بقلم باميلا دي ليون
وفقًا لإحصائيات اليونسكو، فإن الزراعة هي أكبر الأشياء التي تستهلك المياه العذبة، حيث أن عمليات الزراعة تستهلك نحو 70٪ من موارد المياه على مستوى العالم. ومع توقع زيادة عدد السكان خلال السنوات القليلة المقبلة، تزداد أيضًا أهمية قضايا الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، لا سيما في المناطق التي تعاني من ندرة المياه، مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي ذلك الصدد، توصلت شركة Red Sea Farms التي تتخذ من السعودية مقراً لها إلى حل لهذه المشكلة: ألا وهو استخدام المياه المالحة في الزراعة.
فمن خلال الرؤية التي تسعى لتخفيف حدة انعدام الأمن الغذائي، وانبعاث الكربون، واستهلاك المياه العذبة في قطاع الأغذية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (ونأمل تحقيق ذلك في جميع أنحاء العالم)، تطور شركة Red Sea Farms أنظمة زراعة مستدامة تعتمد على المياه المالحة. تأسست هذه الشركة الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا الزراعية في عام 2018، وهي تستخدم نظامها الذكي الخاص بها، والذي يدمج تقنيات مراقبة الطاقة الشمسية والنمو في استخدامات المياه المالحة لزراعة المحاصيل أو لتقليل استخدام المياه العذبة في الري وتبريد الصوبات الزجاجية، مما يوفر الطاقة أيضًا. ويعمل المشروع على إنتاج طماطم عضوية خالية من المبيدات الحشرية وأنواع أخرى من الخضروات يُمكن زراعتها باستخدام المياه المالحة في الصوبات الزراعية، كما أنه يقوم أيضًا بتعديل نظام الصوبات الزراعية الحالية لتستخدم تقنيات التبريد بالمياه المالحة ونظام التحكم Coretex الحاصل على براءة اختراع. في حقيقة الأمر، تستخدم الصوبات الزجاجية في شركة Red Sea Farms نسبة تقدر بـ 10٪ فقط من المياه العذبة، بينما تستخدم النسبة المتبقية من احتياجاتها والمقدرة بـ 90٪ من المياه المالحة. وإلى جانب هذه العروض، تقدم الشركة أيضًا خدمات استشارية للزراعة باستخدام المياه المالحة وزراعة الصحراء.
تستند الفرضية التي تقدمها الشركة إلى خبرة مؤسسيها الثلاث: رايان ليفيرس، ومارك تستر، وديريا باران. ليفيرس، الذي يرأس الشركة الناشئة، بصفته الرئيس التنفيذي لها، هو عالم أبحاث في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وتركز أبحاثه على استخدام المياه المالحة بدلاً من المياه العذبة في الأنظمة الهندسية التي تدعم الزراعة في البيئات الحارة وفي الأماكن التي تُعاني من ندرة المياه. أما تيستر، رئيس قسم العلوم في الشركة الناشئة، فهو أستاذ علوم النبات والمدير المشارك لمركز زراعة الصحراء في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وتتناول أبحاثه تمكين الآليات الوراثية الجزيئية لنباتات معينة من النمو في ظروف أقل من المستوى الأمثل، مثل إنتاج الماحصيل التي لا تتأثر بالملح. وباران، رئيسة قسم الهندسة والتكنولوجيا في الشركة الناشئة، هي أستاذة مشاركة في قسم العلوم وهندسة المواد في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، فضلاً عن أنها كانت – قبل شركة Red Sea Farms – مؤسسة مشاركة في شركة iyris، وهي شركة ناشئة ينصب تركيزها على تطوير حلول الطاقة المستدامة المناسبة للمناخات القاسية. وبعد استحواذ شركة Red Sea Farms على شركة iyris، تم دمج نظام شركة iyris مع الحلول السابقة، مما أتاح للشركة الناشئة اقتناء مجموعة متكاملة من التقنيات، بما في ذلك التبريد الفعّال والمتداخل، وعلوم النبات، والمراقبة والتحكم عن بعد باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وأثناء عملهم على بحثهم الخاص في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، قرر المؤسسون أن يتعاونوا فيما بينهم لإطلاق الشركة الناشئة، حيث ذكرت باران: “بوصفي عالمة، بالإضافة إلى العديد من المناصب التي علمت بها [الخبرات التي