مروة قعبور، رئيسة قسم التسويق والاتصال المؤسسي في مجموعة المسعود
تنتشر الشركات العائلية بكثرة في منطقة الخليج، حيث تسيطر على ما يقدر بنحو 80٪ من الأعمال التجارية الكبيرة غير النفطية. وتعد هذه المكاتب العائلية القلب النابض للمنطقة، حيث تمثل أكثر من 90٪ من القطاع الخاص وتساهم في رسم خارطة الاقتصادات الإقليمية وخلق فرص العمل الوفيرة.
التحول في القيادة
تشهد الشركات العائلية اليوم نقلة نوعية في جميع أنحاء المنطقة. يمثل هذا التحول الثوري علامة فارقة مهمة للأجيال القادمة من رواد الأعمال والورثة الذين يجلبون طموحاً متجدداً وطاقة إبداعية للنهوض بإرث أسلافهم.
ولكن تولي مسؤولية التحول التدريجي تعد مهمة شاقة تتطلب جهوداً حثيثة للتغلب على حس الرضى عن الوضع الراهن، وإقناع المشككين من أصحاب المصلحة بتبني النظم الجديدة. فهل يمكن للشركات العائلية أن تتجاوز حدود أنظمتها التقليدية للتكيف مع الواقع المتجدد للأعمال وتصبح شركات رائدة في عصر الاقتصادات الجديدة والثورة الصناعية الرابعة؟
من “ثقافة الصيانة” إلى الصيانة الاستباقية
“ثقافة الصيانة” هو تعبير عن روح الشركة وقيمها ومواردها الفكرية والتفاعلات والمعتقدات الأساسية التي تجسّد الطريقة التي تعمل بها. أصبح مفهوم الانتقال من ثقافة الصيانة إلى الصيانة الاستباقية شائعاً بين المكاتب العائلية، إذ يركز أصحاب المصلحة بشكل متزايد على النمو طويل الأجل. تتمثل الإستراتيجية الفعالة للصيانة الاستباقية في بناء ثقافة الاتصال واتخاذ التدابير الوقائية واستخدام عملية صنع القرار القائمة على البيانات لتحديد المشكلات المحتملة قبل أن تتطلب حلولاً مكلفة.
من خلال معالجة المشكلات قبل ظهورها واتخاذ نهج استباقي للتصدي لها، يمكن للشركات العائلية تعزيز استمرارية عملياتها مع الحد من الاضطرابات الناتجة عن التحديات غير المتوقعة. الصيانة الاستباقية ليست مجرد تكتيك بسيط لتخفيف العبء المؤسسي بشكل عام، بل وسيلة استراتيجية تساعد أصحاب المصلحة على الاستفادة من مواردهم بكفاءة وتحقيق النتائج المثلى، مما يضمن نجاح الشركات العائلية على المدى الطويل.
القيادية متعددة الأجيال تحث نموذج الشركات العائلية على التطور
في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الخليج تحولاً سريعاً من الشركات العائلية التقليدية إلى الشركات التقدمية، تلعب القيادية متعددة الأجيال دوراً محورياً في إعادة تشكيل نموذج الأعمال. تبرز اليوم القيادة الهجينة التي تشمل الأجيال الأكبر والأصغر سناً في آن، والتي تعمل معاً لابتكار رؤى مؤسسية تتجاوز حدود عصورهم الفردية.
تمكين الموظفين من لعب دورهم
تواجه العديد من الشركات العائلية تحدٍ متمثل في ضرورة تحويل عملياتها بهدف تعزيز قدرتها على المنافسة والبقاء في الصدارة. إن تمكين الموظفين من القيام بدورهم خلال هذا التحول هو أمراً ضرورياً، إذ قد تساهم ملاحظاتهم وأفكارهم القيمة في صياغة مستقبل الأعمال. من خلال اعتماد نهج هرمي من الأسفل إلى الأعلى لصناعة الفرق، يمكن للشركات العائلية ضمان أن تكون استراتيجياتها الجديدة مستنيرة وقابلة للنجاح. إن منح الموظفين منصة لإبداء آرائهم في التحول المؤسسي يخلق بيئة عمل مفعمة بروح الفريق ويعزز إشراك الموظفين في أهداف الشركة.
بروز المكاتب العائلية كأصحاب عمل مفضلين للجيل “ز“
تبدأ عملية جذب الجيل القادم من المهنيين من نقطة تعزيز مكانة المكاتب العائلية كمراكز استقطاب رئيسية للجيل “ز“، وذلك من أجل بناء مساراتهم المهنية بشكل أفضل. نظراً لأن الشباب أصبحوا اليوم أكثر اطلاعاً على الحيثيات المهنية لحياتهم، فمن الضروري ترسيخ مكانة المكاتب العائلية كمنظمات مرغوبة من حيث الوظائف. تتمتع المكاتب العائلية اليوم بفرصة سانحة للبروز ضمن مشهد التوظيف من خلال توفير خبرات العمل الهادفة وتقديم رواتب جذابة وثقافة مؤسسية سليمة.
