من المفاهيم الخاطئة والشائعة أن كبار رواد الأعمال يحققون نجاحهم بحكم أنهم أشخاص مستقلون ولكن بقوة جيش كامل، أي يعملون كآلات إنتاجية بأفكار قادرة على إحداث التأثير وأخلاقيات عمل خارقة، لكن الواقع غالبًا ما يكون مغايراً جدًا عن ذلك.
وعلى الرغم من أن العديد من رواد الأعمال الأكثر نجاحًا في العالم هم بالفعل أفراد يتمتعون ببصيرة نافذة ويمتلكون عقول متميزة تمكنهم من الخروج بأفكار كبيرة، الا أن الحقيقة التي لا يدركها الكثير هو أنه لا أحد -على الاطلاق- من هؤلاء الرواد استطاع تحقيق أهدافه دون مساعدة من الآخرين.
سواء كنت تبحث عن مؤسس مشارك جدير بالثقة، أو فريق من الأفراد المتحمسين والقادرين أو مجرد زوج داعم ومتفهم، فإن النجاح لا يتحقق الا عندما تكون أنت الشخص المناسب ومحاط بأشخاص مناسبين أيضاً.
لا شك أن العمل ضمن مجتمع داعم قد يكون الفيصل بين تأسيس عمل ناجح ومؤثر أو التوقف والاستسلام عند وقوع أول إخفاق، وهنا تتجلى أهمية مفهوم المجتمع في سياق ريادة الأعمال على كل المستويات – سواء ضمن فريق واحد أو عبر منطقة بأكملها، كما هو الحال في وادي السيليكون.
غالباً ما ينظر لمنطقة خليج سان فرانسيسكو بأنها موطن للعديد من الشركات الناشئة المتميزة في العالم وذلك لوجود عدد كبير من رواد الأعمال الرائعين الذين يعيشون هناك. ولكن الحقيقة هي أن هذه النخبة من رواد الأعمال الرائعين هي التي قررت الذهاب إلى هناك لتكون جزءًا من شبكة مترابطة من العديد من اللاعبين المؤثرين في مجال ريادة الأعمال.
بالطبع، احتاج مجتمع منطقة خليج سان فرانسيسكو ثمانية عقود من النمو والتنمية ليحقق هذا النجاح، الا أن التاريخ الحديث أظهر لنا أن بعض المجتمعات في مناطق أخرى من العالم طورت نظام بيئي متفوق لريادة الأعمال خلال عقدين من الزمن فقط، على سبيل المثال ضاحية دي لا إنوفاكيو في برشلونة (@٢٢). وهنا يكمن السؤال، كيف يمكننا إنشاء مجتمع ريادي نشط في المملكة العربية السعودية يمتلك كل المقومات التي تجعله قادر على إحداث التغيير؟
إن إنشاء مجتمع ناجح لريادة الاعمال ليس بالأمر الهيّن، ولكن بمجرد أن يمتلك المجتمع البيئة الصحيحة، يبدأ في اكتساب الزخم بسرعة كبيرة. فكلما زادت الشركات الناشئة الناجحة التي ينتجها المجتمع، كلما جذب ذلك المزيد من المواهب والاستثمارات، مما يزيد من فرص نجاح الشركات الناشئة الجديدة، إضافة لتحفيز الجيل القادم من رواد الأعمال على اختيار بيئة هذا المجتمع كنقطة انطلاق رئيسية لأعمالهم الناشئة في المستقبل.
جدير بالذكر، أن بزيادة عدد الشركات الناشئة في منطقة معينة، يمكن لهذه المنطقة أن تجني فوائد مالية ناشئة من المتطلبات المشتركة لهذه الشركات مثل البنية التحتية والمرافق فضلاً عن المساحات المكتبية والخدمات المهنية والموردين والعمالة.
سيتحتم على المجتمع الريادي المزدهر رعاية مجموعة متنوعة من فعاليات الصناعة والشراكات والتواصل التي ستكون بمثابة منهل متميز يجمع مختلف المواهب، وقد يخرج من هذه الفعاليات عن طريق الصدفة أفكار جديدة تؤدي إلى إنشاء شركات ناشئة مستقبلية عالية التأثير وذات قيمة سوقية كبيرة.
وأخيرًا، عندما يصبح إنتاج الشركات الناشئة الناجحة أمرًا روتينيًا في المجتمع، يبدأ رواد الأعمال للمرة الثانية في محاولة دفع مكاسبهم إلى الأمام، وإعادة تدوير رأس المال، وتقديم الخبرة والمعرفة الحيوية والمشورة إلى السوق المحلية. وقد بدأنا نلحظ ذلك في الآونة الأخيرة في المملكة العربية السعودية في ظل وجود عدد كبير من المستثمرين ورواد الأعمال المنخرطين بنشاط في مجتمع ريادة الأعمال.
