بقلم: “شاراد ف.كيه”، مدير التسويق، “سينشري فاينانشال”
شهدت الساحة التقنية والرقمية تحولًا تقدميًا جديدًا مع ظهور تطبيق (ChatGPT). استحوذت هذه التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي على اهتمام الجميع، فغالب المشاركات والمحادثات على الإنترنت لا تركز إلا على تطبيق (ChatGPT). حظي التطبيق باهتمام جميع القطاعات بداية من التقنية وحتى صناعة المحتوى، إذ يبدو أن كل مجال لديه هوس بهذه التقنية الوسيطة الجديدة المتمثلة في الذكاء الاصطناعي، إذ نجح التطبيق في تجاوز عدد مليون مستخدم في غضون أسبوع واحد. ليس هذا الإقبال بالأمر المستغرب، خاصة بالنظر إلى النتائج المثيرة للاهتمام التي يعطيها التطبيق وفق ما يتم تغذيته به من معلومات، والنتيجة؟ الحصول على خدمة عملاء أكثر سرعة وكفاءة. ولكن هل لهذه القدرات الفائقة على محاكاة المحادثات البشرية من تأثير على القطاعات الاقتصادية والصناعات المختلفة بالطريقة التي يتصورها الجميع؟ هل يمكن لهذه القدرات أن تكون بمثابة القوة الخارقة الجديدة لممتهني مجال التسويق أيضًا؟ إليكم شرحًا مفصلًا لكيف يمكن دمج تطبيق (ChatGPT) لتحسين أساليب التسويق، وما طبيعة بعض العثرات التي يجب توخي الحذر منها.
هل سيتسبب تطبيق (ChatGPT) في رد فعل عنيف؟
في البداية؛ لنتفق جميعًا أن تطبيق (ChatGPT) يمر بمرحلة التطوّر الذاتي ليصبح تقنية مستقبلية ذات إمكانيات متعددة واستخدامات كثيرة. لكن من الضروري إدراك أنه هذا التطبيق لا يمكنه سوى تقليد ما تمكن البشر من أداءه بالفعل، ولا شك من أنه يمكننا فعل المزيد في المستقبل. لن يقضي هذا التطبيق على الوظائف، لأن التدخل البشري يظل أمرًا لا غنى عنه في جميع القطاعات. بغض النظر عن الانبهار الشديد والذهول من رؤية قدرات هذا التطبيق، فإنه لا يزال في مراحله الأولية، وبالتالي فإن الاعتماد الأعمى عليه في أي مجال مهم يمكنه أن يعرض العلامات التجارية للخطر ويهدد سمعتها. بالنظر لجميع مميزات التطبيق وعيوبه، لا يزال بإمكان محترفي التسويق تسخير تطبيق (ChatGPT) ليعمل لصالح العلامات التجارية المختلفة ونموها.
تأتي الأتمتة الأكثر ذكاءً للمهام المتكررة وتعزيز الإبداع من بين المناحي الرئيسية التي يمكن توظيف قدرات تطبيق (ChatGPT) فيها بمجال التسويق.
لنبدأ بالمهام الروتينية. إذا كنت تعمل في مجال صناعة المحتوى، فأنت بالتبعية تعمل على تصميم إستراتيجية المحتوى وتحدد الخطوط العريضة له وتكتب العناوين الرئيسية. عند استخدامك البريد الإلكتروني لنشر المحتوى، يجب عليك تحديد من ترسل إليه وتوقيت الإرسال، وعنوان الرسالة والنص الذي تريد تضمينه. لذلك فعندما نذكر كلمة التسويق، فإن جميع هذه العمليات الأساسية المتكررة هي ما يتبادر للذهن. يمكن أداء هذه المهام بكفاءة باستخدام تطبيق (ChatGPT) وأدوات الذكاء الاصطناعي الأخرى المماثلة.
الخطوة التالية: تعزيز الإبداع. لا يقتصر الأمر على اللغة فحسب، بل يمكن أن يمتد عبر أربعة أنواع من المحتوى متعدد الوسائط – مثل الصور والنصوص ومقاطع الصوت والفيديو، خاصة في ظل تطوّر أدوات الذكاء الاصطناعي في مستقبلنا المنظور.
كلمة السر: الاعتماد على التقنية مع الإشراف البشري
لا شك أن تطبيق (ChatGPT) يمكنه توفير المحتوى التسويقي بسرعة وفعالية، كما يمكنه تعزيز عملية الإبداع والمساعدة في توفير خدمة عملاء ناجحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع دون الحاجة إلى تدخل بشري.
يؤدي هذا إلى تحسين درجة رضا العملاء وتقليل أوقات الانتظار. لذلك، يمكن تسخير قدرات التطبيق اللغوية لجمع المعلومات التي يمكن استخدامها فيما بعد لخلق قاعدة أكبر من العملاء المحتملين، وذلك من خلال صناعة المحتوى وإستراتيجيات تحسين محركات البحث (SEO). لمزيد من الدقة فيما نقول، يمكن دمج تطبيق (ChatGPT) في النظام لتحديد العملاء المحتملين ذوي الجودة العالية، وفصل زيارات الموقع وفق قيمة أعمالهم. وبالتالي سيكون لدى العاملين بالتسويق المزيد من الوقت والبيانات الجاهزة للتركيز على تحويل هؤلاء العملاء المحتملين إلى عملاء حقيقيين.
