بقلم سوفي كيتشلو، مدير مكتب هيدريك آند سترجلز في دبي وعضو في قسم ممارسات الخدمات الصناعية العالمية.
مع استمرار زيادة تركيز الجمهور والمستثمرين على القضايا الخاصة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، فمن الواضح أن مهام المدير المالي التنفيذي الناجح أصبحت أكثر بكثير من مجرد تحقيق الأرباح القوية. وكما أشار امتياز ماهتاب، الشريك المؤسس لشركة هاي دييل، فإن التركيز اليوم لا ينصب على الأرباح فقط بل على “النتيجة الثلاثية” المتمثلة في البشر والكوكب وتحقيق الأرباح. وعلى الرغم من أن بعض المدراء الماليين التنفيذيين لم يقبلوا ذلك بعد، إلا أن اعتبارات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أصبحت بسرعة جزءاً من الوصف الوظيفي الخاص بهم مثل ما هي جزء من الوصف الوظيفي للرؤوساء التنفيذيين.
ومع أن غالبية المستثمرين أصبحوا اليوم يطالبون بإستراتيجية قوية لتحديد معايير قياسية للممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، و في حين أن جميع المؤسسات الكبيرة تقريباً تدعي أنها تضع الاستدامة على جدول أولوياتها، إلا أن المبادرات الخاصة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لا تزال غير مكتملة، وغالباً ما تكون منفصلة عن أهداف العمل والواقع، وكنتيجة لذلك، تلقى بياناتهم تشكيكاً متزايداً. وهنا تكمن أهمية الدور الذي يشغله المدير المالي التنفيذي، حيث تستفيد الشركات في مثل هذه الحالات من الدقة التي تتميز بها تصريحاته لمواجهة هذه التشكيكات.
يعد تحرك الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات نحو مجال التمويل وتحولها من قطاع الطاقة إلى قطاع الخدمات المصرفية جزءاُ من تغيير أوسع عندما يتعلق الأمر بما يتوقعه الشركاء من المدير المالي التنفيذي أن يؤديه. لقد تحول دوره من مجرد وظيفة داعمة ليصبح بشكل أكثر كمحركاً لأعمال الشركة، حيث يتحول التركيز من مجرد فكرة “التمويل” إلى فكرة “التمويل المستدام”.
حيث تعد معايير الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أحد الاعتبارات الأولى بالنسبة للبنوك والمستثمرين، في حين يفضل المستهلكون بشكل متزايد العلامات التجارية التي تظهر التزامها بتحقيق الاستدامة. كما تعتبر التقارير الشفافة أمراً بالغ الأهمية لتمكين فهم التأثير البيئي والتقدم النوعي والكمي في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بما في ذلك مجالات مثل الانبعاثات الكربونية والحد من آثارها واستخدام الطاقة وممارسات العمل والممارسات التجارية الأخلاقية والصحة والسلامة في أماكن العمل وتناقص أعداد الموظفين وتأثير الشركات على المجتمعات المحلية. لا يتطلب تولي منصب المدير المالي التنفيذي اليوم فهماً قوياً للأرقام فحسب، بل يتطلب فهماً شاملاً لجميع مجالات العمل، بالإضافة إلى فهم تأثير الشركة على المجتمع والعكس صحيح.
وجد استطلاع أجرته شركة هيدريك آند سترجلز في العام 2020 أن 89% من المدراء الماليين التنفيذين أشاروا إلى أن التواصل هو المهارة الأكثر أهمية للقادة الماليين (حيث تتجاوز المهارات الوظيفية المحددة). وسلط الاستطلاع الضوء على التواصل باعتباره أحد المجالات الضرورية في العمل، حيث قال 51% فقط من المديرين الماليين التنفيذيين إن مثل هذه المهارات شائعة. وتضمنت سمات القيادة الضرورية الأخرى إحساساً واضحاً بالهدف الفردي والتنظيمي؛ والقدرة على التكيف؛ والتعاطف والمرونة.
يلعب المدير المالي التنفيذي إلى جانب الرئيس التنفيذي، أيضاً دوراً هاماً في دعم ثقافة تنفيذ الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات والممارسات المستدامة عبر الشركات. و يعني هذا في معظم الحالات، تبني منهجاً أكثر انفتاحاً والاستعداد لاستيعاب كمية كبيرة من المعلومات الجديدة.