اعتناق الاستدامة الشاملة
يعتبر التحول إلى العمليات الخضراء أحد أكبر الاتجاهات الحالية في إدارة الشركات العائلية، مما يعني تنفيذ تدابير تتضمن استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والعنفات الريحية لتشغيل المصانع، والحد من الانبعاثات الضارة من خلال عمليات الإنتاج غير الملوثة، ودمج حلول إدارة النفايات الفعالة. تجلب هذه التغييرات إمكانات هائلة ليس فقط لغرض تحسين الاستدامة البيئية، بل أيضاً لمساعدة المكاتب العائلية على ادخار المال في المدى الطويل. إن تبني الاستدامة وجعلها أولوية تعد بمثابة استثمار في العلاقات السليمة بين الأجيال، إذ تساهم أيضاً في إثبات مكانة الشركات العائلية كقادة ضمن القطاعات التي تعمل فيها.
تبني عملية رفع تقارير الاستدامة
مع توجه كافة المجتمعات نحو احترام الشركات بناءً على مجرياتها الأخلاقية، يجب على المنظمات التي تديرها العائلات أن تأخذ زمام المبادرة في تبني تقارير الاستدامة. توفر هذه التقارير دلائل على مدى فهم الشركة بأن الآثار البيئية والاجتماعية، إيجابية كانت أو سلبية، يمكن أن تؤثر على صافي الأرباح، مثلها مثل التدابير المالية التقليدية. إن اتباع نهج استباقي لإعداد تقارير الاستدامة ليس مفيداً للمجتمع ككل فحسب، بل يوفر أيضاً للشركات العائلية ميزة تنافسية في سوق دائم التطور، حيث أصبحت الشفافية ذات أهمية متزايدة لكسب العملاء والاحتفاظ بهم.
إعطاء الأولوية للاتصالات من أجل رحلة إدراج ناجحة
يعد التواصل الفعال أمراً ضرورياً لأي رحلة إدراج ناجحة، خاصة بالنسبة للشركات العائلية. وبما أن نسبة كبيرة من الشركات العائلية تعتمد على أجيال متعددة تعمل داخل جدار المؤسسة الواحدة، فمن الأهمية أن يتم تقديم رسائل واضحة ومتسقة عبر جميع مراحل رحلة الإدراج، وذلك من أجل ضمان الوضوح في الاتصالات داخلياً وخارجياً. ومن خلال التأكيد على أهمية الاتصالات السليمة، يمكن للشركات العائلية عرض أهدافها وأوراق اعتمادها وموثوقيتها بصورة واضحة وفعالة أمام الجماهير. كما يساعد الانخراط في حوار مفتوح بين أصحاب المصلحة على تعزيز التفاعلات القائمة على الثقة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى عملية اكتتاب عام أكثر سلاسة.
المضي قدماً في التحول الرقمي
مع تصاعد وتيرة تطور الاقتصاد العالمي المبني على المعرفة والتكنولوجيا، تتبنى الشركات العائلية التحول الرقمي بشكل متزايد، إذ تقوم الكثير منها بتعيين أدوار مختصة بالاستثمار في الحلول التقنية المبتكرة، مع إدراك أصحاب الأعمال جيداً للفرص التي توفرها الرقمنة للنمو الاستراتيجي. من الجانب الآخر، لقد تغيرت أنماط المستهلكين وسلوكهم، ولذلك يجب على الشركات العائلية التكيف مع هذا الواقع الجديد وتعديل استراتيجياتها باستمرار. لا شك في أن تبني التغيير هو مفتاح الشركات العائلية لتواصل قدراتها على المنافسة في بيئة تعتمد أكثر فأكثر على التكنولوجيا الثورية لجذب الانتباه وتحقيق النجاح والنمو.
تحقيق التميز الأخلاقي من خلال الامتثال الصارم
في وقت يعم فيه التدقيق المؤسسي في قطاع الأعمال، تسعى العديد من الشركات العائلية إلى تحقيق التميز الأخلاقي. وتتمثل إحدى الطرق الفعالة للقيام بذلك في الامتثال الصارم للقوانين واللوائح وقواعد السلوك ذات الصلة. فضلاً عن الشرعية القانونية لممارسة الأعمال، يعزز التنظيم الذاتي والطوعي سمعة الشركة ويحسن أدائها ويعزز ثقة العملاء والشركاء فيها. يعد الالتزام بالأخلاقيات على المستويين الداخلي والخارجي بمثابة نموذج أساسي يتوجب على كافة الأجيال من قادة الشركات العائلية الاقتداء به، إذ من الضروري إعطاء الأولوية للمسائل الأخلاقية بنفس القدر من الاهتمام بالمكاسب المادية.