بقلم :ياسر حسن، المدير العام، القطاع التجاري لدى أمازون ويب سيرفيسز الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا
تحدث تقنية الذكاء الاصطناعي تحولات ملحوظة بدأنا نرى آثارها في العديد من القطاعات والمجالات في مختلف أنحاء العالم، وبكل تأكيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست استثناءً. وبالتزامن مع التوجهات المتزايدة من جانب الشركات للاستفادة من الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة العمليات وتعزيز تجارب العملاء ودفع عجلة النمو، تواجه هذه الشركات تحديات فريدة تتطلب اتباع نهج مخصص للتغلب عليها وتجاوزها. ولكي تتمكن من المحافظة على قدرتها التنافسية في أعقاب الثورة الصناعية الرابعة، يجب على الشركات السعي لمواكبة التحولات التكنولوجية من حولها أو أنها ستجد نفسها متخلفةً عن الركب. ومع التقديرات التي تشير إلى إمكانية بلوغ التأثيرات الاقتصادية المحتملة للذكاء الاصطناعي على منطقة الشرق الأوسط نحو 320 مليار دولار أمريكي في عام 2030، لا يمكن للمنطقة التخلف عن الركب وإضاعة فرصة الاستفادة من هذه الإمكانيات. ومن خلال اتباع نهج فريد يأخذ في الاعتبار متطلبات المشهد الثقافي والاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكن للشركات عبر مختلف القطاعات الاستفادة من الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي وتوظيفها لدفع عجلة النمو وتحقيق النجاح على المدى الطويل.
وقال ياسر حسن، المدير العام، القطاع التجاري لدى أمازون ويب سيرفيسز الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا: “تماشياً مع مكانتها كشركة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، تعمل أمازون ويب سيرفيسز AWS على تمكين أكثر من 100,000 عميل من المؤسسات من مختلف الأحجام وعبر قطاعات متنوعة، من تطوير عملياتهم واستكشاف كامل إمكاناتهم من خلال الاستفادة من الإمكانات المتطورة لتقنيات تعلم الآلة الآلي والذكاء الاصطناعي. وتعمل الشركة مع أحدث ابتكاراتها وخدماتها الجديدة على إحداث ثورة حقيقية على مستوى القطاع من خلال تبسيط عملية تطبيق وتنفيذ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، لتعزيز سهولة الوصول إليها وجعلها أكثر فعالية وكفاءة من حيث التكلفة لجميع العملاء. ومن بين أحدث الابتكارات التي طرحتها أمازون ويب سيرفيسز مؤخراً، منصة Amazon Bedrock، وهي خدمة جديدة توفر للعملاء وصولاً سلساً إلى نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية التي تم إنشاؤها وتطويرها من قبل AI21 Labs وAnthropic و Stability AI إضافة إلى نماذج الأساس (FMs) – وهي النماذج الكبيرة جداً لتقنية تعلم الآلة والتي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي التوليدي، وذلك عبر واجهة برمجة التطبيقات. وتمثل منصةAmazon Bedrock النهج الأكثر سهولة للاستخدام من جانب لعملاء لإنشاء وتوسيع نطاق التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتعزيز إمكانية وصول جميع المطورين إلى خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي، إلى جانب مجموعة واسعة من نماذج الأساس المتقدمة والمصممة لتطبيقات النصوص والصور على حد سواء.”
جودة البيانات وتوافرها
تُعد جودة البيانات وتوافرها من أكبر العقبات التي تواجه الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تسعى إلى تبني الحلول والخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ومثلما هو معلوم، لا يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تعمل بفعالية بدون بيانات عالية الجودة. وفيما يتعلق بجودة البيانات وتوافرها، تأتي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مرتبة أقل عن بقية العالم. ويشكل عدم وجود إطار عمل موحد لإدارة البيانات أحد الأسباب الرئيسة وراء ذلك. ففي كثير من الأحيان، يتم تجزئة البيانات داخل الإدارات أو المؤسسات بشكل منفصل، ما يجعل من الصعب الوصول إليها ودمجها وتكاملها. إضافة إلى ذلك، تفتقر العديد من الشركات في المنطقة إلى وجود عمليات متقدمة لجمع البيانات، ما يؤدي إلى توافر مجموعات بيانات غير كافية أو غير دقيقة.
ومن هنا ينبغي أن تتجه الشركات نحو ضخ استثمارات كبيرة في عمليات حوكمة وإدارة البيانات لضمان الوصول إلى البيانات عالية الجودة. وقد يكون من الضروري إبرام اتفاقيات مشاركة البيانات مع الشركات أو الجهات الحكومية الأخرى، والحصول على أدوات متقدمة لمراجعة البيانات والتحقق من صحتها، ووضع سياسات واضحة فيما يتعلق بملكية البيانات والوصول إليها.