تقول سينثيا وهبي، المدير المالي التنفيذي لدى شركة بيتزا هت في الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا: “إنها حالة من التحول من عقلية “معرفة كل شيء” إلى “تعلم كل شيء”. وتضيف أنه من المهم أن تكون قادراً على إدراك قيمة الأنشطة الخاصة بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بما يتجاوز تأثيرها على الأرباح والخسائر، وهو أمر ليس واضحاً دائماً، عادةً ما تكون الاستثمارات “المستدامة” أكثر تكلفة من الخيارات الأقل سلامةً من الناحية البيئية، ويمكن للمدير المالي المطّلع التأثير على التغيير الإيجابي. “ما يميز المدير المالي التنفيذي الجيد عن المدير السيئ هو أنه ينظر إلى القيمة. إنها أكثر أهمية من النظر إلى الأرقام والأرباح. فالتركيز على القيمة يحقق أرباحاً مستدامة، وليس تحقيق ربحاً لمرة واحدة فقط”.
وكما أشار ماهتاب، “إن الشركات الناجحة هي تلك التي تكون فيها الاستدامة جزءاً متجذراً من عملها. فعندما يتحدثون عن الاستثمار لحل مشكلة العملاء، لا بد أن يكون الحل مستداماً. ويحتاج أيضاً إلى إظهار الالتزام بالتطوير والابتكار. نحن نستثمر ما لا يقل عن 10% من أرباحنا في التطوير المستمر لمنتجاتنا وأنظمتنا.”
ويضيف أن التواصل التفصيلي والمتكرر حول التقدم المحرز في تحقيق أهداف الاستدامة أمر مهم، لأن نتائج الإنجازات لا تظهر دائماً على الفور.
ينصح سمير تونابي، رئيس قسم تمويل عمليات الخدمات العالمية في شركة جي إي فيرنوفا، المقيم في دبي، بأن الطريقة الوحيدة لفهم أولويات وتأثير الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات للمؤسسة هو قضاء بعض الوقت على أرض الواقع مع فرق التشغيل المختلفة. ويساعد هذا أيضاً في بناء الوعي بالتحديات الخارجية والتهديدات المحتملة.
ويقول: “يحتاج المدير المالي التنفيذي إلى التحدث بنفس لغة الشركة وألا يُنظر إليه على أنه مجرد حارس للخزانة المالية، بل كمسؤول تنفيذي يتمتع بفهم عميق لاحتياجات الشركة”.
وفي نهاية المطاف فإن هذا النهج المقترن بالخبرة المالية هو ما يضيف قيمة لتقديم الآراء واتخاذ القرارات التي لها تأثير مالي ونمو واستقرار طويل المدى للمنظمة. ولتقديم استشارات فعالة في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ينصح السيد تونابي أيضاً باكتساب أكبر قدر ممكن من الخبرة الدولية عبر القطاعات في وقت مبكر من الحياة المهنية.
في الواقع، يمر تطور المدير المالي التنفيذي ليصبح حارساً ومروجاً لمعايير الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بمراحل مختلفة إلى حد كبير عبر المؤسسات. من الأفضل لأولئك الذين لديهم خبرة محدودة في شؤون الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أن يقوموا بتعميق علاقاتهم مع مختلف مجالات العمل لفهم كيفية تأثير الاستدامة على كل وظيفة، بالإضافة إلى المشاركة بشكل وثيق مع مجتمع المستثمرين حول هذا الموضوع. سيؤدي ذلك إلى التركيز على توقعات محددة بشأن الأعمال التي يمكن للمدير المالي التنفيذي بعد ذلك التأثير عليها وحتى قيادتها. وأخيراً، يتحمل المدير المالي التنفيذي التزاماً متزايداً بمواكبة تحركات المنظمات المنافسة نحو التي تعمل على تطبيق الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، وذلك لتحديد الفرص المتاحة والتميّز، ولتجنب التخلف عن الركب.
في حين أن معايير الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات قد وصلت بالفعل إلى مكانة الكلمات الطنانة، فإن العمل ضمنياً بشأن مبادئها أمر بالغ الأهمية للحفاظ على نجاح الشركات. قكلما زادت التفاصيل التي يمكن للمدير المالي التنفيذي تحقيقها في هذا المجال، كلما أصبحت آفاق مؤسسته وآفاقه الخاصة أقوى.