كتب بواسطة جو كيوهان،
يجب أن يصبح رواد الأعمال خبراء في التواصل مع أي شخص – ويُمكنهم تحقيق ذلك باستخدام بعض الاستراتيجيات البسيطة. حيث تأكدت من ذلك عندما جربتها بنفسي.
هذا لا يعني أنني لم أتحدث مع الغرباء قبل ذلك، حيث أنني تحدثت إلى بعض الغرباء من قبل بالفعل. فأنا ابن وأخ لبعض أصحاب الأعمال الصغيرة ذات النشاط الاجتماعي القويّ، وأنا صحفي، لذا كان التحدث إلى الغرباء أسلوب الحياة ومصدر كسب الرزق بالنسبة لي. ومع ذلك، قبل بضع سنوات، لاحظت أنني لم أعد أفعل ذلك كثيرًا – على أي حال. فكان عليّ الموازنة بين وظيفة عالية المتطلبات وطفل صغير كثير المتطلبات، فقد كنت متعبًا ومشتتًا في أغلب الأوقات، وكان جدولي الزمني مزدحمًا. وبدء المحادثات مع غرباء عشوائيين في المقاهي أو الحانات أو في الحافلة يُشعرني بالرهبة. وفي النهاية، توقفت عن القيام بذلك.
كانت هذه استراتيجية للتأقلم بالطبع. فقد كنت مرتبكًا، حيث كان من الضروري تخطي شيءٍ ما. والتحدث إلى الغرباء، كما اتضح، يمكن أن يكون أمرًا مرهقًا. حيث توصل علماء النفس إلى أن مجرد محادثة قصيرة مع شخص غريب يمكن أن يكون أحد المتطلبات المعرفية والمتعبة وحتى المرهقة. وهذا الأمر منطقيّ. فأنت لا تعرف الشخص، ولا تعرف إلى أين تتجه المحادثة، ومن ثمّ، يجب أن تنتبه بصورة أكثر مما لو كنت تتحدث إلى شخص تعرفه جيدًا. إلا أن علماء النفس وجدوا أن التحدث إلى شخص غريب يدعم أدائك العقلي في الواقع – وذلك لنفس السبب: حيث أنه يعتبر بمثابة تمرين. حيث أنني كنت أحافظ على قليل من جهدي، إلا أنني لاحظت أيضًا أن حياتي أصبحت أقل إثارة للاهتمام، وأقل مفاجأة، وربما شعرت بالقليل من الوحدة.
عناصر ذات صلة: 3 طرق لإجراء محادثة قصيرة لا تُنسى وتجذب الأشخاص المهتمين بالعمل معك
بعد عيد الغطاس، تساءلت: لماذا لا نتحدث إلى الغرباء بصورةٍ أكثر، ماذا سيحدث عندما نفعل ذلك، وكيف يمكننا أن نُحسن ذلك الأمر؟ اتضح أن العديد من الباحثين يطرحون نفس الأسئلة. ومن ثمّ، بدأت السفر حول العالم لمقابلتهم: علماء النفس، وعلماء التطور، والمؤرخون، والمخططون الحضريون، ورجال الأعمال، وعلماء الاجتماع، و- كما خمنت – الكثير من الغرباء الرائعين الذين قابلتهم في هذا الطريق. حيث علموني جميعًا أن التحدث مع الغرباء لا يمكن أن يكون ممتعًا فحسب، بل يعزز أيضًا إحساسنا بالرفاهية، ويجعلنا أكثر ذكاءً، ويوسع شبكاتنا الاجتماعية والمهنية، ويساعدنا كذلك في التغلب على بعض مشاكلنا الاجتماعية المستعصية. (وذكرت ذلك كله بالتفصيل في كتابي الجديد، قوة الغرباء: مزايا التواصل في عالم مُريب.)
