مع الوحدات المطروحة باللغة العربية فقط، وبهدف التغلب على الخرافات التي تُسرد حول ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية، تنطلق الدورة الأولى في شهر يوليو لعام 2021.
كتب بواسطة علياء مهران أحمد
على الرغم من التبعات المالية المختلفة التي خلفتها جائحة كوفيد-19، فقد ازداد نشاط ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية في المراحل الأولى ليرتفع من 14٪ في عام 2019 إلى 17.3٪ في عام 2020. هذه الإحصائية ليست سوى نقطة رئيسية واحدة للنظر إلى كيف أصبحت المملكة أرضاً خصبةً لطرح العديد من الأفكار الابتكارية والشركات الناشئة في الفترة الأخيرة.
جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية
يقدم مركز ريادة الأعمال التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) في الرياض الدعم والموارد اللازمة لطرح مثل هذه المبادرات الريادية. ويقول هتان أحمد، رئيس مركز ريادة الأعمال في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية “KAUST”، أن إدارته للعمل تتبع نهجاً ثنائياً في هذا الصدد. وأوضح قائلاً: “نقوم بإجراء نشاطين استراتيجيين، الأول هو نشر المعرفة والخبرة الفنية في مجال ريادة الأعمال وبناء ثقافة ريادة الأعمال نفسها، ليس في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية فحسب، ولكن خارج الجامعة كذلك. وجديرٌ بالذكر أن العامل الرئيسي الثاني التي نطرحه هنا في مركز ريادة الأعمال هو تخرّج شركات ناشئة تتمتع بالجودة العالية والتأثير المتميز، وللتركيز على هذا التوجه، فإننا نستخدم برنامج مُسرع الأعمال “تقدم”.
في مرحلة ما قبل الوباء، كانت الجوانب التعليمية وبناء الثقافة تقوم بشكلٍ كبير حول إنشاء واستضافة فعاليات الهاكاثونات ومُعالجة تحديات الابتكار وعقد المعسكرات التدريبية لطلاب الجامعة. وأوضح أحمد: “لقد اعتدنا على إدارة هذه الأنواع من التحديات لعدد يصل إلى 300 طالباً من 18 جامعةً من جميع أنحاء المملكة بغرض مواجهة التحديات العالمية المتعلقة بالمياه والغذاء والطاقة على مدار 48 ساعة. وحققنا ذلك بدخولنا في علاقة شراكة مع عدد كبير من الشركاء في مجال الصناعة من كلا القطاعين العام والخاص. كما عقدنا ورش عمل ودروساً أكاديمية لطلاب جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لكي يكتسبوا خبرة عملية للمضي قدماً في تقنيتهم”.
هتان أحمد، رئيس مركز ريادة الأعمال بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. المصدر: جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية
ويضيف هتان قائلاً بأن المبادرات التي تستهدف خلق وعي أكبر حول ريادة الأعمال ومزاياها العديدة تتشابك بعمق مع النشاط الرئيسي الثاني لمركز ريادة الأعمال. حيث بدأ برنامج مُسرع الأعمال “تقدم” في عام 2016، وهو برنامج مُسرع سنوي يستغرق ستة أشهر وتُقيمه جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ويوفر الإرشاد الداعم وتمويل المستثمرين وعقد ورش العمل إلى جانب طرح فرص التواصل الصناعي للشركات الناشئة في المملكة العربية السعودية. وقد نجح هذا البرنامج الريادي في تقديم المساعدة لحوالي 130 شركة ناشئة حتى الآن، كما قدم الدعم لأكثر من 440 رائد أعمال، ومنح تمويلًا بقيمة 16 مليون ريال سعودي في شكل منح بدون حقوق في الأسهم.
ومن المثير للاهتمام، على الرغم من ذلك، أن أحمد ذكر إن فكرة إنشاء إصدار من برنامج مُسرع الأعمال يُعقد عبر الإنترنت لم تكن بالضرورة مطروحة بسبب انتشار الوباء فحسب، حيث تذكر قائلاً: “في عام 2018، قمنا بتجديد برنامجنا بأكمله. وفكرنا في كيفية توسيع نطاق خطتنا الحالية ومن ثمّ، الوصول إلى عشرات الآلاف من المتعلمين في المملكة. وفي برنامج “تقدم”، أجرينا جولات ترويجية عبر 18 جامعة على مدار أربعة أسابيع، ونتيجة لذلك، تلقينا الكثير من الطلبات من جامعات أخرى أرادت منا إقامة ورش عمل لها أيضاً. ولذلك، ازدادت الحاجة لطرح المحتوى والخبرة، وكان ذلك مصدر إلهام للتواصل عبر الإنترنت ولا سيّما باللغة العربية. إلا أن أزمة فيروس كوفيد-19 تسببت في دفع هذا النشاط قدماً، وخلقت حاجة أكبر لطرح منصة رقمية”.