تأسيس مجتمع لريادة الأعمال هو العمود الفقري لأنشطتنا في مركز ريادة الأعمال في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست). حيث يتمتع مجتمع الشركات الناشئة لدينا بإمكانية الوصول إلى مرافق الجامعة المتطورة وكذلك مساحات العمل المشترك في جدة والرياض للاندماج في الأسواق المحلية والتواصل مع رواد الأعمال الآخرين. ولا تقتصر الأنشطة واللقاءات المجتمعية المنتظمة لدينا على مسرعة الأعمال الحالية (تقّدم) فقط ولكن أيضًا على تكتل الشركات الناشئة في الحرم الجامعي. وتشمل أنشطة بناء المجتمع هذه تعميق التواصل بين رواد الأعمال والمستثمرين في مسعى لبناء شبكة لبرنامج “زمالة المستثمر الواعي” وتسخير التجمعات غير الرسمية للتواصل مع المجتمع الأوسع محليًا وعالميًا، إذ أن خلط هذه الفئات المختلفة له تأثير تحويلي كبير ومؤثر.
دور المجتمع في مواجهة المخاطر والتغلب على الخوف من الفشل
أحد أهم سمات رائد الأعمال هو قبول – بل وتوقع- الفشل. فقليل جدًا اولئك الذين ينجحون في مشروعهم الأول أو فكرتهم الأولى، والكثير من الأفراد الذين لديهم جميع المقومات ليصبحوا رواد أعمال متميزين يختبرون هذا الفشل الأول ثم يستسلمون، وهو أمر محزن ولكن بالإمكان تجاوزه بوجود الأشخاص المناسبين حولك.
يعد توماس إديسون أحد أشهر رواد الأعمال في العالم بلا منازع، وربما اشتهر اليوم بكونه الرجل الذي اخترع المصباح الكهربائي المتوهج. كانت إحدى العقبات المبكرة التي واجهت إديسون في اختراعه هي الخيوط – فقد كانت بحاجة إلى أن تكون مصنوعة من مادة يمكن أن تحترق بتوهج عالٍ، وأن تكون مرنة للغاية وغير مكلفة للإنتاج بكميات كبيرة. يقال إن إديسون اختبر ١٠٠٠٠ مادة خيطية مختلفة قبل أن يجد المادة المناسبة وهي من الخيزران المكربن من مدينة كيوتو اليابانية التي تبعد عنه الاف الاميال.
مجتمع الشركات الناشئة في مركز ريادة الأعمال بجامعة الملك عبدالله
توجد عقلية مشتركة بين رواد الأعمال الناجحون والعلماء، ففي كل مرة لا تسفر التجربة عن النتيجة المتوقعة (الفشل)، فإنهم يدركون أنهم تعلموا شيئًا مهمًا ويستبعدون أحد الاحتمالات التي قد تكون سبب هذه النتيجة، هذا يعني أنهم اقتربوا خطوة واحدة من اكتشاف المجهول (وتحقيق النجاح). يقال إن رائد الأعمال العادي يفشل ٣,٨ مرة قبل أن يؤسس مشروعاً ناجحاً.
نحن نزرع هذه العقلية في أطفالنا عندما يتعلمون مهارات جديدة ولكنهم يفقدونها في كثير من الأحيان عند دخولهم مرحلة البلوغ، لذا من الأهمية بمكان غرس وجهة النظر هذه في ثقافتنا.
لا يحتاج رواد الأعمال إلى امتلاك مرونة تتجاوز الحد الطبيعي، بل ما يحتاجونه بالفعل هو فهم أن الفشل جزء مقبول ومتوقع من العملية، وهنا يأتي دور المجتمع. كأفراد، نحن جميعًا عرضة للشك في ذاتنا وقدراتنا عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، ولكن مع وجود المجتمع المناسب والداعم، يمكننا أن نبدأ في رؤية الفشل بشكل مختلف – ليس كمحصلة نهائية، بل كخطوة في الطريق نحو النجاح.
قد يبدو هذا التفكير وكأنه خدعة رخيصة في المنظور، لكن تأثيره كبير جداً. فهذا التحول في رؤية الفشل على أنه أمر مقبول يحررنا من جميع القيود، ويسمح لنا بتحمل المزيد من المخاطر، وأن نكون أكثر إبداعًا وحماساً للذهاب إلى أبعد من ذلك. حتماً ستؤدي بعض هذه المخاطر إلى طرق مسدودة ومشاريع فاشلة، ولكن بين الفينة والأخرى، ستؤدي إلى ولادة شيء تحويلي مذهل. ونحن بحاجة إلى هذه التغييرات الإيجابية.