عاماً بعد عام تثبت المرأة العربية وخصوصاً الخليجية قدرتها على خوض غمار مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وتقديم أبحاث متنوعة تحظى بتقدير عالمي وهو ما يثبت أنها تتمتع بالكفاءة اللازمة. فقد كرّم “برنامج الشرق الأوسط الإقليمي للباحثات الصاعدات لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلم” في دورته التاسعة، بالشراكة مع “جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا”، خمس نساء يتمتّعن برؤى ثاقبة من من دول مجلس التعاون الخليجي، تقديراً لأبحاثهن المتميزة في مجالات علوم الحياة والعلوم الفيزيائية والرياضيات وعلوم الكمبيوتر. ويستمد هذا البرنامج فلسفته من مبدأ “العالم بحاجة إلى العلم والعلم بحاجة إلى النساء”. وقد ابتُكر هذا البرنامج بهدف كسر الحواجز التي تحول دون اقدام النساء على خوض تلك المجالات وتزويدهن بالأدوات اللازمة من أجل تحقيق النجاح. تالياً مقابلات خاصة أُجريت مع الفائزات في دورة هذا العام
عائشة عبدالله الخوري (الإمارات )
تقول عائشة عبدالله الخوري إن البحث العلمي أمر بالغ الأهمية لمساعدتنا على الإبحار في عالمنا المتغير ويساعدنا على إيجاد حلول للتحديات البيئية والصحية-على سبيل المثال-على أسس علمية بحتة. بدون البحث العلمي، علينا الاعتماد على حدسنا وحظنا. فالبحث العلمي المنهجي يقدم فهماً موضوعياً، لأن المعرفة العلمية ترتكز على أدلة موضوعية، منطقية، وملموسة.
وتعتبر أن مثل هذه الجوائز يأتي بمثابة تكريم للإنجازات، وإتاحة الفرصة لبناء إرث، وتأييد عمل المرأة الجاد وتفانيها ومساهمتها في مكان العمل، وإعلاء لمكانتها الشخصية والمهنية، وأيضاً فرصة للاعتراف بها محلياً وعالمياً. تعد مثل هذه الجوائز دفعة معنوية، وإضافة سخية إلى مسيرة أي امرأة عربية في المجالين العلمي والعملي. كما أنها تفتح أبواباً مستقبلية لها، وتمثل حافز للإنجاز والتفوق في مجال عملها. وتسلط مثل هذه الجوائز الضوء على إنجازها العلمي الذي يمكنه أن يتلقى دعماً مادياً من قبل شركات في ذات المجال وتوفير فرص لتبني الفكرة أو المنتج.
وتضيف عائشة “إن عالمنا العربي يشهد تغييراً مستماً نحو الأفضل، حيث لحظنا في الآونة الأخيرة توجهاً في المنطقة بأكملها. تغيرت القوانين والسياسات، فأصبحت أكثر دعماً في تحقيق مزيد من التقدم. أما فيما يخص الأبحاث والدراسات فإن زيادة الوعي قد تكمن في إطلاق المبادرات وإشراك الجامعات والأكاديميين مع القطاعات الصناعية المختلفة لابتكار حلول لمختلف التحديات المعاصرة. ولربما تشكيل قمة عالمية للعلوم والتكنولوجيا، قد تكفل بتحقيق هذا الوعي، باشراك المؤسسات والجامعات من شتى بقاع العالم لتبادل المعرفة والخبرات.
وفي الختام تقول عائشة إن دولة الإمارات تعتبر نموذجاً عالمياً رائداً في الاستثمار الأمثل للطاقات البشرية والقطاعات في مجال العلوم والتكنولوجيا. حيث وفرت حكومة دولة الإمارات البيئة العلمية والبنية التحتية البحثية الشاملة، التي مكنتنا للابتكار وإيجاد حلول للتحديات الأكثر إلحاحاً في المنطقة والعالم كالقضايا البيئية والمناخية. كما تعد المختبرات العلمية في جامعة خليفة، حيث أدرس، من أكثر المختبرات تقدماً في الدولة، حيث مكنتنا كعلماء وباحثين وأكاديميين من مواصلة مسيرة الابتكار والتطوير ومواكبة التقدم. وتواصل الدولة أيضاً، بتمويل الأبحاث العلمية وتوفير الدعم اللامحدود للباحثين وطلبة الدراسات العليا لحضور المؤتمرات العالمية وتبادل الخبرات مع العلماء في شتى بقاع الأرض. تركت الإمارات بصمة في تاريخ العلم عبر الاستثمار بالعلم واستقطاب العقول والمواهب وتعزيز مشاركتهم بما يخدم الإنسانية.
