نشرت “آرثر دي ليتل”، شركة الاستشارات الإدارية الرائدة على مستوى العالم، دراسة جديدة سلطت فيها الضوء على أهمية تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، كخطوة أساسية لتلبية المتطلبات المتنامية للبنية التحتية في الشرق الأوسط والنجاح في تعزيز جودتها وكفاءتها. وأوضحت الدراسة الجديدة التي حملت عنوان “الشراكات الناجحة بين القطاعين العام والخاص: كيف يمكن للبلدان إنشاء منظومة فعّالة للشراكات بين القطاعين العام والخاص”، أنه عندما يتم التخطيط بشكل فعّال ودقيق للشراكات بين القطاعين العام والخاص وتصميمها وتنفيذها بحكمة، فإنها يمكنها المساهمة في تعزيز جهود التنمية الوطنية ودعم النمو عبر جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، مما يعود بفوائد عديدة على مختلف الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص.
وتقدم الدراسة رؤى وأفكار وإرشادات مفيدة حول سُبُل مراعاة المتطلبات المحددة لمثل هذه المشاريع خلال مراحل التخطيط والهيكلة والتنفيذ. كما تنطوي الدراسة على توجيهات رئيسة حول الطرق التي يمكن من خلالها للقطاع الخاص تحفيز الابتكار، واستكشاف المبادرات التي يمكن تنفيذها في كل قطاع وعلى المستوى الوطني وذلك عبر أربعة محركات رئيسية في منظومة الشراكات وهي – الحوكمة، والاستراتيجية، وعملية إتمام التعاملات، والتنفيذ / المتابعة.
وتلقي “آرثر دي ليتل” من خلال دراستها الضوء على الفجوة المتزايدة بين الإنفاق على البنية التحتية والاحتياجات، على الرغم من الطبيعة الحساسة للبنية التحتية فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن أجل الحد من هذه الفجوة والتعامل بشكل أفضل مع متطلبات وقيود الإنفاق، ينبغي على الحكومات العمل على إشراك القطاع الخاص حيثما أمكن ذلك، الأمر الذي من شأنه أن يوفر دعماً مالياً إضافياً ويرفع مستوى الكفاءات ويساهم في تسريع إنجاز المشاريع بالتعاون والتنسيق مع مؤسسات مع القطاع العام، مما يخلق قيمة طويلة الأجل على مستوى الاستثمارات المالية والنتائج الإيجابية للجميع.
وقال كارلو ستيلا، الشريك في “آرثر دي ليتل” الشرق الأوسط. “يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص أن تفتح آفاقاً جديدة من الفرص وتساهم في توفير موارد مالية وغير مالية كبيرة لدعم متطلبات البنية التحتية. وبالرغم من أننا ندرك أن تبني مثل هذه الشركات كان محدوداً نتيجة عوامل عدة مثل التعقيدات الكبيرة والتكاليف المرتفعة وعدم وجود بيئة مواتية بما فيه الكفاية، وتوافر مشاريع قابلة للتمويل، إلا أننا نعتقد أن هناك فرصاً طويلة الأجل لتقديم مشاريع شراكة ناجحة في المستقبل. ومن خلال عملنا لسنوات طويلة في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم، وجدنا أن البلدان غالباً ما تواجه تحديات مختلفة عند تنفيذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ولكن الأمر المشجع هو أننا بدأنا نلحظ بوادر تحول في اتجاه تفعيل مثل هذا النوع من الشراكات لا سيما مع نجاح عدد من المبادرات في المنطقة، مما ساهم في تقديم دراسات حالة ملموسة لبناء الثقة في هذا النهج مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين”.
وتُعد حكومة أبوظبي أحد الأمثلة الناجحة في دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، حيث أعلنت الحكومة عن إطار عمل جديد للشراكة بين القطاعين العام والخاص في ديسمبر 2020، والذي يقدم نهجا واضحاً ومنظماً في هذا المجال، من شأنه استقطاب الشركاء من القطاع الخاص وتحفيز المزيد من المشاريع الإقليمية. وأصدرت حكومة المملكة العربية السعودية أيضاً قانون مشاركة القطاع الخاص الجديد هذا الشهر بحيث تندرج مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومشروعات التخصيص ضمن الإطار القانوني الخاص بها، هذا بالإضافة إلى القانون الذي يركز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص والصادر في أواخر عام 2020، حيث شهد إدخال تعديلات رئيسة على إجراءات الموافقة على المشاريع.