اقتنيتها]، فإن الفريق كان دافعًا لنا للمضي قدمًا لتحقيق هذا المفهوم”. وقد ساعدتنا معارفنا المشتركة في مجال علوم النبات والهندسة الزراعية وتكنولوجيا الطاقة الشمسية بالتأكيد في ذلك الصدد. وأضافت: “لطالما كنا فريقًا متنوعًا ومتكاملًا، وأعتقد أنه كان من الواضح إلى حدٍ كبير أن الأمر سينجح. حيث أن الأشخاص المتشابهون في التفكير بشكلٍ فعليّ ينجذبون إلى بعضهم بعضًا… لقد أنشأنا بطبيعة الحال فريقًا قويًا للغاية.” وبوصفنا علماء تحولنا إلى رواد أعمال، فقد أمضى فريق العمل سنواتهم الأولى في البحث، مع التركيز بشكل أساسي على التحقق من صحة التقنية في المقام الأول، ثم التحقق من قدرة المنتج. وذكرت باران: “كانت المنطقة مكانًا تجريبيًا مثاليًا لإدراك ما إذا كان [مفهومنا] منطقيًا أم لا”. وبوصفنا مؤسسة مقرها المملكة العربية السعودية، فإن درجات الحرارة المرتفعة وندرة المياه العذبة في البلاد جعلت النظام البيئي مثاليًا لتطوير واختبار المفاهيم في بيئة حارة ورطبة، فضلاً عن الانتفاع من تقنيات الطاقة الشمسية. وبالنظر إلى إمكانية إحداث ثورة في مستقبل إنتاج الغذاء في المملكة العربية السعودية، فإن المؤسسين المشاركين كانوا يعملون على وضع حل للمشكلات الشبيهة على مستوى العالم، لا سيما بالنسبة للبلاد التي تشوبها ظروف شبيهة لتلك الموجودة في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك معظم دول مجلس التعاون الخليجي وشمال إفريقيا والهند وأستراليا، وأجزاء من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. ومن خلال القيام بذلك، تهدف الشركة إلى ضبط رسالة مهمتها مع رؤية المملكة 2030، والتي تتضمن منح الأولوية للأمن الغذائي وإصلاح اقتصاد المملكة من خلال تنمية المواهب المحلية في قطاع الزراعة. وعلى المستوى العالمي، يتحد الفريق أيضًا لتنفيذ مهمته مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة من أجل القضاء على الجوع بتقديم المساعدة اللازمة للتخفيف من آثار المجاعات في العالم.
وبالنظر إلى قدرة الشركة على حل مشكلة عالمية قائمة، فإن مسار نمو شركة Red Sea Farms لم يكن مفاجئًا. حقق الفريق، الذي تم تمويله ذاتيًا في البداية، نجاحًا في عام 2019 عندما تلقى استثمارًا أوليًا بقيمة 1.9 مليون دولار أمريكي من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومن شركة تطوير المنتجات البحثية. وجديرٌ بالذكر أن الشركة حصلت على بعض الجوائز أيضًا: في عام 2019، احتلت الشركة المركز الثالث في مسابقة مسك لريادة الأعمال (وهو إنجاز مذهل حيث تنافست الشركة مع 100.000 شركة ناشئة من 187 دولة)، وفي عام 2021، فازت بجائزة قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية. وفي عام 2020، كما هو الحال مع جميع الشركات القائمة خلال اندلاع جائحة كوفيد-19، واجهت الشركة بعض الاضطرابات. حيث أفادت: “لقد تعرضنا لأزمة خلال جائحة كوفيد-19، ولكن هذا هو الوقت الذي طرحنا فيه منتجنا في السوق، وأجرينا دراسات الحالة الفعلية، وبدأنا الإنتاج التجريبي. من المثير للاهتمام، أنه بينما كان من الصعب على كل المؤسسات العالمية [العاملة في صناعة الأغذية] المضي قدمًا، أصبح الأمن الغذائي مشكلة لكل فرد في العالم، ولكن بشكل خاص في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبقية دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تصدر هذه الدول 80٪ من الطعام. كان من المدهش أن مقرنا كان في المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت، ومع كل هذه المعرفة والتكنولوجيا التي يمكننا الانتفاع منها. ولهذا السبب، كان الأمر ممتعًا للغاية بالنسبة لنا – حيث أننا استفدنا نوعًا ما من هذا الموقف وجعلناه فرصة سانحة لنا. حيث بدأنا أول برنامج تجريبي لنا في منتصف أزمة كوفيد-19، لأن الأشخاص كانوا متحمسين، “هيا، نحتاج إلى ذلك، نحتاجه بسرعة، وفي أسرع وقت ممكن”.
