مترجم بتصرف: مقال لـ ماريا باولا أوليفيرا، رئيس الابتكار في EY MENA
تخيل شخصين يحاولان اجتياز مسار صعب. أحدهما شخص يرتاح عادة بين الفترة والأخرى لشرب القهوة في حين أن الآخر يمارس رياضة الباكور وهي من الرياضيات الشديدة التعقيد التي ينتقل فيها الرياضي من نقطة إلى أخرى في بيئة معقدة، دون معدات تدعم مهمته، وبأسرع طريقة وأكثرها فعالية.
من برأيك يمتلك فرصة أفضل ليكون أكثر قدرة على التكيف مع البيئة غير المألوفة، ويصل إلى نهاية السباق، وينجح في مواقف صعبة مماثلة في المستقبل؟
إجابة سهلة، أليس كذلك؟
الأمر نفسه ينطبق على الشركات.
لكي تستجيب الشركات بشكل فعال للمتغيرات غير المتوقعة والفشل والتحديات والعقبات (هل ذكر أي شخص اسم الوباء؟)، فإنها تحتاج إلى تطوير المهارات التي تمنحها المرونة والقدرة على التكيف، وهذا ما أسميه “عضلات الابتكار”.
أين تقع عضلات الابتكار؟
عادة عندما تكون الشركة في بداياتها الأولى، تتميز بعدم الرسمية وسرعة اتخاذ القرارات وسهولة الاتصال. وعندما تنضج الشركات، تميل العديد منها إلى التشدد بسبب عوامل مثل البيروقراطية والعمليات المفرطة والتواصل غير الفعال. ونتيجة لذلك تصبح هذه الشركات مقاومة للتغيير وبطيئة في الاستجابة لتحديات العالم سريع التحول.
أما تلك الشركات التي تمكنت من النمو بشكل أفضل وبطريقة صحية، واكتسبت هيكلية أفضل من دون فقدان المرونة والحركة، من المرجح أن تزدهر بغض النظر عن التحديات التي تواجهها. الشركات التي تتمتع بعضلات الابتكار تشبه ممارسي رياضة “الباركور”، حيث يمتلكون ذاكرة من العضلات، وحين يجدون حائطاً، يعرفون كيفية تسلقه، وعندما يجدون حفرة، يعرفون كيفية القفز فوقها، وعندما يواجهون جائحة، يعرفون كيف يغيرون استراتيجياتهم، وبالتالي فإننا نجد ان منتجات وخدمات وقنوات التواصل التابعة لهذه الشركات لا تنجو من الجائحة فقط، بل تزدهر أيضاً.
وخضعت العديد من الشركات للاختبار خلال فترة الجائحة. وقد رأينا ظهور نماذج أعمال جديدة، وتحولاً جذرياً في العادات الاستهلاكية. كان على القطاعات أن تتطور في غضون أسابيع، وهو ما كان سيستغرق عقودًا في السابق. وفيما يلي بعض الأمثلة على الشركات التي تتمتع بجهاز عضلي مبتكر قوي جدًا لدرجة أنها كانت قادرة على التكيف بسرعة مع التحديات التي مررنا بها جميعًا في عام 2020:
- شهدت دور السينما في دبي ودولة الإمارات طفرة في مجال توصيل الطعام أثناء فترة الإغلاق، الأمر الذي حافظت من خلاله على قربها من عملائها. وقامت دور السينما بتوصيل الفشار إلى المنازل لتسمح للمستهلكين بالاستمتاع قليلاً بتجربة مشاهدة الأفلام داخل منازلهم.
- أطلقت علامة تجارية للأزياء في البرازيل قميصًا خاصًا لعيد الأب 2020 يحتوي على رمز QR يسمح للآباء بالاستماع إلى رسائل مسجلة مسبقًا من أطفالهم.
- وجد متحف في لندن طريقة لإبقاء زواره متفاعلين عن بعد، حيث أطلق تحديًا للناس لإعادة إنشاء أعمالهم الفنية المفضلة في المنزل. وقد عززت المبادرة من ارتباط الزوار بالمتحف مع إعادة اكتشاف الإبداع لدى المشاركين وتحقيق نتائج ممتعة للغاية.
تدريب وتطوير “عضلات الابتكار”
غالبًا ما يأتي يوم حتى بالنسبة إلى الشركات الأكثر استعدادًا، تدرك فيه الشركة أنها لم تعد كما هي، أو فقدت قدرتها على مواجهة المنافسين أو تخلفت في مسار في التحول الرقمي.
