دبي -19 يوليو 2021
بقلم شديد حداد، مدير الاستراتيجية والعمليات لدى بين أند كومباني، (الشرق الأوسط)
ينصّ القانون الأول لعلم الديناميكا الحرارية أن الطاقة لا تفنى، ومع ذلك فإن بوسع العديد من المسؤولين التنفيذيين الإشارة إلى اجتماعات عديدة يمكنها دحض تلك القاعدة. فالاجتماعات أصبحت مختلفة عن ذي قبل، وتستخدم فيها العديد من العبارات التي لم تكن مألوفة في السابق – إلا أنها لا تزال الملتقى الأبرز للمدراء التنفيذيين للاجتماع بشكل افتراضي أو فعلي وتبادل المعلومات المهمة أو العمل التشاركي وجمع المدخلات ورصد النتائج واتخاذ القرارات
وعندما تسير تلك الاجتماعات بالشكل الصحيح، يمكن أن تكون منصة فعالة لإقامة الحوارات والنقاشات المفيدة وفرصة للمدراء التنفيذيين للتوافق حول خطط العمل المستقبلية والالتزام بها وبيان حدود المساءلة لكل منهم – فهم يمثلون في مجموعهم التناغم المطلوب للعمليات المتكاملة التي تعدّ بمثابة القلب النابض للمؤسسة.
يمضي المدراء التنفيذيون الكثير من الوقت في الاجتماعات، كما ينقضي وقت أكبر في التخطيط لتلك الاجتماعات والاستعداد لها. فكبار المسؤولين التنفيذيين يخصصون بالمتوسط يومين من كل أسبوع للاجتماع مع ثلاثة زملاء أو أكثر، فيما يُقضى 15% من وقت المؤسسة بشكل عام على الاجتماعات وفقاً لأبحاث أجرتها شركة بين. ولدى دراسة زملائنا للأثر التراكمي المترتب على إقامة اجتماع دوري واحد للمراجعة على مستوى الإدارة العليا، وجدوا أن مجموع الساعات التي تنفق لتخطيط وإعداد ذلك الاجتماع على مدار العام يقارب 300,000 ساعة إضافية – أي ما يعادل عمل حوالي 150 موظفاً بدوام كامل. كما بيّنت الأبحاث وجود ارتباط بين سلوك الاجتماعات وبين حصة المؤسسة في السوق، وبين الابتكار واستقرار الموظفين، مبينّة أن مشاعر الموظفين تجاه الاجتماعات ترتبط ارتباطاً مباشراً بمدى رضاهم عن الوظيفة بشكل عام.
وعندما يتحدث المدراء التنفيذيون عن “ترتيب الاجتماعات” فإنهم غالباً ما يشيرون إلى ركائز الاجتماع الأساسية كجدول الأعمال والمشاركين وأدوارهم ومعايير الاجتماع والمواد المستخدمة، حيث ينبغي أن تتناسب جميعها مع أهداف الاجتماع ومحور تركيزه، بينما تسبب التغييرات البسيطة اختلافاً كبيراً في تلك التحضيرات.
إلا أن تحقيق الفائدة القصوى من تلك الاجتماعات يتجاوز التركيز على التحضيرات الأساسية، فهو يتطلب التمييز بين جانبين أساسيين من عمل المسؤول التنفيذي، وهما العمليات التشغيلية (تسيير الأعمال) والابتكار (تغيير الأعمال).
اجتماعات تسيير الأعمال واجتماعات تغيير الأعمال
يساعد التمييز بين جهود تسيير الأعمال وتغييرها الفريق التنفيذي في التفكير والتوافق بشأن غاية عمله وهدفه كفريق متكامل، مما يؤدي في الغالب إلى أن يدرك الفريق الحاجة لتركيز مزيد من الوقت على تغيير الأعمال. ولا يزال على الفريق في الوقت ذاته مراقبة العمليات والعمل على إزالة العقبات، فيما يتعيّن عليه تفويض صلاحيات تسيير الأعمال كلما أمكن ذلك. وعند فهم هذا الفرق، يمكن للمدراء التنفيذيين البدء بتصميم هيكلية الاجتماعات وترتيبها بالشكل الذي يناسب محور تركيزهم حينها.
