقوانين مكافحة غسيل الأموال بناء وتعزيز مصداقيتها بين المستخدمين والشركاء، الأمر الذي شكل ميزة حاسمة. كما قد يؤدي ذلك إلى زيادة الإقبال على المنصة واستخدامها.
تحقيق التوازن المثالي
يتوجب على جميع منصات العملات المشفرة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي يشهد اقتصادها الرقمي ازدهاراً، تحقيق التوازن المثالي بين العملات المشفرة ومكافحة غسيل الأموال. وبالرغم من عدم وجود حل واحد يناسب الجميع لمواجهة التحديات، لا يزال بالإمكان وضع خارطة طريق مناسبة لمكافحة غسيل الأموال.
أصبحت لوائح مكافحة غسيل الأموال حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة معنية إلى حد كبير بالأنشطة المتعلقة بالعملات المشفرة نتيجة الخصائص الفريدة لأصولها الرقمية والأخطار الناجمة عن إساءة استخدامها في الأنشطة المالية غير المشروعة. ويؤكد هذا الأمر، بالإضافة إلى عوامل ناشئة أخرى مثل الحجم الكبير للمعلومات التي تم جمعها لضمان شرعية معاملات العملاء، على ضرورة وحتمية التحقق من هوية المستخدمين من باب الحرص الواجب تجاه العملاء.
يمكن من خلال تنفيذ استراتيجيات فعّالة لمكافحة غسيل الأموال مساعدة منصات العملات الرقمية على إجراء فحوصات مكافحة غسيل الأموال بشكل مباشر، وتقليل نسبة الخطأ بشكل كبير، وتعزيز عملية الامتثال الشاملة. كما يتوجب على هذه المنصات التأكد من قدرة استراتيجيتها الخاصة بمكافحة غسيل الأموال على التحقق من المرسل والمستقبل تلقائياً باستخدام واجهات برمجة التطبيقات، ومراقبة جميع المعاملات المالية بما في ذلك المعاملات الكبيرة، والتغيرات المفاجئة في سلوك المعاملات، والأنماط غير العادية.
تتضمن استراتيجيات مكافحة غسيل الأموال الفعالة الأخرى التعامل مع ميزة إخفاء الهوية في العملات المشفرة. حيث يمكن لمنصات العملات الرقمية أن تخفف بشكل فعال من مخاطر غسيل الأموال من خلال التدخلات التنظيمية، والتي قد تنطوي على فرض متطلبات اعرف عميلك (KYC) واعرف عملك (KYB)
نظراً لصعود مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز لأنشطة العملات المشفرة، فإن وضع معايير استراتيجية للقوانين الخاصة بمكافحة غسيل الأموال يعد أمراً بالغ الأهمية. ولتحقيق هذا الإنجاز، تُظهر دولة الإمارات العربية المتحدة، مع نظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي، التزامها بمواءمة الأهداف المزدوجة المتمثلة في تعزيز نظام بيئي مالي رقمي مزدهر مع التخفيف من المخاطر المرتبطة بغسيل الأموال. حيث مهدت الجهات الفاعلة في القطاع الطريق للنمو المستدام وعززت المصداقية في عالم الأصول الرقمية سريع التطور من خلال التعامل مع الخصائص المميزة للعملات المشفرة، وتطبيق مبدأ الحرص الواجب تجاه العملاء، وتعزيز التعاون بين المنظمين والجهات المعنية في القطاع.