في عالم الأعمال وكذلك في العالم الشخصي، فإن ممارسة العادات الجيدة هي أفضل طريقة لتكون قويًا في الحاضر والمستقبل. ومع ذلك وفي بعض الأحيان، نحتاج إلى مساعدة إضافية للعودة إلى الجسم أو المسار السليم. وهنا يأتي دور الرئيس التنفيذي للابتكار (CIO)، واعتبره كمدرب شخصي للشركة. وتمامًا مثل المدرب الشخصي في حياتنا الخاصة، يساعد الرئيس التنفيذي للابتكار الشركات على الخروج من الجمود واتخاذ الإجراءات، والتركيز على اعتماد عادات جديدة. وأدناه بعض الطرق التي يستخدمها ويطبقها في مهامه:
- طرق جديدة للتفكير حول كيفية إدارة الحاضر والمستقبل بشكل متزامن
- عمليات وأساليب جديدة تسمح بالتدفق الحر للإبداع
- طرق لاختبار الأفكار الجديدة ونماذج الأعمال، وتجميع الدروس المستفادة من الإخفاقات
- تطوير سلوكيات جديدة تؤدي إلى نمو ثقافة الابتكار
في شركتي ” EY ” على سبيل المثال، نمتلك برنامج ابتكار مؤسسي مخصص لرعاية ثقافة الابتكار وتعزيز التحول الإيجابي في أعمالنا. ومن خلال هذه الجهود، تمكنا من تبني طرق جديدة للعمل، مع قدر أكبر من المرونة وقوة عاملة متنوعة بشكل متزايد. نحن نعتمد أيضًا على تقنيات رقمية مثل البلوك تشين والتعلم الآلي وأتمتة العمليات الروبوتية لزيادة قدرات وإمكانات المواهب البشرية لدينا. تعمل هذه التقنيات على تسريع العمليات الروتينية، وتحرير موظفينا للمشاركة في أعمال أكثر إبداعًا لا يمكن أن تقوم بها الروبوتات.
وغالبًا ما ينطوي عمل الرئيس التنفيذي للابتكار وفريق الابتكار على خض الشركة وتغيير نموذج عملها، وهو ما يمكن أن يخلق بعض الانزعاج. وتمامًا مثل الألم الذي يصاحب جلسة التمرين الجيدة، فإن هذه ردة فعل طبيعية وتؤدي إلى كسر المفاهيم القديمة، مما يؤدي في النهاية إلى بروز شركة أكثر قدرة على مواجهة التحديات.
على غرار ما يحدث لجسم الإنسان، فإن تقوية الشركة لعضلاتها الابتكارية سيحقق فوائد على المدى القصير، ولكن المكاسب الأساسية ستتحقق على المدى الطويل.
ويمكن للشركات على المدى القصير، أن تشهد تحسينات في مؤشرات الأداء الرئيسية، مثل عدد الأفكار الجديدة، وسرعة طرح الأفكار في السوق، والنسبة المئوية للإيرادات من المنتجات التي تم إطلاقها في السنوات الأخيرة وغيرها. ومع ذلك، فهذه ليست سوى مقاييس لكفاءة العملية وليس النتائج.
لن تتضح النتائج الحقيقية لبناء ثقافة إبداعية حقيقية إلا بمرور الوقت، عندما ننظر خلفنا إلى شركة ما ونرى أنها تقدمت وازدهرت، وتغيرت، وسقطت، ونمت، وأعادت ابتكار القطاعات ونفسها، يوماً بعد الآخر.
إحدى السمات المشتركة بين الشركات ذات القدرات الابتكارية القوية هي قدرتها على التعامل بنجاح مع التباين بين النتائج قصيرة المدى وقدرة التحمل على المدى الطويل. لا يوجد سر أبداً. فمثلما يتطلب بناء الجسم السليم الانضباط والتضحية، فإن تطوير شركة على المدى الطويل يتطلب اتخاذ قرارات صعبة لن ترضي جميع أصحاب المصلحة طوال الوقت. ومن خلال المراهنة على التدابير التي قد لا تكون شائعة ومقبولة، ولكنها تركز على تطوير المرونة، يمكن للشركات أن تحتل مواقع قيادية في عالم الأعمال.
توجهنا هذه الأمثلة إلى رسالة رئيسية: من أجل المحافظة على الوجود والازدهار خلال أوقات التغيير، التي تحدث الآن بشكل متزايد وعلى فترات أقصر، تحتاج الشركات إلى تدريب وتطوير عضلاتها الابتكارية باستمرار من خلال تبني استراتيجيات تركز بشكل صريح على المدى الطويل، ويتم تنفيذها بانضباط من قبل أشخاص ملتزمين مهمة بناء المستقبل.