حصة إبراهيم علي الفلاحي (الإمارات)
من جهتها تؤكد حصة إبراهيم علي الفلاحي “أن العمل في مجال البحث العلمي ممتع جداً، حيث أنني دائماً أشعر بالرغبة في الاستمرار للوصول إلى نتائج جديدة لم يتوصل لها أحد من قبل و ينعكس أثرها بالنفع على المجتمع، و لكن هذا المجال يحتاج إلى كثير من الصبر، فنحن نواجه تحديات علمية كبيرة تتطلب الكثير من المحاولات، لكننا دائماً على يقين تام بتخطيها.
وتعتبر أن الجوائز المخصصة للنساء في مجالات البحث العلمي هي تكريم و تشريف للمرأة الباحثة، و هي أيضاً مسؤولية للاستمرار بالعمل والوصول إلى نتائج تعود بالنفع على الإنسانية. مشيرة إلى أنه يمكننا زيادة الوعي بأهمية الأبحاث والدراسات بالعالم العربي عبر التركيز على جيل الشباب و غرس أهمية البحث العلمي و حب العلم و التفاني فيه و قيم الصبر و إدارة الوقت فيهم. ومن هذا المنطلق، فإن المرأة العربية يمكنها بدورها تقديم الدعم اللازم لتشجيع الأبحاث العلمية وتقديم الدعم المادي و التقني، كون مثل هذه الأعمال تسهم في خفض تكلفة الفاتورة الاستشفائية في المستقبل.
الدكتورة رئيفة أبو خزام (الإمارات)
أما الدكتورة رئيفة أبو خزام فترى أن جوهر مهنة البحث يكمن في الدافع نحو الاكتشاف والابتكار. انه بكل بساطة أمر لا يعرف الكلل أو الملل! لا أعتقد أنه يمكنك قول ذلك عن العديد من المجالات، لكن يمكنك بالتأكيد قول ذلك عن العلم. فأنت تواجه تحدياً دائماً، ويتم دفعك للتطور وطرح الأسئلة الصعبة. ويمكن أن تكون المكافأة على كل هذا الجهد رائعة أيضاً، ونشر عملك، ومشاركة نتائجك مع المجتمع العلمي والعالم، فلا يوجد شعور أفضل من ذلك. يمكنك أيضاً الانخراط مع العقول العظيمة، وفي البحث المستمر الساعي لفهم المجهول تدريجياً.
وتعتبر أن الجوائز المخصصة للنساء في مجالات البحث العلمي فرصة حقيقية لتكافؤ الفرص. حتى يومنا هذا، هناك تقارير تفيد بأن النساء في مجال العلوم يحصلن على أجر منخفض، حتى لو كان لديهن أوراق اعتماد متساوية مع رجل في المنصب نفسه. إن البحوث الطبية مثل هذه تؤدي إلى نتائج مهمة للغاية، وعلى الرغم من حقيقة أن المزيد من النساء يتم توظيفهن الآن في هذا المجال، إلا أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً وجهداً أكبر بكثير لتجاوز المعوقات الأخرى. أشعر أنه طالما كان الوضع على هذا النحو، فإن وجود مثل هذه الجوائز هو أمر بالغ الأهمية لتمكين النساء. إنها مسألة ضرورية لزيادة الوعي بوجود مثل هذه المهنة بالنسبة لهن ولإلهامهن في سعيهن وراء أهدافهن. هناك الكثير من التوقعات في مجتمعنا حول ما يجب أن تكون عليه المرأة وما يجب أن تفعله. تساعد هذه الجوائز في كسر هذا القالب، فهي تساعد في سرد قصة مختلفة عن حياة امرأة في مجال العلوم.