وعلى هذا المنوال، تم تطوير مغامرات ريادة الأعمال، وهي دورة مجانية مفتوحة على الإنترنت (MOOC) يستضيفها موقع edx.org، وجديرٌ بالذكر أن هذه الدورة مفتوحة بحيث يُمكن للأشخاص من جميع الفئات العمرية حضورها وكذلك الأشخاص من ذوي جميع الخلفيات في المملكة العربية السعودية. ومع الوحدات المطروحة باللغة العربية فقط، تنطلق الدورة الأولى في شهر يوليو لعام 2021. حيث أوضح أحمد: “هناك قدر كبير من المحتوى الرائع باللغة الإنجليزية لرواد الأعمال الناشئين في جميع أنحاء العالم، ولكن هذا هو المحتوى الأول الذي يُطرح باللغة العربية. فعندما يتعلق الأمر بالإبداع وريادة الأعمال، أظهرت الأبحاث أنه يُفضَل بشدة التعامل مع الأشخاص بلغتهم الأم.”
ينعكس هذا الشعور الخاص أيضاً على هيثم الحمصي، مدير قسم التعلم عبر الإنترنت في مركز ريادة الأعمال بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، عندما تلقى سؤالاً عن سبب أهمية طرح البرنامج باللغة العربية. ومن بين عدة أسباب، كان هناك سبب محدد، وهو ما أكد عليه الحمصي مراراً وتكراراً – الحاجة إلى التخلص من الخرافات التي لا أساس لها وتخطي الدلالات السلبية المرتبطة بفكرة ريادة الأعمال في الدولة. وأضاف: “يمكنك إيجاد قدر كبير من المعلومات الخاطئة على الإنترنت عندما يتعلق الأمر بتعليم ريادة الأعمال. ومن ثمّ، أردنا إنشاء محتوى يساعد الأشخاص على تحديد معنى ريادة الأعمال، وكيفية البدء بالطريقة الصحيحة، وكيفية بناء فريق وقاعدة للنجاح.”
عناصر ذات صلة: كسر القواعد:10 نصائح لرواد الأعمال لكي تُصبح أعمالهم كبيرة في السوق
هيثم الحمصي، مدير قسم التعلم عبر الإنترنت في مركز ريادة الأعمال بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. المصدر: جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية
أضاف الحمصي أن محتوى وحدات البرنامج يعتمد أيضاً على الأبحاث الحديثة المطروحة في السوق. حيث ذكر: “لقد تواصلنا مع الشباب وسألناهم عن التحديات التي يواجهونها مع ريادة الأعمال“. “وذكر عدد كبير منهم، لدي فكرة عمل، إلا أنني لا أعرف من أين أبدأ، أخاف من الفشل، ولا أريد أن أفسد مسيرتي المهنية.” هذا التردد، الذي بدا جليّاً بين العديد من رواد الأعمال المحتملين، هو الذي أدى إلى إنشاء دورة افتراضية لمدة ثمانية أسابيع في مجال ريادة الأعمال.
وأضاف الحمصي: “تم تصميم كل شيء في هذه الدورة بما يتناسب مع الشباب العربي، بما في ذلك مقاطع الفيديو القصيرة باللغة العربية التي يسهل التعامل معها وتتضمن أمثلة محلية من أشخاص يمكنهم التواصل معهم وفهمهم”. جديرٌ بالذكر أن وحدات البرنامج الثمانية، والتي يذكر الحمصي أن تنفيذها يتم على أربع مراحل، هي بناء الفريق المناسب لبدء التشغيل، وبناء خطط عمل مربحة ومستدامة تفي بتوقعات العملاء، والمهارات اللازمة لتقديم العروض وتقديمها للمستثمرين، وكذلك معرفة كيفية التسويق بشكل صحيح للجمهور المستهدف، وأخيراً كيفية تنمية الأعمال التجارية بشكل مستدام على المدى الطويل.