أثناء بحثي في الكتاب، كنت أتناول مرارًا الآثار المترتبة على التحدث إلى الغرباء على رواد الأعمال. ونظرًا لأنني أنحدر من عائلة من رواد الأعمال الصغيرة – ولفترة من الوقت عملت كمحرر تنفيذي في هذه المجلة – فقد رأيت بنفسي مدى النفع الذي يعود على رجال الأعمال من صقل هذه المهارات الاجتماعية. لقد تحدثت أيضًا إلى الكثير من أساتذة الجامعات الذين أعربوا عن أسفهم، وذلك لأن طلابهم عانوا لتكوين أنواع من العلاقات الاجتماعية العرضية التي ستعود عليم بالنفع جيدًا بمجرد بدء حياتهم المهنية. ومثلنا جميعًا، فقد خرجت من عام قضيته في الحجر الصحي نسبيًا. ومن ثمّ، فقد أصبحت قدرتي على أداء هذه المهارات صدئة وأحتاج إلى التعود على التقنيات المرحة والمثمرة، ونعم، أحيانًا تكون التفاعلات الاجتماعية الحرة التي حرمنا منها لأكثر من عام صعبة.
كل ذلك يعني أنني على دراية بحاجتي إلى أن أصبح خبيرًا في التحدث إلى الغرباء. كيف؟ لقد اشتركت في فصل دراسي مختلف عن أي فصل دراسي شاركت به من قبل واشتريت تذكرة سفر إلى لندن.
اعتماد الصورة: نيكولاس أورتيجا
تبدأ رحلتنا في يوم مشرق في فصل دراسي صغير بجامعة ريجنت. أجلس على كرسي، وأعرج قليلاً بسبب الرحلة الطويلة، وأمسك فنجان القهوة الثالث. وهناك أربعة أشخاص آخرين هنا أيضًا. وعلى ما يبدو أنهم يعملون في منصب أعلى من منصبي. لقد حضرنا إلى هذا الفصل الدراسي لنتعلم كيفية التحدث مع الغرباء.
ومعلمتنا في العشرينيات من عمرها، ومفعمة بالحيوية واسمها جورجي نايتنغال. فهي مؤسسة منظمة Trigger Conversations، وهي “منظمة تواصل إنساني” مقرها في لندن، وتستضيف الفعاليات الاجتماعية وورش العمل الغامرة التي تهدف إلى مساعدة الأشخاص على إجراء تفاعلات هادفة مع الغرباء. ومنذ أن أسست هذه المنظمة في عام 2016، أقامت نايتنغال أكثر من 100 فعالية وأجرت العديد من الدورات التدريبية – مع الغرباء والشركات والمجتمعات والجامعات والمؤتمرات، في كل من لندن وعلى مستوى العالم.
عناصر ذات صلة: كيف تبدأ محادثة مع شخصٍ غريب في فعالية تواصل
تعلمت نايتنغال أنه، بالنسبة للكثيرين، فإن أصعب شيء في التحدث إلى الغرباء هو بدء المحادثة: الاقتراب من أحد الأشخاص، وجعله يشعر بالأمان، ونقل فكرة أنك ليس لديك نية للحديث حول الأعمال، وأنك تريد فقط بدء محادثة ودودة أو فضولية. ووجدت أن كبار السن هم أكثر ميلاً لبدء المحادثة، مثلاً، في حين أن الشباب يحتاجون إلى مزيد من الاطئمنان. إلا أنها وجدت أيضًا أنه، في جميع محاولاتها للتحدث إلى الغرباء، كانت الغالبية العظمى من هذه التفاعلات أساسية، وكان الكثير منها رائعًا.
كما توصلت إلى فكرة أيضًا – وهذا أمر مهم – حيث أن التدرب على التحدث إلى الغرباء يمكن أن يوفر أكثر من مجرد شعور جيد للفرد. فقد يكون الأمر مليئًا بالفرح، والعمق، والمشاركة الحقيقية. وإذا تم التدريب عليه على نطاق واسع بالقدر الكافي، فإنها تعتقد أنه يمكن أن يساعد في إصلاح التمزقات الاجتماعية. وأضافت: “نحن لا نتحدث فقط عن بعض الأشياء الفردية. بل نتحدث عن طريقة مختلفة للحياة.”
