بقلم: محمد باقر، نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في “جلف ماركتنج جروب”
ألقت جائحة “كوفيد-19” بظلالها الثقيلة على العام الماضي وشكلت تداعياتها اختباراً لم نألفه في حياتنا كقادة أعمال، فأحاطت الضغوطات النفسية والجسدية بالموظفين نتيجة الظروف غير المسبوقة التي شهدها العالم أجمع. وعلى صعيد الأعمال، فرضت حتمية المحافظة على عمل سلاسل التوريد والامتثال لتدابير الصحة والسلامة الصارمة حاجة ماسة لمستويات جديدة من المرونة. ولحسن الحظ، نمضي اليوم على المسار الصحيح للانتعاش واستعادة العافية الاقتصادية، لاسيما مع تأقلم العديد من المؤسسات في المنطقة مع الحقائق الناشئة التي فرضها الواقع الجديد على سبل مزاولة الأعمال.
وبعد تجاوزنا فصول الأزمة الصحية التي ألمت بالعالم، يتعين علينا التفكير ملياً بما اختبرناه لتحويله إلى درس مستفاد يساهم بتعزيز صلابتنا ويجعل من استراتيجية أعمالنا أكثر استدامة. ولابد لنا من المضي قدماً بالارتقاء بمقومات أعمالنا لنتمكن من النظر إلى المستقبل بعيون واثقة. وفي نهاية المطاف، جعلتنا الجائحة ندرك أن تخطي الأزمات يكمن في الأسس المتينة.
العملاء أولاً- اعتاد العملاء على التفاعل مع الشركات عبر قنوات عديدة. إلا أن قنوات التواصل الشخصية التي اعتاد عليها العملاء واجهت خللاً كبيراً خلال ذروة تفشي الجائحة مع إغلاق متاجر التجزئة أبوابها، لتنحصر خيارات التواصل معهم على الهواتف المتحركة والإنترنت، خصوصاً على مستوى خدمات ما بعد البيع، والإرجاع، وغير ذلك. وفي ظل تلك الظروف، تحولت العديد من الشركات سريعاً نحو تعزيز قدرات خدمة العملاء “افتراضياً”. إلا أنه مع التحول إلى قنوات التواصل الجديدة، اكتشفت الشركات مدى كفاءتها وأنها لا تقل أبداً عن قنوات التواصل الشخصية، بل تتفوق عليها في كثير من الأحيان. لذلك فإن تأسيس مراكز متعددة القنوات وقابلة للتطوير للتواصل مع العملاء يسمح لنا بالارتقاء بخدمتهم إلى آفاق أوسع وتقديمها بسرعة كبيرة وعلى مدار الساعة، مع توفير الوقت والجهد والتكلفة على العملاء. وتندرج جميع هذه العناصر ضمن سمات أسلوب العمل الجديد.
إلهام المواهب- تتطلب الاستجابة لأي أزمة بذل جهود جماعية يشارك فيها كل فرد من فريق العمل دون استثناء. وقدمت فرق العمل في زمن الجائحة ضمن العديد من القطاعات نموذجاً رائعاً يؤكد على كفاءة العمل الجماعي وتضافر الجهود، وبدت قيمة الموظفين الأكفاء بالنسبة للشركات في مثل هذه المواقف العصيبة. وعلاوة على ذلك، برز التواصل المفتوح كركيزة أساسية للتفاعل مع المواهب وإلهامها. فمن خلال إحاطة أفراد فريق العمل بالمستجدات باستمرار، تنجح الشركات في غرس الثقة ضمن بيئة عملها وتعميق العلاقات التي تجمع الموظفين. وعلى الرغم من أن تواصل القيادات مع مختلف فرق العمل يعتبر أمراً حيوياً في أي شركة، لا يمكن التقليل أبداً من دور تواصل هذه الفرق مع بعضها الآخر لترسيخ الثقة وضمان الروح الجماعية.
الانفتاح على منظومة العمل – لا يمكن للشركات اليوم البقاء في عزلة عن العالم المحيط بها. فإضافة إلى التفاعل مع العملاء والمواهب، يعتبر التعاون مع المنظومة الأوسع من الأطراف المعنية أمر أساسي يمهد الطريق لتأسيس المرونة المطلوبة. ولعل تطور علاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص برزت كمثال واضح على أهمية هذا التعاون خلال العام الماضي. وسواءً تجلى هذا التعاون عبر الامتثال لتدابير السلامة، أو إصدار التراخيص، أو التأشيرات، أو حتى التنبؤ الاقتصادي، فإن المؤسسات التي شرعت بالتواصل مع الحكومة ستجد نفسها في وضع أفضل، اليوم وفي المستقبل.
وتمتد مقاربة الانفتاح هذه إلى المجتمع أيضاً. فقد اعتادت الشركات العائلية في المنطقة، التي تعتبر “جلف ماركتنج جروب” إحداها، على المساهمة بسخاء في القضايا الاجتماعية. ووفقاً لاستطلاع أجرته شركة “برايس ووتر هاوس” مؤخراً، تشارك 93% من الشركات العائلية في الشرق الأوسط بانتظام في نشاطات المسؤولية الاجتماعية[1]. وكان هذا الالتزام بدعم المجتمع أمراً واضحاً خلال الجائحة، وساعد العديد من المجتمعات والقطاعات على الاستمرارية وتخطي تداعيات الأزمة.
اختبار التقنيات الجديدة- يمكن للرقمنة تحقيق أثر هائل على الكفاءة والفاعلية ضمن نموذج حوكمة الشركات. ورأينا كيف غيرت جائحة “كوفيد-19” من سير العمليات الاعتيادية مع صدور التوجيهات العالمية للتحول نحو العمل من المنزل. وأصبحت المنصات الرقمية على غرار منصات الحوسبة السحابية أكثر أهمية لضمان استمرارية الأعمال. لذلك فإن الشركات التي سارعت للتحول الرقمي بإجراءات ملموسة تمكنت من مواصلة أعمالها دون أثر يذكر. وحتى في أيامنا هذه، فإن ضمان توافر الأدوات التقنية في المتناول ضمن بيئة الأعمال يؤتي بثماره على مرونة الشركات ويرفع معنويات الموظفين ويعزز إنتاجيتهم.
[1] Middle East Family Business Survey 2021 – PwC Middle East