بقلم : رمزي قناطي، الرئیس المشارك لنادي ریادة الأعمال في كلیة لندن لإدارة الأعمال (LBS) والمؤسس الشریك والرئیس
التنفیذي للعملیات لتطبیق ماتیرنلي Maternally.
” كل الأفكار والأحلام والمشاريع مهما كبرت، ومهما عظمت، ممكنة التحقق، وعلى قدر أحلامنا تأتي إنجازاتنا.“ – صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي.
تُعد ریادة الأعمال شریان الحیاة للتنمیة الاقتصادیة والمحفز الرئیسي للابتكار وتوفیر فرص العمل والتطور الاجتماعي. ویركن لھا الفضل في كثیر من الأحیان في معالجة المشكلات وإیجاد حلول مبتكرة وبناء الخبرات والثروات، ما یجعلھا وسیلة فعالة لإحداث الأثر الإیجابي طویل الأمد. وفي ضوء التغیرات العدیدة التي تشھدھا منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا حیث تنویع مصادر الدخل والنمو الاقتصادي ذو أھمیة كبیرة، یتسلط الضوء على أھمیة تعزیز ریادة الأعمال للارتقاء بمستقبل مجتمعاتھم. ولكن ھل ریادة الاعمال مناسبة للجمیع؟
توفیر القیمة المشتركة
یستحیل أن یكون النجاح حلیف منظومة ریادة الأعمال وھي في حالة من العزلة، إذ تقوم بطبیعتھا على التعاون مع مختلف الجھات المعنیة بما یشمل المؤسسات الأكادیمیة والحكومات والشركات والمنظمات غیر الربحیة. كما تستفید ھذه الشراكات الاستراتیجیة من الموارد والخبرات وعلاقات الافراد المختلفة ببعضھم لتزوید الشركات الناشئة بنظام الدعم اللازم لنموھا وازدھارھا. إذاً، ھل ریادة الأعمال ھي حقًا مسار حصري، أم یمكن أن تكون متاحة للجمیع؟
اكتسبتُ خلال دراستي في كلیة لندن لإدارة الأعمال (LBS) منظوراً حول ریادة الأعمال یقوده الحماس والشغف. وخلال تلك الاثناء لفتني ما كتبه الدكتور جون مولینز، الأستاذ المشارك باختصاص قطاع الإدارة في قسم التسویق وریادة الأعمال بكلیة لندن للأعمال (LBS), حول ریادة الأعمال، في بحث أجراه عام 2006 بعنوان “ھل یمكننا تعلیم ریادة الأعمال؟” (بزنس ستراتیجي ریفیو، شتاء عام 2006)، حیث كتب الدكتور مولینز: “إن التعرف على ریادة الأعمال یترافق بالضرورة مع اكتشاف مدى ملاءمتھا لك، إذ تُعد طریقاً محفوفاً بالغموض وانعدام الیقین، وقد لا تكون خیاراً مفضلاً للجمیع بسبب العثرات والتحدیات التي تعوق طریق التقدم أحیاناً”.
لا شك أن معظمنا لا یروقه التعرض للتوتر والتغییرات المفاجئة والعیش في حالة من الغموض، ولكن یجب ألا یخفى علینا أیضا انه باستطاعتنا التغلب على الكثیر من التحدیات التي تواجھنا من خلال التحالفات والشراكات الاستراتیجیة. وقد تكون ھذه الشراكات الاستراتیجیة الوسیلة المثلى لإتاحة فرص ریادة الأعمال للجمیع بدلا من كونھا حكراً على فئة محددة من الأشخاص.
ولطالما شھدنا دور مثل ھذه الشراكات في إحداث نقلة نوعیة في مختلف مناطق العالم وتحویلھا إلى مراكز نشطة في مجال ريادة الأعمال, ومثال ذلك وادي السیلیكون (Silicon Valley) في الولایات المتحدة الامیریكیة الذي یُعزى نصیب لا بأس به من نجاحه إلى قوة التعاون بین الجامعات وأصحاب رؤوس الأموال وشركات التكنولوجیا الكبرى. وكرّست منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا حیزاً من جھودھا لتكرار ھذا النموذج من خلال دعم الشراكات المماثلة.