وتضيف الدكتورة رئيفة “أعتقد أنه يمكن القيام بذلك على مستويات، بدءاً من أطفال المدارس. على سبيل المثال، في جامعة الخليج الطبية، لدينا هذا البرنامج المسمى “علماء المستقبل في الإمارات العربية المتحدة”، حيث يحصل طلاب المدارس الثانوية على فرصة للتفاعل معي شخصياً ومع باحثين آخرين ومعرفة ما يلزم ليكون باحثاً. نستعرض مشاريعنا والتقنيات التي نستخدمها أمامهم، كل ذلك على أمل إلهامهم لممارسة مهنة في مجال العلوم. وبالمثل، نحن نعمل على مستوى الجامعة، ونمنح الطلاب فرصاً للقيام بالتدريب الداخلي ومشاريع البحث في مختبرنا، وهو ما يحفزهم على الذهاب إلى دراسات التعليم العالي. لقد أدركت أن التعلم التجريبي هو الأفضل من نوعه في مجالات التعلم، لذا فإن القيام بالمزيد من ذلك، حتى مع الطلاب الأصغر سناً، قد يكون أفضل فرصة لدينا لجذبهم إلى البحث في وقت مبكر.
وترى أن دور الدول العربية وحكوماتها بدعم البحث العلمي ينقسم إلى شقين. فأولاً تحتاج تلك الجامعات إلى تأمين مرافق ومختبرات كافية، وتوظيف علماء من ذوي الكفاءات العالية يمكنهم تقديم فرص متجددة لمن يتابع درجة الدكتوراه في الخارج للحصول على فرصة للعمل في وطنهم، أو على الأقل في المنطقة. النقطة الثانية هي تمويل المختبرات الحالية والبحث المتواصل، إذ أنه لا يمكن إتمام أي مشروع من دونه، ولا يمكن تحقيق أي اختراق. ويعد تأمين فرص التمويل وطرح طلبات المنح التي تغطي مجالات بحثية متنوعة جزءاً لا يتجزأ من دعم المجتمع العلمي في المنطقة.
الدكتورة فتيحة بن سليمان (قطر)
إلى ذلك، تقول الدكتورة فتيحة بن سليمان إنه منذ الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، ومنذ اكتشاف المطبعة والمحرك البخاري والبنسلين، تغير وجه العالم وأصبح العلم هو الناظم الأساسي لتطور حياة الانسان ورفاهيته ولذلك اصبحت الدول والجامعات ومراكز البحث العلمي تولى أهمية كبرى للبحث العلمي لأن بالعلم نستطيع ان نهزم المرض وبالعلم نستطيع ان نحسن جودة الحياة للبشر، لذلك فأن البحث العلمي يكتسب اولوية عن غيره من المجالات.
أما فيما يتعلق بالجوائز المخصصة للنساء في مجالات البحث العلمي فتعتبر أن هذا الأمر هو إنصاف لكل أنثى تتجرأ على الحلم وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية، وتعنى الجوائز المخصصة للنساء تحفيزهن لمزيد من البحث وتعنى تقديم يد العون لهن لمزيد من الاجتهاد في البحث العلمي، كما ان الجائزة تجعل النساء قدوة لغيرهن لكي يبادرن بالنشاط في البحث والعمل وايضا تعنى تقدير المجتمع لهن لهذا الدور. إن الوعي بأهمية الأبحاث والدراسات تحتاج لغرس قيمه منذ بداية النشأة وبداية التدرج في التعليم بأن تغرس في الطالب روح البحث والنقد ونبتعد عن روح التلقين والحفظ، كما انه يجب على الدولة ان تشجع الرأسمال الخاص بأن يساهم في تكلفة البحث العلمي وأن توفر للجامعات والمراكز مقومات البحث والدراسة، كما انه يجب زيادة التحفيز والجوائز وحفظ الحقوق للأبحاث.
أما عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول العربية وحكوماتها بدعم البحث العلمي، فهو إما منعدم أو ضعيف وهذا ما لا يساعد في التشجيع على البحث العلمي، فمثلا في العام 2017 كانت عدد براءات الاختراع في العالم العربي كله حوالى ألفين، في حين أن ماليزيا وحدها في نفس العام بلغت حوالي خمسة ألاف وسويسرا لوحدها حوالى ثمانية ألاف، وكذلك يجب أن ننظر إلى دور الدول في البحث العلمي واثره على الناتج الإجمالي للدولة، ةأذا ما ألقينا نظرة على دولتين احداهما أوروبية والأخرى عربية، فمثلا هولندا مساحتها حوالى 41.5 كيلومتر مربع وعدد سكانها حوالى سبع عشر مليون وهى تمتلك حوالى مليوني رأس من الابقار لكن الناتج الإجمالي السنوي لها حوالى 831 مليار دولار في حين أن السودان تبلغ مساحته حوالي 1،886كيلومتر مربع وعدد سكانه 14 مليوناً ويمتلك حوالى ثلاثون مليون رأس من الأبقار فإن الناتج السنوي يساوى 33 مليار دولار. وفي حين أن هولندا تعتمد البحث العلمي في منتجاتها من الأبقار مثل الأجبان والحليب والخضروات والزهور، فإن السودان ما زال يرزح تحت الفقر بسبب عدم انتهاجه العلم والبحث العلمي.
