نمذجة خواص احتراق الجازولين تقود عملية البحث عن أنواعٍ أنظف وأكثر كفاءةً من الوقود.
نجح باحثو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) في ابتكار طريقة بسيطة وسريعة وغير مكلفة لنمذجة خصائص احتراق الجازولين، وهي الخطوة التي تُمهِد الطريق نحو أنواعٍ أنظف وأكثر كفاءةً من وقود النقل. وتتمثل عملية النمذجة في تسهيل فهم هذه الخصائص وجعلها أسهل على القياس والتصور والمحاكاة. واحتراق الجازولين هو تغير كيميائي حيث ينتج مواد مختلفة في التركيب والخواص عن المادة الاصلية، اذ ينتج عنه الطاقة وثاني أكسيد الكربون .
وجدير بالذكر أن احتراق وقود النقل المعتمد على الهيدروكربونات يُعد من أهم العوامل التي تلعب دورًا في التغيّر المناخي، مما يُولِّد الحاجة إلى أنواعٍ أنظف وأفضل أداءً من الوقود. ويحتوي الجازولين -وهو الوقود الأكثر استخدامًا في السيارات- على مئات الهيدروكربونات ويتميز، حسب تكوينه، بطيفٍ واسع من خصائص الاحتراق.
ومن المؤشرات الدالة على أداء الوقود رقم الأوكتان، وهو مقياس لمقدرة الوقود على مقاومة الاحتراق المبكر، فكلّما ازداد هذا الرقم ازدادت إمكانية ضغط الوقود خلال الاشتعال وازدادت كفاءة احتراقه. غير أن قياس رقم الأوكتان فيزيائيًا للجازولين يُعد عملية مُعقَّدة ومُكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا. والأوكتان هو أحد الألكانات الهيدروكربونية، وله كثير من المتزامرات التي هي عبارة عن مركبات لها نفس الصيغة، لكن لها بنى مميزة أو تراتيب مختلفة للذرات في الجزيئة، وقد تكون لها خواص مختلفة.
عامر فاروق (في الخلف) وعماد الإبراهيم يناقشان دقة سير عملياتهما التنبؤية.
أنشأ الباحثون مجموعة بيانات تضم أطياف الأشعة تحت الحمراء وأرقام الأوكتان والخواص الجزيئية لأهم مكونات الجازولين، ومنها البارافين والأيزوبارافين والأوليفين والألكانات الحلقية والنافثينات والهيدروكربونات العطرية. واستنادًا إلى مجموعة البيانات هذه، تمكَّنوا من إنتاج أطياف مركبة لما يبلغ ١٤٨ خليطًا مختلفًا من الهيدروكربونات.
استخلص الباحثون، مستعينين بنموذج إحصائي غير خطي، أهم المعلومات من الأطياف، ثم حوَّلوا هذه البيانات إلى درجات أو نقاط تقابل الخواص الكيميائية للوقود، مما أتاح لهم التنبؤ برقم الأوكتان الخاص به. تجدر الاشارة هنا الى ان نماذج التحليل الاحصائية تستخدم بشكل أساسي للتنبؤ، وايضا لاستنتاج العلاقات السببية بين المتغير التابع ومتغير واحد أو أكثر من المتغيرات المستقلة.
يضيف الإبراهيم مُوضحًا: “من الأهمية بمكانٍ استخدام طرق غير خطية في تحليل الأطياف نظرًا إلى أنَّ الجزيئات الهيدروكربونية تميل إلى الامتزاج التآزري والمضاد. فعلى سبيل المثال، غالبًا ما ينتج خليط وقودين رقم أوكتانٍ أعلى من نظيره الذي تنتجه مكونات الخليط منفردة”.
تمكَّن النموذج، من خلال محاكاة أطياف ٣٨ وقودًا لمحركات الاحتراق المتقدم، من التنبؤ بدقة برقم أوكتان كل وقود منها، مُوفرًا بذلك طريقة لتحديد خصائص الاحتراق المميزة لمخاليط الوقود المختلفة.
اختتم فاروق الحديث قائلًا: “نحتاج خلال سعينا لإيجاد تركيبات أحدث وأنظف من الوقود، إلى الفرز السريع لأنواع الوقود المحتملة مثل مخاليط المصافي منخفضة الكربون والوقود الحيوي والوقود الشمسي والوقود الإلكتروني. بمقدورنا الآن تنفيذ تلك العملية بسهولة وسرعة وبتكلفة منخفضة”.