وبالطبع، تقوم كل من اجتماعات تسيير الأعمال أو تغيير الأعمال على تصميم مختلف – إذ تركز اجتماعات تسيير الأعمال على أفضل طريقة للقيام بالعمليات اليومية بكفاءة وفعالية، وهنا يقوم المدراء التنفيذيون برصد الأداء وتسليط الضوء على مؤشرات القصور وتصحيح المسار عند الضرورة. كما يركزون على إرساء إجراءات قابلة للتكرار بحيث يمكن التنبؤ بالمخرجات بدقة.
تتسم اجتماعات تسيير الأعمال عادة بالخصائص التالية:
- التركيز على أهم المخرجات، وتسليط الضوء على تلك التي تشهد انحرافاً يؤثر بشكل جوهري على الخطة الأصلية.
- السعي للكشف عن الأسباب الجذرية لمشكلة ما، واتخاذ القرار حول تصحيح المسار
- قد تحتاج إلى “قياس النبض” بشكل سريع وأكثر تكراراً مقارنة مع اجتماعات المراجعة الشاملة لمدة أطول
ومن ناحية أخرى، تركّز اجتماعات تغيير الأعمال على الابتكار واغتنام فرص العمل وخلق الأفضلية التنافسية، فهي تتمحور حول تحديد التوجه المستقبلي وتعتبر التكيّف والارتكاز من أهم أولوياتها.
تختلف اجتماعات تغيير الأعمال عن اجتماعات تسيير الأعمال في الجوانب التالية:
- التركيز على تبادل الدروس المستفادة وإزالة العقبات التي تعيق إحراز التقدم.
- يقدم القادة آراءهم وملاحظاتهم ولكنهم يدعمون الابتكار من خلال تمكين فرقهم من التجربة والتعلم، ويتبعون أسلوب القيادة المرن (لمزيد من المعلومات حول هذا الأسلوب، يمكنكم الاطلاع على مقال “القيادة التنفيذية المرنة” في هارفارد بزنس ريفيو)
- يحتاج الأمر عادة لعقد تلك الاجتماعات بشكل دوري – قد يكون شهرياً أو حتى أسبوعياً – لمواكبة الابتكار المستمر وتزويد فرق العمل بالتوجيه والإرشاد بشكل دائم.
الخطوات التالية
مهما كان قطاع العمل ومستوى النضج والوضع الراهن، فلا بد أن أي فريق تنفيذي يرغب في الحرص على العمل ضمن المواضيع المناسبة وبالطرق الصحيحة. فهل يقضي الفريق الوقت الكافي معاً في تغيير وتطوير الأعمال؟ وكيف يمكنهم قياس نبض العمليات بشكل مستمر وبالطريقة الأكثر كفاءة؟ وهل تتناسب اجتماعاتهم مع الاحتياجات المختلفة لتسيير وتغيير الأعمال؟
من الجيد البدء بمراجعة دورية لكل اجتماع يتم الترتيب له. فهل يتناسب جدول أعمال الاجتماع مع توجه الفريق التنفيذي وتركيزه؟ وأين تتقارب اجتماعات تسيير وتغيير الأعمال، وهل ينبغي فصلها عن بعضها؟ ومن هنا تنبثق المزيد من الأسئلة، ومنها التساؤل عمّا إن كان حاضرو الاجتماعات هم الأشخاص المناسبون لذلك. وبالطبع لا بد من الاهتمام المستمر بالإعداد السليم للاجتماع.
فالأمر يستحق الجهد، وستساهم الاجتماعات المُصممة بالشكل الصحيح في توجيه الحوارات والعقليات نحو قرارات أفضل – لتعمل على تركيز الطاقة وحفظها بدلاً من إضاعتها.