وتشير الدكتورة فتحية إلى أن الأبحاث العلمية تسهم في خفض تكاليف الفاتورة الاستشفائية في المستقبل من كل النواحي من حيث الحفاظ على البيئة النظيفة والطعام الجيد والمساهمة في التغلب على القلق والتوتر والرياضة والسكن المريح وعموما كل هذه نتاج الابحاث العلمية والتي تخفض فاتورة الاستشفاء.
الدكتورة مها زكريا يحيى الريامية (سلطنة عُمان)
من جهتها، تعتبر الدكتورة مها زكريا يحيى الريامية أن العمل في البحث العلمي يتميّز عن غيره من المجالات في أنه يشكل الركيزة الرئيسة للتطوير في كافة المجالات والأداة الناجحة لتوفير حلول إبداعيه لكافة القضايا. ويمنح العمل في المجال البحثي فرصة للتعلم بلا حدود، ما يجعل حياتي المهنية عملية تعلم واكتشاف مستمرين. فضلاً عن ذلك فإن العمل في البحث العلمي ممتع ويغذي الإبداع ويزيد من مهاراتي وقدراتي وهو وسيلة للتفوق وتحقيق المكانة العلمية المرموقة للأكاديميين. علاوة على ذلك، لا يوجد روتين في العمل البحثي، فنحن نعمل على تحدٍ جديد كل يوم، ما جعلني أستمر في المحاولة، والتعلم، والتحسين إلى الأفضل.
وتتابع “إن الجوائز المخصصة للنساء في مجالات البحث العلمي تشكل أداة مهمة للاعتراف بإنجازات النساء في البحث العلمي وتثمين جهودهن وتحفيزهن، ما يعزز هذا العمل ويزيد من جودته، كما أنها تشجع المزيد من النساء على الانخراط في الوظائف البحثية والمساهمة في الابتكارات والاختراعات واثراء المعرفة البشرية. فضلاً عن ذلك فأن هذه الجوائز تُلهم الفتيات اليافعات للعمل في البحث العلمي حيث أن الاحتفال بالنساء وعرض أعمالهن، يعرّفهن على نماذج يحتذى بها في العمل البحثي داخل مجتمعاتهن.
وتضيف “تحتاج المجتمعات العربية لزيادة الوعي بأهمية البحث العلمي ودوره الحيوي في تطوير المجتمعات في النواحي التكنولوجية والصحية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية. ولتحقيق هذا الهدف لابد من وجود استراتيجية متكاملة وخطط تنفيذية تشمل المؤسسات التعليمية ووسائل الاعلام والشخصيات العاملة في هذا المجال. ويمثل الاعلان عن نتائج البحوث بين العامة وسيلة مهمة لزيادة الوعي. وأخيراً يلعب التحفيز وما يصاحبه من فعاليات، دوراً مهما في نشر الوعي بأهمية الابحاث، مثال على ذلك جائزة لوريال اليونسكو للعلوم والجائزة الوطنية في سلطنة عمان والجوائز المماثلة لها في الدول العربية وغيرها.
وفي الختام تؤكد الدكتورة مها أن العقود الاخيرة شهدت اهتماماً متزايداً بالبحث العلمي في مختلف الدول العربية. مثال على ذلك أن سلطنة عمان ومؤسساتها العلمية تولي اليوم البحث العلمي اهتماماً كبيراً وتقدم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار دعماً مستمرا لهذه المؤسسات والباحثين فيها من خلال البرنامج السنوي لدعم البحوث. كما تعمل جامعة السلطان قابوس بصورة مستمرة على تفعيل نشاط البحث العلمي فيها ودعم وتحفيز الأكاديميين وغيرهم من الكوادر العلمية بالجامعة على المساهمة الفاعلة في النشاط البحثي.