بقلم سوفي كيتشلو، مدير مكتب هيدريك آند سترجلز في دبي وعضو في قسم ممارسات الخدمات الصناعية العالمية.
تتميز منطقة الشرق الأوسط بوفرة الموارد الطبيعية وتنوعها، حيث تضم المملكة العربية السعودية وحدها 17٪ من احتياطيات البترول في العالم. ونتيجة للدور الكبير الذي تلعبه منطقة دول مجس التعاون الخليجي في الجهود العالمية للتقليل من انبعاثات الكربون وتحسين البيئة، تحرص القيادات الرشيدة، من خلال المبادرات الحكومية مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، للتركيز بشكل رئيسي على القضايا البيئية والطاقة المتجددة.
وكانت برايس ووتر هاوس كوبرز قد سلطت الضوء، من خلال تقريرها الذي نشرته في مايو 2023، على أن 73٪ من الشركات في الشرق الأوسط تعمل من أجل الحياد الكربوني أو التزمت به. وبالنسبة لقادة الأعمال في الشرق الأوسط، أصبحت الاستدامة غير قابلة للتفاوض في جدول أعمالهم، حيث يقوم العديد من العملاء الآن بتقييم برنامج استدامة البائع باعتباره عامل تمييز وتشمل الممارسة العادية لإحدى شركات البنية التحتية تثقيف العملاء كلما أمكن ذلك بشأن المنتجات الخضراء المبتكرة؛ أو إدراج خيار أكثر مراعاة للبيئة في العقد حتى وإن لم يطلبها بشكل صريح. هذه الإجراءات لها فوائد واضحة، وقد اختار عدد متزايد من عملاء دول مجلس التعاون الخليجي الذهاب إلى الخيار الأخضر، حتى لو لم يكن الخيار الأكثر فعالية من حيث التكلفة.
ونظراً لأن المستهلكين يقودون الطلب على الممارسات المستدامة، فإن هذه القضية لها تأثير مباشر على الإيرادات، وهذا بدوره يظهر سبب الاهتمام الكبير الذي تبديه فرق القيادة في استقطاب رئيس قسم الاستدامة إلى صفوفها، بهدف تعزيز أجندة الاستدامة. وتزايدت أهمية هذا المسمى الوظيفي على مدى السنوات الثلاث الماضية، ووفقاً لتقرير PwC يكشف أن أكثر من (27٪) من المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط الآن تضم رئيساً لقسم الاستدامة كجزء لا يتجزأ من هياكل قيادتها.
في الوضع المثالي، يجب أن يتم اختيار رئيس قسم الاستدامة من داخل الشركة، وهذه الطريقة تم اعتمادها على نطاق عالمي على مدى العقد الماضي، حيث وقع اختيار معظم الشركات على الشخص الملائم لهذا المنصب من داخل الأقسام الداخلية مثل الاتصالات، والمسؤولية الاجتماعية للشركات، والبيئة، وصحة وسلامة العاملين، أو من بين مسؤولي الاستراتيجية والاستشاريين الذين يتمتعون بتجربة في تقديم المشورة للمؤسسة حول كيفية إدارة انتقال الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون.
تعتبر ميزة هذا النهج واضحة في أن المدراء التنفيذيين الحاليين يعرفون الشركة ومن المرجح أن تكون لديهم علاقات جيدة مع أصحاب المصلحة. ومع ذلك، مع تطور التوقعات بأن يكون قادة الاستدامة أكثر تفانياً ويجلبون وجهات نظر عالمية، ويقدمون حلولاً إبداعية ويمارسون حكماً أكثر استقلالية على المخاطر والفرص البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، نرى عدداً متزايداً من الشركات التي توظف من الخارج، على الرغم من الحداثة النسبية لدور كبار مسؤولي الاستدامة مما يجعل من الصعب العثور على المواهب ذات الخبرة.
ما الذي يجب أن تبحث عنه الشركات عند تعيين رئيس قسم الاستدامة
نظراً للمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق رئيس قسم الاستدامة، حيث يشارك في كل جانب من جوانب العمل، بدءاً من التعامل مع الموردين ووصولاً إلى التواصل مع العملاء، يجب على المؤسسات البحث عن مرشح يشعر بالراحة في التعامل مع كل جزء من دورة الأعمال ومع قادة الأعمال. تضم قائمة المرشحين الأنسب لهذا المنصب أولئك الذين قاموا بالكثير من العمل في شؤون الشركات، ولديهم خبرة في التواصل مع الأشخاص المناسبين عبر الصناعات، وعملوا في استراتيجيات إزالة الكربون، وقادة الأعمال ذوي الخبرة في الصناعات المنخفضة الانبعاثات.
وتكثر التحديات التي قد تواجه رئيس قسم الاستدامة خلال رحلته لتحقيق التغيير الفعال، على سبيل المثال، قد تحتاج منظمة صناعية كبيرة تتطلع إلى تقليل الانبعاثات أولاً إلى الاستثمار في بنية تحتية جديدة، ولذلك يحتاج من يشغل هذا المنصب إلى التعاون مع الرئيس التنفيذي والمسؤولين الرئيسيين الآخرين حتى يوضح لهم القرارات الصعبة التي يتم اتخاذها للوصول إلى المكان الذي تريد المنظمة أن تكون فيه من حيث الاستدامة على نطاق واسع ونشرها بسلاسة.
يعد التسلسل الإداري لرئيس قسم الاستدامة أيضاً مجالاً مهماً آخر يجب مراعاته ونرى المزيد من رؤساء قسم الاستدامة يصبحون جزءاً من المسؤولين الإداريين، ويمكنهم تقديم تقارير في مجموعة متنوعة من الوظائف مثل اتصالات التسويق أو العمليات أو الإستراتيجية أو الشؤون القانونية أو المالية، ولكن رئيس قسم الاستدامة المتمرس هو الأكثر فعالية كجزء من الفريق التنفيذي الذي يقدم تقاريره مباشرة إلى الرئيس التنفيذي.
في حين أن رئيس قسم الاستدامة يمكنه قيادة المبادرات والبرامج من أجل الاستدامة، إلا انه قد يختلف الدور الذي يلعبه من يشغل هذا المنصب من شركة لأخرى، فمثلاً تتمتع إحدى شركات البناء الدولية ببرنامج استدامة مُنظَّم يتضمن معايير قياسية، ومن المتوقع أن يقوده قادة وحدات الأعمال المختلفة، وفي شركة أخرى للبنية التحتية والطاقة المتجددة، ترتبط نسبة مئوية من مكافأة القيادة العليا بمبادرات الاستدامة.
وهذا ما يجعل التحول إلى الأعمال المستدامة عملية تتطلب الكثير من الجهد والمراقبة والمتابعة، ويمكن أن يكون رئيس قسم الاستدامة العقل المدبر لقيادة التغيير، ولكن يجب على جميع القادة في الشركة تبني نفس الرؤية المستقبلية.