بقلم نيكولاس رايت، رئيس المبيعات المؤسسية في ساكسو بنك
يعد الشمول التمكين المالي حجر الزاوية في تمكين الأفراد والشركات، وتزويدهم بالأدوات اللازمة للانخراط في الاقتصاد وتكوين الثروة. تتجلى هذه الضرورة بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث برزت التكنولوجيا المالية، كقوة تغيير كبيرة. حيث تستفيد التكنولوجيا المالية من التكنولوجيا لإحداث تغيير جذري في الخدمات المالية، بحيث أكثر سهولة وكفاءة، وغالباً ما تكون أكثر توفيراً من حيث التكلفة. يعد هذا التحول النموذجي في تقديم الخدمات المالية مفيداً في الوصول إلى الفئات التي تفتقر تاريخياً إلى الخدمات التي توفرها الأنظمة المصرفية التقليدية.
تسهم التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تتميز بتنوعها السكاني والاقتصادي، في سد الثغرات في الشمولية المالية. ولا يقتصر دور التكنولوجيا المالية على كسر الحواجز الجغرافية من خلال الحلول الرقمية المبتكرة فحسب، بل تتصدى أيضاً للتحديات التي يواجهها الأفراد والشركات التي قد يتم استبعادها من الخدمات المالية التقليدية بهدف إنشاء نظام بيئي مالي يتجاوز القيود التقليدية، مما يضمن مشاركة المجتمع الأوسع بنشاط وبشكل عادل في الأنشطة الاقتصادية.
واقع التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
أولاً، تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعدل استخدام عالٍ جداً للتكنولوجيا الرقمية. حيث يعد انتشار الهاتف المحمول كنسبة مئوية من السكان من بين أعلى المعدلات في العالم. ثانياً، تمتلك المنطقة مستوى عال جداً من الاستبعاد في النظام المالي، وخاصة بالنسبة لخدمات الاستثمار والثروة. حيث تقتصر أنشطة تداول المنتجات أو الاستثمار في المنتجات أو الحصول على المشورة بشأن المحفظة الاستثمارية، على الأفراد من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وهم بشكل عام من فئات عمرية كبيرة.
تعمل التكنولوجيا المالية، المتاحة للجميع، كعامل تمكين يقدم الخدمات بتكلفة منخفضة، وبالتالي يعزز الشمول والتمكين المالي، والذي يتخذ أشكالاً مختلفة، من الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول والمحافظ الرقمية إلى منصات الإقراض من نظير إلى نظير، ومنصات التداول والاستثمار والخدمات القائمة على البلوك تشين. تحدث هذه الحلول تأثيراً كبيراً من خلال تمكين الوصول إلى الخدمات المالية لشريحة أكبر من السكان، وتبسيط عمليات الدفع، وتعزيز المعرفة المالية، وتقديم منتجات مالية أكثر تخصيصاً.
كما لعبت الشراكات بين البنوك القائمة والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية دوراً هاماً في تقليص الفجوة بين الخدمات المصرفية التقليدية والحلول المالية المبتكرة. وتعد صيغ التعاون هذه عوامل حاسمة في ضمان أن الجمع بين المصداقية والثقة في الخدمات المصرفية التقليدية و كفاءة وابتكار التكنولوجيا المالية الحديثة، مما يوفر نظاماً بيئياً مالياً شاملاً يلبي الاحتياجات المتنوعة.
اجتياز التحديات
تواجه التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الرغم من نموها السريع، العديد من التحديات. تمثل العقبات التنظيمية والبنية التحتية التكنولوجية وتفاوت مستويات المعرفة المالية عوائق حقيقية. كما تشتد الحاجة لبناء الثقة بين المستخدمين في التقنيات المالية الجديدة.