وانطلاقًا من هذا الإلحاح الجديد، بدأ الفريق في العمل. وبينما أوضحت باران أنهم ما زالوا يعملون على تطوير مجموعة التقنيات، فقد تمكنوا أيضًا من زراعة محاصيل عضوية أخرى مثل الباذنجان والكرفس والخيار والفلفل وغيرها من الخضروات الورقية، من بين أمور أخرى، على الرغم من أن الطماطم لا تزال محط اهتمامهم الرئيسي. “عندما بدأنا أول تجاربنا في سوق المملكة العربية السعودية، قمنا بتجربة كافة هذه المنتجات، ثم حصلنا على تعليقات إيجابية للغاية، ولكن من بينها جائت التعليقات الإيجابية الأكثر تواترًا على الطماطم الكرزية والطماطم.” تنتج شركة Red Sea Farms حاليًا الطماطم أسبوعيًا، ولديها اتفاقيات بيع بالتجزئة مع كل من كارفور وأسواق التميمي في المملكة العربية السعودية. لقد حظيت منتجاتنا باهتمام المستثمرين الإقليميين والعالميين أيضًا. ففي عام 2021، أنهت الشركة جولتها التمويلية التمهيدية التي بلغت قيمتها 16 مليون دولار أمريكي، متجاوزةً بذلك هدفها الذي كان 10 ملايين دولار أمريكي، والذي حصدته لأول مرة من مجموعة من المستثمرين السعوديين والإماراتيين، بما في ذلك فرع ريادة الأعمال لشركة أرامكو، وشركة واعد، ومبادرة مستقبل الاستثمار، وشركة KAUS وشركة جلوبال فينتشرز. حيث قام المستثمرون المقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية، في شركة AppHarvest وشركة Bonaventure، بضخ 6 ملايين دولار في هذا المشروع.
وبحسبما ذكرته باران، لعبت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية دورًا محوريًا في نمو الشركة. فلم توفر الجامعة للثلاثي فرصة الالتقاء فحسب، بل طورت أيضًا أبحاث كل عضو في الفريق، حتى قبل إطلاق الشركة الناشئة. وذكرت باران: “لقد كان ذلك هو المكان الذي بدأ فيه كل شيء بالنسبة لنا. وكانوا أول مستثمر آمن بقدراتنا”. منذ المراحل المبكرة، وبالنظر إلى أن الفريق كان مشاركًا في برنامج تقدم لتسريع الأعمال التابع لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، فقد تمكن الفريق من الوصول إلى فرص الإرشاد والتدريب وعقد ورش العمل لمناقشة مختلف قضايا الأعمال، مع التواصل أيضًا مع مجتمع داعم من رواد الأعمال وخبراء الصناعة. وأضافت “بالنظر إلى كوننا فريق عمل يضم الكثير من العلماء منذ البداية، فقد قامت الجامعة بتعليمنا نوعًا ما حول ريادة الأعمال. فهي مكان للأشخاص الماهرين، ومن ثم، فهي تقدم الدعم الفعليّ وتسمح لهؤلاء الأشخاص بالوصول إلى رؤى الآخرين.” كما كانت الشركة الناشئة أيضًا المستأجر الأول في المركز الزراعي لمجمع البحوث والتقنية التابع لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والمصمم لعمليات البحث والتطوير في جميع المجالات ذات الصلة بالزراعة، وفي عام 2020، تم إطلاق الصوبات الزراعية الجديدة التي تعتمد على المياه المالحة والتي تبلغ مساحتها 2.00 متر مربع في حديقة البحوث والتكنولوجيا بالجامعة (KRTP).