يمكن كذلك لتطبيق (ChatGPT) المساعدة في ضبط البيانات الكثيرة والمتفرقة. مع توفير المزيد من دراسات السوق الملخصة لتصبح في المتناول، وبالتالي يمكننا تطبيق قدرات الذكاء البشري للتنقل عبر المسارات الإستراتيجية لتحسين النتائج.
يتمتع تطبيق (ChatGPT) بدقة أكبر وقدرات لا مثيل لها على إجراء الحوارات مع العملاء والحفاظ على هذه الحوارات واسترجاعها حين الحاجة. يمكن للتطبيق أن ينتج محتوىً تسويقيًا أسرع بكثير مما نعتقد. ومع ذلك، يمكن للتطبيق أن يكون أداة مفيدة فقط لإنتاج المحتوى البسيط المطلوب لرسائل البريد الإلكتروني للعملاء وتقديم العروض المختلفة. أما للحصول على نوع فريد من المحتوى المثير للاهتمام، فإننا بحاجة للذكاء البشري لتحقيق التميّز، لأن حتى منافسيك يمكنهم الوصول إلى نفس هذه التقنية. وبالتالي كيف تتميّز بخبراتك عن الكثيرين من حولك؟ لا يزال رأس المال البشري الذي تتمتع به العلامات التجارية هو ما سيحدث فرقًا كبيرًا، وذلك لأن التقنية مهما كانت متقدمة، إلا أن لها قيودها.
ولكن، من خلال اتباع نهج تعاوني مناسب وتحقيق التكامل مع تطبيق (ChatGPT) مع إخضاعه للإشراف البشري فيما يخص أسس عملية التسويق، يمكن للشركات وضع المزيد من الأهداف الطموحة والعمل على تحقيقها.
وسائل التواصل الاجتماعي وتحسين محركات البحث وتخصيص المحتوى والمزيد …
يمكننا الاتفاق أن تطبيق (ChatGPT) لديه إمكانية الوصول إلى ثروة من المعرفة الخاصة بالقطاع أكثر من أي عامل بمجال التسويق. ولكن عندما يتعلق الأمر بالحملات التسويقية، فإن الأفكار غير المألوفة والفروق الدقيقة الصغيرة هي ما يصنع الفارق في إنجاح حملات العلامات التجارية. يمكن استخدام قدرات تطبيق (ChatGPT) لتعزيز عمل تحسين محرّكات البحث، لكن مع إدراك أن التطبيق لا يمكنه أبدًا الكتابة والتصرف وفق نبرة العلامة التجارية وروحها. بفضل ما يمكن لتطبيق (ChatGPT) من تقديمه من خدمات مساعدة، يمكن للعاملين بالتسويق تخصيص أوقاتهم ومواردهم لمزيد من الابتكار ووضع الإستراتيجيات. أيضًا مع القدرات الفائقة للذكاء الاصطناعي فيما يخص تقديم مخرجات متميزة في كل شيء تقريبًا، يمكن للبشر أن يصبحوا منسقين للمحتوى بدلاً من صناعته من الصفر.
يمكن لتطبيق (ChatGPT) أيضًا التعامل ببراعة تامة مع وظائف أتمتة وسائل التواصل الاجتماعي، بالقيام بمهام الجدولة والتنظيم وتحسين أداء العديد من الأدوات والمنصات. مع علمنا أن التخصيص قد تطور ليصبح ضمن العناصر الأساسية في التسويق، يمكن استخدام تطبيق (ChatGPT) لخلق تجربة مستهلك أكثر جاذبية. على سبيل المثال، فإن تخصيص الإعلانات عبر الإنترنت يؤدي إلى زيادة فرص إتمام العملاء لعملية الشراء.
نعلم أن تطبيق (ChatGPT) يمثل خطوة في رحلة التقدّم التقني، ولكن هل يمكن أن يكون عقبة في الطريق؟ يتوقف الأمر على نظرتنا إليه، أن نراه حليفًا لنا أكثر من كونه خصمًا. لا يزال التطبيق غير قادر على تقديم مفاهيم مثل الأصالة والعواطف والتفكير ببصيرة، ولن يمكنه ذلك أبدًا.
لذلك، يمكن للعاملين بالتسويق الاستعداد لاختراق مجال تطبيق (ChatGPT) والانضمام لركب مساراته المتعددة والاستفادة مما يمنحه لهم، ليحتفظوا بقدراتهم الفريدة في الإقناع ومكانتهم التي لا ينازعهم فيها أحد عندما يتعلق الأمر بتقديم محتوى يتمتع بالأصالة.