تتطلب مواجهة هذه التحديات جهوداً مشتركة تشمل الحكومات والمؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا المالية. بحيث تنصب هذه الجهود على تطوير الأطر التنظيمية لاستيعاب التقنيات الجديدة بشكل أفضل بالتزامن مع ضمان حماية المستهلك. كما ينصب تركيز الهيئات التنظيمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تجاوز المراكز المالية الغربية القديمة لتشكل المراكز المالية المستقبلية.
يشكل التعليم تحدياً للشمول المالي. ولكن يمكن النظر على هذا التحدي كفرصة للتكنولوجيا المالية لإحداث فرق كبير بحيث تنطلق التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
قصص النجاح:
تهدف المبادرات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى تشجيع الابتكار الذي يسهم في تعزيز مكانتها كمراكز مالية متطورة من شأنها أن تدفع اقتصاداتها نحو المستقبل. فعلى سبيل المثال، تهدف الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى تحدي المراكز المالية الأخرى لتصبح مراكز للتكنولوجيا المالية. لقد أنشأوا مراكز للتكنولوجيا المالية، وقاموا بتوفير بيئة ملائمة، من خلال تقديم حوافز نقدية للعديد من شركات التكنولوجيا المالية للقدوم والعمل، والحصول على الرعاية، ونأمل أن تزدهر.
كما شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العديد من قصص النجاح حيث أثرت التكنولوجيا المالية بشكل كبير على التمكين المالي. على سبيل المثال، أحدثت خدمات الدفع والتحويلات قفزة نوعية في كيفية تعامل الأفراد والشركات، مما عزز مشاركة أوسع في الاقتصاد. كما مكنت مبادرات التكنولوجيا المالية التي تركز على التمويل الصغير وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الكثيرين من الحصول على التمويل وتحقيق النمو. كما شهدنا طفرة في شركات الثروة الرقمية الناشئة التي تقدم خدماتها للأثرياء.
تُظهر قصص النجاح هذه إمكانات التكنولوجيا المالية التي تساعدها على إحداث التغيير وتشكل نماذج تحتذى للمناطق الأخرى التي تتطلع إلى تعزيز الشمول المالي من خلال التكنولوجيا.
الآفاق المستقبلية:
يعتبر مستقبل التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واعداً، بما يوفره الابتكار المستمر من قدرة على تعزيز الشمول المالي بشكل أكبر. حيث من المتوقع أن تلعب التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين وإنترنت الأشياء دوراً محورياً في هذا التطور. حيث يسهم تطور هذه التقنيات، في جعل الخدمات المالية أكثر تخصيصاً وأماناً وشمولية.
يسهم التعاون المستمر بين الحكومات والمؤسسات المالية وشركات التكنولوجيا المالية في توفير بيئة مواتية للابتكار والنمو. حيث تسهم التكنولوجيا المالية بشكل كبير في التمكين الاقتصادي والتنمية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال الاستمرار في التركيز على احتياجات العملاء والاستفادة من التكنولوجيا.
الخلاصة:
حققت التكنولوجيا المالية بالفعل خطوات كبيرة في تعزيز الشمول والتمكين الماليين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حيث يمثل تقديم حلول مبتكرة للتحديات المالية التقليدية فرصة كبيرة للنمو الاقتصادي والتمكين المالي الشخصي. كما تفتح هذه الابتكارات المالية الأبواب أمام الأفراد للانتقال من الأنظمة التقليدية، مثل الودائع الثابتة والصناديق المشتركة، لتولي زمام الأمور بأنفسهم من خلال منصات تداول العملات،وتداول السلع، والأسهم والسندات، وغيرها، حيث تساعدهم هذه التطبيقات على فهم المزيد من المعلومات أكثر من أي وقت مضى.
مع استمرار المنطقة في تبني هذه التقنيات، فإن الإمكانات الكاملة للتكنولوجيا المالية في تعزيز نظام بيئي مالي شامل ومتاح للجميع هائلة. يسهم التطور المستمر للتكنولوجيا المالية في إعادة تشكيل الاقتصادات وتحويل الحياة، مما يتيح مستقبلاً يكون فيه التمكين الاقتصادي في متناول الجميع.