سمر الصايغ، شريك في شركة PwC، ومدير أكاديمية PwC الشرق الأوسط
في ظل معاناة الاقتصاد العالمي مع المهارات ونقص العمالة، بما في ذلك هنا في الشرق الأوسط، تكتسب مسألة المهارات أولوية ملحوظة من أجل تمكين استراتيجيات التحول. ومع الوتيرة السريعة التي يتغير بها مستقبل العمل، مدفوعاً إلى حد كبير بالرقمنة وجهود إزالة الكربون، هناك إجماع على أنه الآن، وأكثر من أي وقت مضى، لا يمكننا تحمّل التباطؤ في هذا الصدد. لذا، فإن المهارات التي نختارها لتحديد الأولويات والقيمة والاستثمار فيها ستكون ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى ازدهار الأعمال والاقتصادات والمجتمعات
ويعد تجهيز القوى العاملة لمستقبل مجهول تحدياً لا يقع فقط على عاتق الشركات، ولكن الحكومات أيضاً. وفي الوقت الذي تتنافس فيه اقتصادات الشرق الأوسط لتصبح رائدة عالمياً في العديد من المجالات، أصبح تطوير المواهب المحلية جزءاً من استراتيجيتها، كما هو الحال في اجتذاب المواهب والكفاءات العالمية. ولتحقيق كلا الأمرين، يجب أن يتم دمج تطوير المهارات في مجملها في القطاعين العام والخاص، والعمل جنباً إلى جنب لدعم المعايير العالية للتعلم والتطوير.
إن اقتصاد الشرق الأوسط مهيأ للتوسع سريعاً على المدى القصير، لكن الحكومات والقطاع الخاص بحاجة إلى ضمان عدم الابتعاد عن مسار الإستراتيجية طويلة المدى في هذه الرحلة. وتحدد كل من رؤية السعودية 2030، ورؤية الإمارات 2031 أهدافهما المتمثلة في إنشاء قوة عاملة قادرة على المنافسة عالمياً – مع جعل تنمية المهارات محركاً رئيسياً لأجندات التحول الخاصة بها، فضلاً عن تطوير منصة مستدامة للسعودة والتوطين. وتتسم القوى العاملة باستعدادها لمواكبة التغيير. في الواقع، يسعى العاملون في الشرق الأوسط، أكثر بكثير من نظرائهم على مستوى العالم، إلى تنمية مهاراتهم كوسيلة لتعزيز جاهزيتهم للمستقبل، وفقاً لاستطلاع “آمال ومخاوف القوى العاملة في الشرق الأوسط 2023” من مؤسسة PwC الشرق الأوسط [1].
ومع الدور الذي تلعبه الحكومات ذات الرؤية المستقبلية في تمكين هذه الجهود، أصبح على الشركات الآن تنفيذ إطار العمل على نطاق أوسع. وينبغي عليها كذلك أن تطرح السؤال التالي: ما هي المهارات التي ستجلب قيمة حقيقية الآن وبعد 10 سنوات؟ إن الاستعداد للمستقبل لا يقتصر على ذلك وحسب، بل يبرز أيضاً للموظفين أن تطورهم جزء من الإستراتيجية طويلة المدى للشركة.
إن ضمان رضا الموظفين لا يقل أهمية عما سبق، حيث تستمر الشركات في محاربة “موجة الاستقالات”. ووفقاً لاستطلاع “الآمال والمخاوف 2023″[1] لمؤسسة PwC، أعرب 39٪ من المشاركين في الشرق الأوسط عن احتمالية أكبر لتغيير أماكن عملهم في 2023، مقارنة بـ 30٪ في العام الماضي. وقد يوفر الارتقاء بالمهارات غطاء أمان من نوع ما للشركات، ولكنه ليس مجرد أداة لجذب المواهب والاحتفاظ بها. إنها فرصة لتطوير الموظفين، من خلال التعلم الشامل والمتكامل، والذي بدوره يعزز نمو الأعمال والابتكار على المدى الطويل. وفي عصر تتوفر فيه المعلومات بسهولة، إلى جانب وفرة الموارد، تطورت قيمة التعلم لتصبح أكثر مما نعرفه، وكذلك، كيف نقوم بتطبيقه.
ويؤدي تسخير المهارات بأبعادها الثلاثة – الرقمية والتقنية والبشرية –إلى تزويد القوى العاملة بالمعرفة والعقلية الصحيحة لتهيئة أنفسهم للمستقبل، وتمكينهم من إحداث تغيير في بيئة عملهم. ولا شك أن محو الأمية الرقمية ضرورية، لكن قيمتها تتضاءل إن لم تكن مدعومة بالمهارات البشرية. ولعل التفكير التحليلي والابتكار والتعلم النشط، والتفكير النقدي والقيادة والمرونة هي عدد قليل من المهارات البشرية العديدة التي تسعى الشركات بشكل متزايد وراءها، بالإضافة إلى المطالبة بمجموعات المهارات الوظيفية والتقنية الأكثر واقعية.
إن الشركات التي تشجع ثقافة تنمية المهارات، وتضع سياسات وأطر داخلية تمكنها من أن تكون فعّالة، لن تجتذب المواهب وتحتفظ بها وحسب، بل ستعمل أيضاً على تحسين الإنتاجية والكفاءة داخل منظومة القوى العاملة. وبالنسبة للموظفين، فإن تبنّي هذه السياسات يزيد من القيمة التي يمثّلونها، ويتيح أفقاً جديداً أمامهم. وعندما يتم القيام بذلك بشكل صحيح، يمكن أن تصبح أحد أكبر محركات النمو على نطاق واسع لكل من الأعمال والأفراد على حد سواء.
ولكي تتبنى الشركات ثقافة تعلم حقيقية، فإنها تحتاج أولاً إلى فهم المهارات والكفاءات الموجودة، وإنشاء خطط تطوير لكل فرد. ومن المهم أيضاً فهم تفضيلات التعلم الشخصية ورعايتها – سواء كان جزئياً أو مزيجاً من التعلم الافتراضي والشخصي، أو مرتكزاً على الفصول الدراسية أو المحاكاة، على سبيل المثال.
إن استراتيجية تنمية المهارات في شركتك ليست اختيارية أو من الجيد توفيرها فقط، بل هي عامل تمكين استراتيجي للنمو على المدى الطويل، ويحتاج قادة الأعمال إلى التعامل معها على هذا النحو. ولاستخدامها كأداة مستقبلية، يجب أن تظل مدركاً للمهارات الأساسية التي تقوم عليها كل بيئة للعمل. إن الارتقاء بالمهارات هو أكثر بكثير من مجرد حل سريع لسد فجوة المهارات – إنه حل قابل للتطوير ومستدام لإحداث ثورة في التغيير، لكنه يتطلب استراتيجية واستثماراً وصبراً.