تسببت السياسة الاقتصادية الخارجية والدين الخارجي للولايات المتحدة، بتقليص العملة الأمريكية “الدولار” من احتياطيات العديد من الدول.
اتجهت الأسواق الناشئة لعملاتها المحلية للقيام بتسوياتها الاقتصادية والتجارية، في الوقت الذي أصبح فيه العديد من الاقتصاديين على يقين أن العالم المالي لن يعود كما كان في السابق، بحسب تقرير نشره مركز الأبحاث التابع لبنك “كريدي سويس” السويسري.
شكوك حول الاستقرار
أشار المحللون في تقرير لهم بعنوان “مستقبل النظام النقدي” إلى فقدان الثقة بالاقتصاد الأمريكي، حيث ساهم تسارع التضخم والعجز الضخم في الميزانية ( 1,3 تريليون دولار)، والديون الخارجية غير المستدامة ( 31 تريليون دولار) في خلق شكوك حول الدولار في وقت لا يرغب أحد فيه استخدام الدولار كسلاح في مواجهة اقتصادية.
وأضاف التقرير أن العديد من الخضات أصابت الاقتصادات في وقت تصاعدت فيه حدة التوتورات الجيوسياسية في السنوات الأخيرة مع احتمالية التخلي عن الدولار بشكل واسع.
“طرد” الدولار من الاحتياطيات
إذا كان الدولار في السبعينيات يمثل 80 في المئة من الاحتياطيات العالمية، فسيشكل في عام 2022، نحو 58.8 في المئة فقط، على الأقل خلال 20 عاما.
وفي ظل ظروف سعر الصرف العائم، لم يعد استخدام الاحتياطيات كآلية وقائية ضد انخفاض قيمة العملة الوطنية مناسبا، مع وجود سياسة نقدية متسقة.
ومع انتشار العولمة توصلت العديد من البلدان إلى أنه بدلا من استخدام الدولار للتعامل مع الأزمات، يمكنها استخدامه فقط عند الحاجة له وليس الاعتماد عليه.
وأشار التقرير إلى أنه بالنسبة للأشخاص الذين يدفعون مقابل الحصول على بضائعهم بعملات غير الدولار، فإن البنك المركزي الأمريكي يقوم بخفض سعر الدولار، ليكتسب أموال الشركاء التجاريين الرئيسيين.
كتل مالية
تحدث المحللون أن دولا مثل روسيا والصين والهند تمثل مثالا في التخلي عن الدولار، ففي العام الماضي، حولت هذه الدول تسويات تجارية واقتصادية للعملة الوطنية، حيث يدفع الصينيون والهنود ثمن المنتجات الروسية باليوان والروبية حصريا، ونتيجة لذلك، تراجع وضع الدولار.
هيمنة جديدة
حلل المركز عددا من العمليات التجارية ليضع بعد ذلك عدة سيناريوهات بما فيها ظهور عملة عالمية أو ظهورهيمنة جديدة.
وبحسب التقرير، فإن السيناريو الأول يتطلب وحدة سياسية، وهي غير متوقعة، ولا يوجد شيء يحل مكان الدولار.
وعلى سبيل المثال من أجل أن يصبح اليوان الصيني-عملة مهيمنة- يجب أن تنمو حصة الصين في التجارة الدولية بشكل كبير من نسبة الثلاثة في المئة الحالية، بالإضافة لاعتماد سعر صرف اليوان في إجراءات البنك المركزي الصيني.
السيناريو الأكثر احتمالا هو ظهور نظام مالي متعدد الأقطاب، حيث سيساعد على توسع التجارة في العملات الوطنية، وتطوير أسواق رأس المال الإقليمية وآليات التأمين ضد الصدمات التي تسببها السياسة النقدية الأمريكية. فعلى سبيل المثال، أنشأت دول البريكس بالفعل مجموعة من احتياطيات النقد الأجنبي.
مناطق العملات
قال أليكسي فيدوروف، الاقتصادي في مركز المعلومات والتحليل TeleTrade، إن “الانقسام المتسارع للعالم إلى تكتلات اقتصادية وسياسية مثل الولايات المتحدة والصين سيؤدي إلى تقسيم العملة وقد حدث هذا بالفعل في التاريخ. ويكفي أن نتذكر الصراع العنيف بين الولايات المتحدة وبريطانيا من أجل قيادة العالم، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر”.
وأشار فيدوروف إلى مثال ما يتم تداوله حاليا، قائلا: “نسمع بيانات حول العملة الموحدة للبرازيل والأرجنتين، وعملة لدول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وما إلى ذلك. وكل هذا لفترة انتقالية، حتى يكون الفائز في المعركة بين الولايات المتحدة والصين. ولكن عندما يحدث هذا ليس قبل 2035-2040، سيحصل العالم على عملة احتياطية جديدة”.
ومع ذلك، فإن العملة الاحتياطية تعتمد دائما على دول أخرى. لذلك، قد يفضل العالم وحدة نقدية واحدة “فوق وطنية”. ومن الممكن أن تكون رقمية صادرة عن البنك المركزي لدول مختلفة بشروط معينة.