ووقفت نايتنغال أمام فصلنا الدراسي، وهو فصل مشرق وجذاب ومصمم جيدًا، وينطلق بنا عبر ما يمكن توقعه خلال الأيام القادمة. حيث تريد أن تصطحبنا “من عدم الكفاءة اللاواعية إلى عدم الكفاءة الواعية، ومن الكفاءة الواعية إلى الكفاءة اللاواعية”، على حد قولها. بعبارة أخرى، لا نُجيد هذا الأمر حاليًا بقدرٍ جيد ولا ندرك لماذا أو كيف نُحسن ذلك. سنتعلم ما ينقصنا. وسنقوم بتحسينه. ونتمنى أن نصبح بارعين لدرجة أن يُصبح الأمر بمثابة مهارة طبيعة لدينا.
ودرسنا الأول هو إجراء محادثة قصيرة. حيث يكره الكثيرون المحادثات القصيرة، وهو أمر مفهوم، لأن الكثير من الأحاديث الصغيرة مملة للغاية. وهذا ما أكدته نايتنغال. حيث قالت، نعم، المحادثات الصغيرة قد تكون مملة. لكن هذا لأن معظم الأشخاص لا يفهمون ما الغرض منها. فالغرض ليس إجراء المحادثة. ولكن بدء الحوار الذي يستهدف إجراء محادثة أفضل. فهي طريقة لتسود الراحة بين أطراف المحادثة وللبحث عن شيء تريد كافة الأطراف التحدث عنه. وحسبما قالت، فهذا هو سبب أهمية أن تكون على دراية بردك عندما يسألك شخص ما “ماذا تفعل؟” حيث أنك تفشل في فهم الغرض الحقيقي من هذا السؤال، وهو: “ما الذي يجب أن نتحدث عنه سويًا؟”
توصلت نايتنغال إلى هذه الرؤية من خلال عدة مصادر. لقد قدمت كوميديا ارتجالية في الماضي، فعند الارتجال، تبدأ رسمًا تخطيطيًا بشيء مألوف للجميع بين الجمهور – شيء يهم الجميع، أو يُطرح في الوقت المناسب، أو موجود في الغرفة – لربط الحاضرين في الغرفة ببعضهم بعضًا. عندئذٍ فقط يمكنك حقًا اصطحاب الجمهور في جولة. هذا يُعتبر محادثة قصيرة. إلإ أن نايتنغال تابعت أيضًا أعمال عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية، كيت فوكس، والتي تناولت، على سبيل المثال، الرغبة الإنجليزية التي لا تنضب على ما يبدو لمناقشة حالة الطقس. وفي حين أشار بعض النقاد إلى هذا التقارب بوصفه دليلًا على وجود أشخاص كسولين وغير مبدعين، إلا أن فوكس ذكرت مُبررًا بأن الطقس ليس هو الهدف من المحادثة. فبدلاً من ذلك، فهو وسيلة للترابط الاجتماعي، فضلاً عن أنه من طقوس التحية. وكتبت فوكس: “الحديث بين الانجليز عن الطقس هو أحد أشكال الشفرات، والتي تم تطويرها لمساعدتنا في التغلب على تحفظنا الطبيعي والتحدث مع بعضنا البعض بشكلٍ فعليّ”. فمحتوى المحادثة ليس هو الهدف منها – فالهدف هو الألفة والتواصل والطمأنينة. وبمجرد أن تحقق ذلك كله، يمكن أن تبدأ محادثة حقيقية.
وعندما تدرك أن المحادثة القصيرة هي مجرد باب لإجراء محادثة أفضل، كما تقول نايتنغال، فيمكن أن يكون الأمر مفيدًا، لأنه منظم بطريقة تقودك بشكل طبيعي لأرضية مشتركة. لقد رأينا جميعًا كيف يمكن لهذه المحادثات، إذا مُنحت الوقت الكافي، أن تتحرك في دوائر قوية باستمرار حتى يقوم كل طرف من أطراف المحادثة بالتركيز على شيء مشترك يريد التحدث عنه. ومع القيام بذلك بشكلٍ ملائم، يمكنك التطرق إلى موضعاتٍ مختلفة، وإضفاء القليل من الطابع الشخصي، والتعمق في المحادثة بصورةٍ أكبر. وذكرت نايتنغال أن عليك تحقيق ذلك بنفسك. “الجميع مثيرون للاهتمام، ولكن ليس بمقدورهم إظهار ذلك – فالأمر متروك لك لاكتشاف ذلك.”