وتُعد مسابقة الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا، التي نظمتھا كلیة لندن لإدارة الأعمال (LBS) بقصد تمكین رواد الأعمال الناشئین، مثالاً واضحاً على دور الشراكات الاستراتیجیة في تغییر مجریات الأمور وإحداث نقلة نوعیة حقیقیة. وقد تعاونّا مع المؤسسات المحلیة والحكومات وقادة القطاع لتنظیم ھذه المسابقة بالشكل الأمثل، حیث یقودھا نادي ریادة الأعمال الذي أسسه مؤخراً خریجو كلیة لندن لإدارة الأعمال في دبي، وذلك بدعم من معھد ریادة الأعمال ورأس المال الخاص في كلیة لندن للأعمال .(LBS) وتوفر المسابقة الدعم المالي والإشراف الضروري وفرص التواصل اللازمة للمشاركین، حيث قدمت في دورتھا الثانیة الدعم للشركات الناشئة التي تساھم حالیاً بشكل فعال في الارتقاء باقتصاد المنطقة.
انطلق معھد ریادة الأعمال ورأس المال الخاص في كلیة لندن للأعمال (LBS) في عام 2021 بقیادة المدیرة التنفیذیة جین خضیر، وھو یضم حاضنة أعمال في لندن تقدم 250 ألف جنیه إسترلیني للشركات الناشئة المشاركة، كما أطلق مؤخراً منتدى المستثمرین الداعمین للأعمال في منطقة الشرق الأوسط من كلیة لندن لإدارة الأعمال Middle East LBS Business Angles Investors (MELBA) . وبما أن ریادة الأعمال قد لا تكون خیاراً مناسباً للجمیع، تسھم الشراكات الاستراتیجیة في توفیر الفرص للعدید من الأشخاص.
منھجیة التقلید والمواءمة والتنفیذ
أشار مركز الدراسات الاستراتیجیة والدولیة(CSIS) إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا تشھد تسارعاً في مستویات ارتفاع الحرارة بواقع مرتین بالمقارنة مع المتوسط العالمي، وھي تحتضن 12 من أكثر 15 دولة تعاني من شحّ المیاه على مستوى العالم. وقد یكون التغیر المناخي أبرز فرصة ریادیة أمام المنطقة، ویشكل في الوقت نفسه التھدید البیئي والاقتصادي الأكبر لدیھا أیضاً. وتستضیف دولة الإمارات العربیة المتحدة العام الجاري مؤتمر المناخ كوب 28 (COP28), الذي سیساھم في تسلیط الضوء على الشركات الناشئة في مجال الاستدامة والمشاریع ذات الأثر البیئي القوي، ومن المتوقع أن تستقطب تمویلاً من شركات وصنادیق رأس المال المغامر التي تتشارك معھا أجندة الحیاد المناخي.
ولكن لا تقتصر ریادة الاعمال على ایجاد حلول لھذه المشكلات العالمیة حیث یمكن أیضاً لرواد الاعمال النظر في أحد
التحدیات التي یواجھونھا بشكل مباشر او التي تؤثر على مجتمعھم، ثم البحث عن حل موجود عالمیاً ومواءمته لیناسب سیاقه وظروفه المحلیة، وبعدھا إیجاد أشخاص یشاركونه الاھتمام والحماس تجاه ذات القضیة للشروع في تطبیق الحل الجدید، وھي ما یسمیھا راجیش تشاندي، المدیر الأكادیمي لمعھد وییلر للأعمال والتنمیة، منھجیة “التقلید والمواءمة والتنفیذ”. وساھمت ھذه المنھجیة الفعالة في توفیر مصدر إلھام لكبرى الشركات التي نشأت محلیاً وتجاوزت قیمتھا الملیار دولار أمریكي، أمثال موقع Souq.com وكریم وأنغامي، بالإضافة إلى فلاورد، الذي أسسه خریجو كلیة لندن لإدارة الأعمال (LBS).
وتتمتع ھذه المنھجیة بالكفاءة اللازمة لمعالجة القضایا الملحة وتسلیط الضوء على قوة التكیف والشراكات في آنٍ معاً، حیث تؤكد ضرورة عدم حصر ریادة الأعمال بإنشاء مشاریع جدیدة فقط، وإنما مواءمة وتحسین الحلول الموجودة لإحداث تأثیر إیجابي في المجتمع والعالم بأسره.
في الاتحاد قوة
یبدو بدیھیاً أن التحالفات والشراكات الاستراتیجیة مع الجھات المعنیة تشكل الركیزة الأساسیة لنمو وازدھار منظومة ریادة الأعمال. ویُعد تقدمنا وإنجازاتنا حافزاً لمزید من المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا من أجل المشاركة بشكل فعال في بناء ھذه التحالفات، ما یساعدنا على تسریع التنمیة الاقتصادیة وتوفیر فرص العمل ودعم الجیل الجدید من المبتكرین. ولربما تصبح ریادة الأعمال في متناول الجمیع من خلال تقدیم الدعم الصحیح للأفراد.