بقلم ياسمين آل شرف مدير وحدة التكنولوجيا المالية والابتكار في مصرف البحرين المركزي،
و شيرين السيد مدير وحدة السياسات الرقابية في مصرف البحرين المركزي
تسعى الحكومات في مختلف دول العالم إلى البحث عن الطرق المبتكرة لتسهيل حصول الشركات الناشئة على التمويل، فقد ظهر في السنوات الأخيرة عدد من الأدوات المالية المبتكرة ومن بينها “التمويل الجماعي” والذي يساهم من خلاله عدد كبير من الأفراد بمبالغ صغيرة لتمويل مشاريع محددة.
وبرزت دول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص من بين الدول الأكثر ترجيحا للاستفادة من نموذج التمويل الجماعي، ففي الوقت الذي تعتبر فيه الشركات الصغيرة والمتوسطة إحدى الدعائم الاساسية للنمو الاقتصادي إلا أنها تفتقر غالباً إلى إمكانية الحصول على رأس المال الذي يظل عائقاً رئيسياً أمام تأسيس العديد من الشركات ولتحقيق المزيد من النمو.
وفي الوقت الذي تهيمن فيه دول أميركا الشمالية وأوروبا على سوق التمويل الجماعي العالمي إلا أن القطاعات المالية الرئيسية في منطقة الخليج أخذت تدرك الأهمية المتزايدة للتمويل الجماعي، حيث كانت مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة أول حكومتين تقومان بتحديث منظومتيهما التشريعية من خلال وضع أطر تشريعية رسمية لنموذج التمويل الجماعي، وهو ما ساهم بدوره في تعزيز الزخم الإقليمي الكبير الذي ناله هذا النموذج عبر الأسواق التقليدية والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
مزايا التمويل الجماعي
يمكننا القول بأن أول ظهور للتمويل الجماعي في صورته الالكترونية الحديثة كان في 2007 فقد دخل بقوة وسرعة كبيرة في المجال المهيمن للخدمات المالية، ليساهم في تمويل مختلف المشاريع من العملات المشفرة إلى الساعات الذكية. وقد حقق هذا النموذج العديد من المزايا للشركات والمستثمرين أكثر من أي نموذج آخر في أي سوق، حيث يساهم في تحقيق عوائد عالية وتوفير محفظة متنوعة.
ومما لاشك فيه تعتبر السهولة والملاءمة إحدى المزايا الأساسية التي تستهدفها الشركات، حيث يمثل التمويل الجماعي طريقة سريعة لجمع التمويل وبرسوم منخفضة، وذلك من خلال إحدى منصات التمويل الجماعي المتعددة التي تعمل في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المنصات الإقليمية وكذلك الأطراف الرئيسية/ المؤثرة في السوق مثل Kickstarter وIndiegogo ، كما ويمكن أن يساهم التمويل الجماعي في دعم مساعي الشركات التي قد تكافح عادةً للحصول على المزيد من أشكال التمويل التقليدية.
كيف يمكن للتمويل الجماعي أن يساهم في دعم دول مجلس التعاون الخليجي؟
تركز حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على مواصلة تنويع اقتصادياتها بعيداً عن الاعتماد على إيرادات النفط. كما أنها تقود الجهود لزيادة دورها في قطاعات الخدمات المالية والسياحة والصناعة والتكنولوجيا، حيث إن العديد من الشركات التي تزاول أعمالها في هذه القطاعات تتناسب مع نماذج التمويل الجماعي.
وبالنسبة لاقتصاد البحرين على سبيل المثال فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة تساهم في دعم الاقتصاد، إذ تشكل حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي وسيكون لها دور مهم كمحرك للنمو المستقبلي.
وتشكل أحد الأهداف الرئيسية للمملكة ضمن خطة التعافي الاقتصادي التي تم الإعلان أواخر العام الماضي وهي استراتيجية التعافي من آثار الجائحة، في زيادة تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة لضمان استمرارية تحقيق النمو. يمكن لعمليات التمويل من قبل الحكومة أن تساهم في سد جزء من الفجوة الموجودة إلا أن مصرف البحرين المركزي يرى بأن التمويل الجماعي سيقوم بدور مهم في هذا الصدد.
وعلى سبيل المثال، قامت شركة Beehive أول مقرض (نظير إلى نظير) مرخص له في دول مجلس التعاون الخليجي – بتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة في البحرين بما في ذلك Mira Packaging Factory، وهي شركة تصنيع الأكواب الورقية القابلة للتحلل الحيوي والتي استخدمت الأموال لتنويع منتجاتها.
أدرك مصرف البحرين المركزي أهمية التمويل الجماعي حيث قام بإصدار إطار تشريعي في أبريل هذا العام سعى من خلاله إلى جعل القوانين القائمة مواتية أكثر للمستخدمين وزيادة الإقبال على التمويل الجماعي كنموذج للتمويل، حيث سيساهم ذلك في تمهيد الطريق أمام مشغلي منصات التمويل الجماعي التقليدية والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية للحصول على الترخيص والتأسيس في البحرين. كما سيساعد هذا في نهاية المطاف الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة ليس فقط في البحرين، ولكن في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضا.
التمويل الجماعي والتكنولوجيا المالية
تتمتع تشريعات التمويل الجماعي الجديدة أيضًا بالقدرة على دعم قطاع التكنولوجيا المالية المزدهر في البحرين بشكل أكبر، حيث رسخت فيه البحرين نفسها بسرعة كمركز إقليمي رائد. تتطلب التكنولوجيا المالية تمويل أكبر بالمقارنة مع سائر الشركات الناشئة وهو ما يجعل المستثمرين يترددون في كثير من الأحيان في استثمار مبالغ كبيرة كما أشار إلى ذلك تقرير البيئة الداعمة لخليج البحرين للتكنولوجيا المالية لعام 2022، ويعتبر المستثمرون الإقليميون التقليديون بعض الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية محفوفة بالمخاطر وذلك عائد لوجود التحديات التشريعية التي تزيد من صعوبة جذب التمويل.
يقدم “التمويل الجماعي” نموذجًا قويًا لمعالجة فجوة التمويل هذه، كما أنه يوفر رؤية واضحة للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة ويسمح لهم باختبار مدى تقبل السوق لأفكارهم. ومن المهم أن نشير إلى أنه غالباً ما يقدم المستثمرون الذين يشاركون في النموذج نصائح حول كيفية قيام الشركات النامية بتطوير عروضها أو استراتيجياتها تجاه السوق مما يجعله مربحا لجميع أصحاب المصلحة، وبالتالي جاءت التشريعات الأخيرة في البحرين لتبين بأن التمويل الجماعي قد بات مهيأ ليصبح محركًا رئيسيًا للاقتصاد، ويدعم النمو عبر الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاعات المبتكرة التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من مستقبل المملكة، ومن المتوقع أن تساهم التشريعات الجديدة في دعم مسيرة التكنولوجيا المالية المزدهرة في البحرين.