وذكرت نايتنغال أن أفضل طريقة لاكتشاف تلك الأشياء المثيرة للاهتمام هي “الخروج عن النص الثابت”. هذا يعني استخدام تقنيات المحادثة القصيرة، مع مقاومة إغراء الانطلاق التلقائي للدخول إلى تفاصيل محادثة. فعلى سبيل المثال، قد تذهب إلى متجر وتقول، “كيف حالك؟” ويقول الكاتب: بخير كيف حالك؟ والمحادثة بينكما لا تحتوي على أي معلومات ولن تحققوا منها أي نفع. هذا هو النص الثابت. ونحن نستخدم هذه النصوص لجعل التفاعلات أكثر كفاءةً، لا سيما في الأماكن المزدحمة والكثيفة وسريعة الحركة مثل المدن الكبيرة. ولكن عندما نقوم بذلك، فنحن نحرم أنفسنا من فرصة الحصول على تجربة أفضل وربما من إجراء التواصلات الجديدة، ونعزل أنفسنا عن جميع المزايا التي قد نحصل عليها عند التحدث إلى الغرباء.
عناصر ذات صلة: 10 طرق للتواصل مع أي شخص تقابله على الإطلاق
إذًا، كيف تخرج عن هذه النصوص الثابتة؟ ذكرت نايتنغال، باستخدام أسلوب محدد ومفاجئ. على سبيل المثال، عندما يقول أحد الأشخاص، “كيف حالك؟” فهي لا ترد قائلةً “بخير”. بدلاً من ذلك، تقول، “يُمكنني الجزم بأن حالي جيد بنسبة 7.5 من 10.” وتشرح بإيجاز سبب كون حالها جيد بنسبة 7.5، وتسأل هذا الشخص عن حاله، ثم تنتظر الرد. وفي هذه اللحظة، يبدأ الانعكاس؛ وهي ظاهرة يتبع فيها الأشخاص بشكل طبيعي سلوك شركائهم في المحادثة. فإذا ذكرت شيئًا عامًا، فسيقولون شيئًا عامًا. وإذا ذكرت شيئًا محددًا، فمن المحتمل أن يفعلوا ذلك أيضًا. وبالتالي، نظرًا لأن نايتنغال ذكرت رقمًا، فمن المرجح أن يذكر شريكها رقمًا بدوره. فإذا قالوا بأن حاله جيدًا بنسبة 6، ستسأله نايتنغال، “ما الذي يتطلبه الأمر لكي ترتفع هذه النسبة إلى 8؟” فهذه الخصوصية تخلق مناخًا لطيفًا وتجعل من الصعب على الشخص الآخر الحفاظ على الاعتقاد بأنك أقل اهتمامًا، لأن ذلك يوضح على الفور مدى التعقيد والشعور والفكاهة: بعبارة أخرى يوضح مدى الإنسانية. وذكرت نايتنغال: “يُكتسب هذا الشعور على الفور، فهو مثل أها، أنت إنسان. لديك تلك الرابطة، وبعد ذلك، بطبيعة الحال، تبدأ المحادثة بينكما.”
وفيما يلي طرق أخرى تقترحها نايتنغال للخروج عن النص الثابت. عندما يسأل موظف المتجر، “هل يمكنني مساعدتك؟” يمكنك الرد بأن تقول “هل يمكنني أنا مساعدتك؟” أو بدلاً من سؤال الأشخاص في حفلة عما يفعلونه، اسألهم عما يرغبون في القيام به أكثر أو ما لا يفعلونه. أو بدلاً من أن تسأل شخصًا كيف سار يومك، اسأله “هل سار يومك كما تمنيت؟” ذكرت نايتنغال إن كل هذه الأشياء تتطلب قدرًا معينًا من الثقة لكي تنجح. ولكنها تنجح. وعندما تنجح هذه الأمور، ستمنحك لمحة صغيرة عن طبيعة هذا الشخص. وهذا الأمر هام، لأن هذه اللمحة ستُخبرك كيف تمضي قدمًا بعد ذلك في المحادثة.
وذكرت نايتنغال “طريقك فعلك لشيءٍ ما هي نفس طريقة فعلك لكل شيء”. وهذه اللمحة توضح لك ما ستصل إليه في الخطوة التالية من المحادثة.