وبعد اختتام جولة الاستثمار، ذكرت باران أن شركة Red Sea Farms تخطط الآن للعمل مع محلات السوبر ماركت الأخرى لتوسيع اتفاقيات البيع بالتجزئة، وكذلك العمل على نشر تقنيتها في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية. في الواقع، يخطط الفريق أيضًا لبناء وتعديل أكثر من ستة هكتارات لإجراء عمليات الزراعة التجارية في المملكة العربية السعودية. وتقول باران: “خطتنا هي زيادة التوسع في المملكة العربية السعودية، تليها أبو ظبي، ثم الولايات المتحدة الأمريكية. فما نريد تحقيقه هو التخطيط لأن نكون مزودي التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، ونعمل أيضًا على إنشاء مقر في الولايات المتحدة، والذي سيكون نشطًا في عام 2022. فنحن نريد حقًا التركيز على الطماطم في الوقت الحالي، وإتقان زراعتها على المستوى العالمي”.
‘TREP TALK
دريا باران، المؤسسة المشاركة ورئيسة قسم الهندسة والتكنولوجيا، شركة Red Sea Farms
كيف كانت تجربتك كامرأة في مجال التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟
“لقد كان أمرًا مثيرًا للاهتمام – حيث لم يكن هناك الكثير من النماذج التي يُحتذى بها للمرأة في مجال التكنولوجيا في المنطقة، أو لم تحظى هذه النماذج بالقدر الكافي من الاهتمام. من الصعب أحيانًا توقع مسار الأحداث أو توقع ما هو ممكن. وقد يكون من الصعب بعد ذلك أن تتمتعي بالثقة للوصول إلى المكانة التي تتمنيها. ولقد كنت محظوظةً لحصولي على جائزة بوصفي أحد المبتكرين الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما ساعدني على التعرف على العديد من أصحاب المصلحة والمنظمات المختلفة، وساعدني كذلك على التمتع بالثقة فيما أفعله بوصفي رائدة أعمال. فضلاً عن أنني تعاملت مع أي انتكاسات مررت بها بأن واصلت تركيزي على عملي، ولطالما ذكرت نفسي بأهمية ذلك لي. وأدركت في نهاية المطاف أنني أردت معالجة القضايا العالمية الكبرى، ويمكنني أن أرى عملي يؤثر على مستقبل الأمن الغذائي على وجه التحديد”.
ما هي نصيحتك لرائدات الأعمال الراغبات في دخول مجال صناعة التكنولوجيا الزراعية؟
- لا تُخمدي شغفك “تحلي بالمرونة، وابدئي في تحقيق أهدافك بنسبة 100٪. لا يمكن تحقيق النجاح دون التمتع بالشغف والالتزام. ففي هذه الرحلة، ستكون هناك دائمًا عقبات، بغض النظر عن كونك رائدة أعمال أم لا. ومن ثمّ، لا تتعاملي معهم على محمل شخصي، واعملي على تخطيها واحدةً تلو الأخرى”.
- أحسني اختيار دائرة المحيطين بكِ “أحيطي نفسك بالأشخاص المتحمسين الآخرين – فمن السهل للغاية أن تستلهمي الأفكار وتتصرفي بناءً عليها عندما يكون حولك أشخاص يدعمونك. إذا لم يكن لديكِ مثل هذه البيئة، فهذا لا يعني أنه لا يمكنكِ النجاح؛ بل يمكنك أن تكوني أول من سيُلهم الآخرين ليسيروا على خطاه”.
- ركزي على الأهداف طويلة المدى “اعرفي ما تريدينه من رحلتك. في بعض الأحيان، تكون مجرد فكرة ثورية صغيرة وذات تركيز محدد كافية لتحقيق نجاح كبير في حياتك”.
- دافعي عن نفسك “لا تخجلي من عرض أفكارك. نحن بالتأكيد بحاجة إلى مزيد من الإناث في مجال التكنولوجيا والتكنولوجيا الزراعية للتعاون في جعل هذا العالم مكانًا أفضل”.