وقد ساهمت التعديلات التي أدخلتها المملكة على البرنامج في تحقيق نتائج ملحوظة مع إتمام العديد من مناقصات الشراكة بين القطاعين العام والخاص خلال العام 2020، وذلك على الرغم من التحديات التي فرضها الوباء. وفي ضوء الأزمة الحالية الناتجة عن تفشي جائحة كوفيد – 19، نظم المركز الوطني للتخصيص مؤتمراً لبحث آفاق الشراكات بين القطاعين العام والخاص وسُبُل تعزيزها مع التركيز على الجائحة وما حملته من تأثيرات على مثل هذه المبادرات. وكانت إحدى مخرجات المؤتمر نشر ورقة بحثية تسلط الضوء على الآثار والمخاطر المحتملة للمشاريع الحكومية القائمة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص مع وضع استراتيجيات قصيرة ومتوسطة المدى لمعالجتها بكفاءة وفعالية.
التحديات التي تواجه منظومة الشراكات بين القطاعين العام والخاص والحلول
تتمثل التحديات التي تواجه منظومة الشراكات بين القطاعين العام والخاص على الصعيد الوطني فيما يلي:
- تحقيق التوازن الصحيح بين تمكين القطاعات والحفاظ على الجودة.
- التأكد من أن الخطة المتكاملة للمشروع مناسبة وقوية في كل مرحلة من مراحل تنفيذه.
- ضمان هيكلة المشاريع على النحو الصحيح لحماية القطاعين العام والخاص.
- تحسين العمليات الخاصة بتنفيذ المشروع لتعزيز فرص نجاح الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
ويُعد التغلب على مثل هذه التحديات أمر بالغ الأهمية لتحسين منظومة الشراكة بين القطاعين العام والخاص على المستوى الوطني. كما يشكل التبسيط المدروس لإجراءات الحصول على الموافقة من الجهات المسؤولة وإنشاء محفزات للشراكة بين القطاعين العام والخاص مطلبين اساسيين لضمان نجاح المشاريع. إضافة إلى ذلك، تحتاج الوزارات عبر مختلف القطاعات إلى التمتع بعوامل التمكين وتكون مسؤولة على تنفيذ هذه المشاريع وإدارة العقود ذات الصلة طوال مدة المشروع بالكامل. وفيما يتعلق بعملية إنشاء وتصميم خطة متكاملة للمشاريع المستدامة، يجب على الجهات المسؤولة عن تنظيم القطاعات وضع خطة مخصصة لمشاركة القطاع الخاص، وإجراء تحليل شامل لتقييم الاحتياجات، واختيار مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص الأكثر أهمية من حيث أهليتها وملاءمتها.
وقالت سالي مناسا، مدير في شركة “آرثر دي ليتل” الشرق الأوسط: “تحتاج الحكومات إلى وضع هيكليات واضحة ومنظمة بدقة للعمليات والآليات التي يتم من خلالها اختيار الشركاء وتعزيز العلاقات معهم. وتشكل هذه المسألة خطوة ضرورية لجميع الجهات والكيانات التي تسعى إلى رفع مستوى الكفاءة والأداء مع نمو المشاريع. ومن المهم للغاية أن يكون لجميع الموظفين المشاركين في مثل هذه المشاريع أدوار محددة بوضوح وأن يتم العمل على تمكينهم لتحقيق النجاح. وعندما يتم تطبيق هذه الإجراءات على النحو المطلوب، فسيكون لدينا أساس قوي لتقديم مبادرات ناجحة قائمة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص”.
وتُظهر الاستنتاجات الأخرى للدراسة مدى أهمية أن تقوم الحكومات بإجراء تحليل للخيارات المتوفرة ودراسات شاملة للسوق لتقييم المشاريع المحتملة، والتأكد من أنها تحمي جميع المصالح، وتحقق النجاحات المأمولة بعد إتمام عملية الإغلاق المالي لأي مشروع معين. وفيما يتعلق بهذه النقطة، ينبغي على الحكومات إجراء تخطيط استراتيجي ومتابعة محفظة الشراكة بين القطاعين العام والخاص بشكل فعال لضمان مستوى أعلى من الحماية في حال تأثر أداء القطاع الخاص وحدوث اضطرابات اقتصادية.