بقلم: فادي فرّا، مؤسس وشريك في “وايت شيلد بارتنرز”
شهد العام 2020 مجموعة من الأحداث الاستثنائية التي أثرت بشكل مباشر على حياة الأفراد ومسيرات الشركات والحكومات، والتي كان انتشار وباء فيروس “كورونا” أكبرها، حيث امتدت آثاره السلبية حول العالم، محدثةً انهياراً اقتصادياً، إضافة إلى الأزمة النفطية والعديد من الأزمات السياسية والاجتماعية، وهو ما جعل العالم يعيش في فترة غير مسبوقة، على جميع الأصعدة وفي مختلف المجالات.
وفي الوقت نفسه، شهد العام الماضي أحداثاً وتطورات إيجابية، تجلّت في بدء الحكومات بتقييم العوامل والأحداث التي أوصلت العالم إلى الوضع الحالي، الأمر الذي ساهم بشكل كبير، إلى جانب التعاون المشترك واتخاذ الإجراءات اللازمة، في زيادة وتفعيل التركيز على المواطن كعنصر أساسي في المجتمع، وهو ما تطلب من الحكومات إعادة النظر في العقود الاجتماعية لتصبح أكثر شمولية واستدامة.
ولكي يصبح المجتمع متمحوراً بالكامل حول المواطن، تحتاج الحكومات إلى تعزيز الثقة والمرونة مع أفراده، خاصة وأن الدول ذات أنظمة الحكم المركزية عادة ما تكون في حاجة أكبر إلى تعزيز الثقة من تلك التي تعتمد أنظمة لامركزية. أما المرونة، فهي عنصر أساسي لضمان جهوزية الدول التامة لمواجهة المتغيرات والأحداث غير المتوقعة والتي كان آخرها انتشار فيروس كورونا.
وبحسب مؤشر مرونة سوق العمل العالمي الصادر عن “وايت شيلد بارتنرز” Whiteshield Partners Global Labor Resilience Index (GLRI)، تتفاوت جهود الدول في بناء مجتمعات تركز على المواطن وذلك بتفاوت المراحل التي تمر بها، فهناك العديد من الدول، من بينها سويسرا ولوكسمبورغ والدنمارك تتميز بمجتمعات تتمحور حول المواطن، وهي تحتل مرتبة عالية ضمن المؤشر الصادر عن الشركة مؤخراً.
وتُعد المجتمعات التي تركز على المواطن مثالية مقارنة بالاقتصادات المدارة والمتمركزة حول المدينة، في حين تتمتع الأخيرة والتي تشمل دولاً مثل فرنسا واسبانيا والولايات المتحدة بحوكمة عامة لا مركزية وسط تدخل محلي محدود للدولة، بينما تحافظ الاقتصادات المُدارة مثل الهند وإندونيسيا وبدرجة أقل المملكة المتحدة وإيرلندا، على حكمها المركزي من خلال وضع ضوابط وتوازنات مختلفة.
كما تُظهر المجتمعات المتمركزة حول المواطن حوكمة عامة، مرنة ولا مركزية حيث تشهد مشاركة أكبر للمواطنين، وتعتبر سويسرا، أحد أبرزها وأكثرها ريادةً في الابتكار على مستوى العالم، وهي اليوم تحتل مرتبةً بين أفضل 10 دول في مجال الثورة الصناعية الرابعة. أما فيما يتعلق بمرونة سوق العمل، تفوقت سويسرا على سنغافورة في العام 2020 بعد أن زادت من إنفاقها على التعليم وقلصت بشكل كبير فجوة الأجور بين الجنسين، وخففت التأثير السلبي للضرائب على العمال، وذلك بحسب مؤشر مرونة سوق العمل العالمي، لـ “وايت شيلد بارتنرز”. وفي ظل التركيز المكثف على النمو الأخضر، تستفيد الدولة بشكل كبير من الحكومة اللامركزية، فهي تحتل المرتبة الثانية في “تقارب الحوكمة”، أحد مؤشرات الحوكمة الصادرة عن البنك الدولي. (World Bank Governance Closeness Index)
وفي ظل كل ما تقدّم، يبقى السؤال الأبرز اليوم، كيف يمكننا أن نبني مجتمعات تتمركز حول المواطن بشكل أساسي؟
وللوصول إلى إجابة واضحة وبناءة، من المفيد جداً دراسة المبادئ المشتركة التي اعتمدتها هذه الدول. والتي تشمل تخفيف مركزية الحكم، وزيادة الفائض في سلسلة الإمداد، وتعزيز التكامل السلس للتكنولوجيا، وتبنّي مقاييس السياسة العامة التي تركّز على المواطن من أجل تحقيق المرونة في اعتماد الابتكار، فضلاً عن إجراء تحولات في البنية التحتية النقدية، ومؤشرات أداء طويلة الأمد.
وفي الوقت الذي يواصل فيه العالم مسيرته نحو التعافي والوصول إلى مرحلة ما بعد الجائحة، من الضروري القيام بنقلة نوعية، لا سيما في طريقة تنظيم ووضع العقود الاجتماعية، حيث تعتبر المرحلة الراهنة، فرصة مثالية لقلب الموازين لصالح الأهداف والمؤشرات التي تتمحور حول المواطن.
للمزيد من المعلومات حول المجتمعات المتمركزة حول المواطن والحوكمة العامة يمنكم الاطلاع على مقال “نحو مجتمعات مرنة تتمحور حول المواطن” لـ فادي فرا الذي تم نشره على موقع هارفارد بزنس ريفيو هنا.