ومن خلال هذا النهج الشامل لنشر المعرفة الموثوقة والراحة في اكتسابها من خلال منصة عبر الإنترنت، من السهل معرفة سبب كون مغامرات ريادة الأعمال برنامج هام بالقدر الكافي لكي يُصبح برنامجاً طويل الأمد. ولكن، في حين أن الطبيعة الافتراضية للبرنامج تسمح بمدى أكبر للوصول، إلا أن هناك أيضاً قضية صارخة تتمثل في إنشاء اتصالات بشرية – وهو جانب غالباً ما يكون محورياً في مرحلتي التفكير والعصف الذهني لبناء فكرة العمل. ومن ثم، يقول أحمد أن هذه كانت واحدةً من النقاط الرئيسية التي يجب وضعها بعين الاعتبار أثناء إنشاء البرنامج. وأضاف: “كان التحدي يتمثل في تحويل تجربة المشاركة التفاعلية التي نجريها خلال أنشطتنا الشخصية، إلى تجربة رقمية رائعة. ومن ثمّ، كان المحتوى مختلط بين مقاطع الفيديو عالية الجودة والألعاب التفاعلية وأيضاً مشاركة المجتمع. حيث يمكن للمشاركين فيه إجراء جميع أنواع النقاشات على المنصة مع الموجهين والمستشارين والمتحدثين الرئيسيين إلى جانب المتعلمين الآخرين، وهذه هي الطريقة التي نريد تمكين التعلم المشترك وبناء المجتمع من خلالها.”
وأضاف أحمد كذلك أن هناك العديد من قصص الشركات الناشئة الرائعة التي نشأت في الماضي خلال أوقات الفشل وانتشار الأزمات الاقتصادية، تماماً في مثل الأوقات التي نعيشها حالياً. وأوضح قائلاً: “منذ أوائل القرن العشرين وحتى التاريخ الحديث مثل الأزمة المالية خلال عام 2007، ثبت أن ريادة الأعمال تزدهر في الأوقات الاقتصادية العصيبة. لذلك، فأنا على يقين من أنه سيولد الكثير من الأبداع خلال هذا الوقت العصيب، وهذا هو السبب في كون هذا الوقت هو الوقت المناسب للتواجد في ساحة ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية.”
وربما تنعكس العبارة الأخيرة بشكل أفضل من تنوع الأعمار والجنس لتطبيقات البرنامج. وذكر الحمصي “لا تزال فرص التسجيل مفتوحة وما زالت تتغير مع تقدمنا، لكننا نشهد مشاركة متساوية تقريباً من الذكور والإناث في الدورة حتى الآن. حيث لدينا أشخاص لا تزيد أعمارهم عن 13 عاماً يشتركون في البرنامج حيث أن أكبرهم سناً يبلغ 62 عاماً، لكن الغالبية في أوائل العشرينات.” وبدوره، تأمل أحمد أن “تتمكن مغامرات ريادة الأعمال” من إعادة تحقيق النجاح الذي شهدته النساء المؤسسات في برنامج مُسرع الأعمال “تقدم”. وأوضح قائلاً: “أكثر من 50٪ من الفرق لديها مؤسسات في برنامج “تقدم”، وكان هذا نوعاً ما ثابتاً خلال السنوات القليلة الماضية. فهذه ظاهرة مثيرة للاهتمام للغاية تحدث في المنطقة، ونأمل أن نرى نفس المستوى من مشاركة السيدات مثل برامجنا السابقة، إن لم تكن مشاركتهن أكثر!”
ومع بدء الدورة في هذا الشهر، سيكون من المثير للاهتمام معرفة كيفية استمرار الأمر في الأشهر القادمة، وما قد يعنيه ذلك لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مستقبلًا. وأضاف الحمصي: “نظراً لكوننا جامعة للعلوم والتقنية، فإننا نؤمن بأن التقنية لديها القدرة على مساعدة الشركات على توسيع نطاقها وحل التحديات الكبيرة التي تواجه العالم. فبعض الجامعات تحمي ملكيتها الفكرية بشكل كبير، ولا تعتبرها مادة للتعاون مع الشركات الناشئة، ولكن هنا في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، فإننا نتيح لشركاتنا الناشئة الانتفاع بتقنياتها ويسعد رواد الأعمال بالاستفادة من هذه التقنيات وإنشاء شركات جديدة.”
واختتم أحمد حديثه قائلاً: “لكم نتطلع فعلًا إلى رؤية نتائج الجولة الأولى. فما نبنيه هو نظام ينتفع منه الجميع ويُساعدنا على زيادة جودة الشركات الناشئة، وتقليل المخاطر التي تنطوي عليها، ومساعدة المواهب الشابة على إحداث تأثير. ونود توسيع ذلك ليشمل المناطق الجغرافية المجاورة وجذب المزيد من الشباب في المنطقة. ولكن لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به بينما نمضي قدماً من أجل تحقيق تأثير أكبر وإنجازات أكبر والمزيد من النتائج”.
عناصر ذات صلة: مُحدثو التغييرات: يستعد روبرتو كروسي وفريق مايكروسوفت للشركات الناشئة في الشرق الأوسط وأفريقيا لإحداث تأثير فعليّ في النظام البيئي لريادة الأعمال