نقص المواهب
الذكاء الاصطناعي هو مجال متخصص يتطلب مزيجاً من المهارات التقنية والناعمة، الأمر الذي يجعل من الصعب على الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إيجاد موظفين محترفين ومؤهلين لتنفيذ استراتيجياتها وخططها. وللتغلب على هذه العقبة، يجب على الشركات الاستثمار في برامج تعليم وتدريب الموظفين، والتعاون مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الأخرى لتطوير مناهج تركز على الذكاء الاصطناعي، إلى جانب إنشاء برامج تدريب داخلية، وتقديم مزايا وتعويضات تنافسية لاستقطاب أفضل المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي والاحتفاظ بها. ومن خلال تطوير منظومة متكاملة ومتنوعة من المواهب، يمكن للشركات ضمان وصولها إلى الخبرات اللازمة لتنفيذ أجندات واستراتيجيات الذكاء الاصطناعي.
العقبات الثقافية
تتسم العديد من المنظومات المؤسسية داخل الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتسلسلها الهرمي الذي يحتّم عليها العمل من الأعلى إلى الأسفل. وقد يكون لدى هذه المؤسسات إجراءات صارمة فيما يتعلق بعملية صنع القرار، الأمر الذي يمكن أن يشكل تحدياً عند محاولة تنفيذ الخطط المتعلقة بحلول الذكاء الاصطناعي، والتي تتطلب في كثير من الأحيان نهجًا تعاونياً بوتيرة متكررة، إذ أن تنفيذ الحلول المستندة إلى تقنية الذكاء الاصطناعي ليس عملية تحدث لمرة واحدة؛ وإنما هي عملية مستمرة تتطلب مراقبة واختبار وتحسين مستمر. ومن خلال تعزيز ثقافة الابتكار والتعاون، يمكن للشركات التغلب على النهج الهرمي في منظوماتها المؤسسية والذي يمكن أن يعيق التنفيذ الفعّال لاستراتيجيات الذكاء الاصطناعي.
ويتطلب هذا التحول الثقافي التزاماً واستثماراً في الموظفين والعمليات والتقنيات على المدى الطويل. وتتعدد الفوائد والإيجابيات التي تنتج عن هذا التحول، حيث ستكون الشركات التي تنجح في خلق مثل هذه الثقافة في وضع جيّد يخولها جني فوائد اعتماد حلول الذكاء الاصطناعي. وفي حين أن المسار إلى الأمام قد لا يكون مباشراً وخالياً من بعض التحديات، إلا أن فوائد التنفيذ الناجح لاستراتيجيات الذكاء الاصطناعي ستكون واضحة على المدى البعيد، وتتمثل في زيادة مستوى الكفاءة، وتحسين تجارب العملاء، ودفع عجلة النمو.
تعقيدات الذكاء الاصطناعي التوليدي
أحدثت التطورات التي شهدتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) تحولاً في العديد من القطاعات بما في ذلك الأزياء والألعاب والموسيقى والفنون المرئية. ومع ذلك، فإن التعقيدات والتكلفة المرتبطة بتنفيذ نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية قد حدت من إمكانية الوصول إليها، مقتصرة على عدد قليل فقط من عمالقة التكنولوجيا والمؤسسات البحثية. وبهدف جعل الذكاء الاصطناعي التوليدي أكثر سهولة وسلاسة من الناحية العملية، يتعين على الشركات تطوير حلول جديدة تسرّع اعتماده واستخدامه على نطاق أوسع، وتبسّط عملية إنشاء النماذج الخاصة به ونشرها. ومن خلال تقديم نماذج مدربة مسبقاً وواجهات سهلة الاستخدام، ستمكّن هذه المنصات الشركات من جميع الأحجام من الاستفادة من قوة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، وخلق إمكانيات وفرص جديدة للنمو والابتكار.
إطلاق العنان لقوة الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يتطلب التنفيذ الناجح لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نهجاً فريداً يأخذ بعين الاعتبار التحديات والفرص الموجودة في المنطقة. ومن خلال الاستثمار في حوكمة البيانات وإدارتها، وتطوير مهارات المواهب والموظفين، وخلق ثقافة الابتكار والتعاون، وتعزيز مستوى المشاركة والتنسيق مع الجهات التنظيمية وصنّاع السياسات، يمكن للشركات التغلب على هذه التحديات وإطلاق العنان للإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي في المنطقة. ومن المهم للشركات أيضاً إعطاء الأولوية للاعتبارات الأخلاقية عند تنفيذ تطبيقىات الذكاء الاصطناعي، مثل ضمان الشفافية والمساءلة في عمليات صنع القرار، وتجنب جميع أشكال التحيز والتمييز التي يمكن أن تفاقم ظاهرة عدم المساواة القائمة في المنطقة. وسيسهم النجاح في تنفيذ هذه المتطلبات في جعل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أداة قوية للتغيير الإيجابي وتسريع مسار النمو الاقتصادي والاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.