برهنت التطورات التي شهدها العالم على وقع تأثيرات فيروس كورونا المستجد ” كوفيد -19 ” صواب النهج الذي تبنته دولة الإمارات في المجالات كافة وعلى رأسها القطاع اللوجيستي و نجاعة إجراءاتها وتدابيرها في هذا الشأن لتصبح النموذج الأمثل عالميا في مواجهة الجائحة.
فقد أدرك القائمون على القطاع اللوجستي و خدماته – منذ الوهلة الأولى – ضرورة تعزيز توظيف تقنيات الأتمتة الحديثة في مختلف أعمال التجارة و العمليات الإنتاجية والخدمات اللوجستية وأهمية انتهاج أساليب مبتكرة لمواءمة عمل وإنتاج المصانع وتلبية المتطلبات الملحة للدولة والمجتمع خلال و بعد انتهاء أزمة “كوفيد-19” وذلك استشرافا للمستقبل.
و رغم ما شهده العالم شرقه و غربه من إجراءات إحترازية وتدابير وقائية بمواجهة مرض فيروس كورونا المستجد ومن بينها تقييد حركة السفر وما تركه ذلك من تأثيرات على شتى القطاعات الحيوية وأبرزها القطاع الإقتصادي إلا أن هذا الوضع أفرز بالمقابل نواح إيجابية عدة .. و على سبيل المثال لا الحصر أدى زيادة الإلتزام بالبقاء أكبر فترة ممكنة بالمنازل في وقت من الأوقات إلى زيادة كبيرة في عمليات الشراء عن بعد و التي بدورها تحتاج إلى عمليات توصيل و مناولة و مساحات تخزين أكبر ما أدى إلى زيادة الطلب على الخدمات اللوجستية محليا و عالميا الأمر الذي أدى بدوره زيادة إلى الطلب على التجارة الإلكترونية والرقمية وفي الوقت نفسه حرك الطلب في مجال القطاع العقاري عبر شراء و استئجار المخازن الكبيرة و مساحات المناولة وهكذا وجد العالم نفسه وسط حلقة اقتصادية مزدهرة و جديدة لم يعتدها من قبل غير أنها أصبحت واقعا لابد منه.
و اتفق عدد كبير من الخبراء و الباحثين على أن من أبرز ايجابيات الجائحة نمو القطاع اللوجيستي على مستوى العالم وما يرتبط به من أنشطة و عمليات و الذي كان من أبرز المستفيدين من هذا الظرف الطارئ الذي يعيش العالم على وقع تأثيراته.
وفي هذا الصدد استشرف سعادة خلفان جمعة بلهول الرئيس التنفيذي لـمؤسسة دبي للمستقبل ما ينتظر القطاع اللوجستي في ظل الأوضاع الراهنة..
وقال : ” لا شك أن جائحة كورنا فرضت تغييرات على عمل جميع القطاعات و في مقدمتها القطاع اللوجستي و الشواهد على ذلك كثيرة .. و نتوقع أن يشهد مزيدا من التغيرات على المستوى العالمي خلال المرحلة القادمة خاصة مع توجه الدول و الشركات والأفراد إلى إعادة تقييم عنصرين حاسمين في النظام الاقتصادي هما سلاسل الإمداد وطلبات المستهلكين”.
و توقع أن يكتسب التصنيع المحلي أهمية متزايدة .. وأن تزداد أهمية الاعتماد على المصانع الأقرب إلى مراكز التوزيع الإقليمية أو الوطنية إلى جانب استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد بدلا من انشاء مصانع عالية التقنية وشحن المنتجات لمسافات طويلة وهذا ما سيسهم بفرض تغييرات كبيرة على القطاع الجمركي.
ونوه إلى أنه مع توجه العديد من حكومات العالم إلى تخفيض حجم التصدير خلال عمليات الإغلاق لضمان استمرار الإمدادات الضرورية المحلية ستصبح مرافق التخزين أكثر أهمية وستزداد الحاجة لمساحات التصنيع والتخزين المحلية.
و رأى الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل أن تجار التجزئة حول العالم و الذين لا يستخدمون المنصات الرقمية في عملياتهم معرضون لخطر الخروج من السوق بعدما فرضت جائحة كورونا قيودا على نشاط متاجر التجزئة التقليدية في مختلف أنحاء العالم ما دفع المستهلكين إلى التحول للتسوق عبر الإنترنت بشكل أكبر.. و أكد أن هذا بدوره سينعش مجال التجارة الإلكترونية بشكل كبير .. مشيرا على سبيل المثال إلى أن شركة /Merkle/ العالمية سجلت زيادة في استخدام القنوات الرقمية بأكثر من 10 بالمائة.
وتوقع أيضا أن يسهم تأثر العرض و الطلب بسبب عمليات الإغلاق الحالية حول العالم بزيادة التركيز على أتمتة الطلبات التجارية في المستقبل إضافة إلى تزايد انتشار التقنيات الحديثة مثل إنترنت الأشياء.
وأوضح بلهول أن شركة ” أمازون ” العالمية التي تعد رائدة الشركات العاملة في هذا القطاع على مستوى العالم وظفت أكثر من 100 ألف شخص العام الماضي لتلبية الزيادة في الطلب على خدماتها.. مؤكدا أن هذا الرقم دلالة واضحة على النمو المتسارع لقطاع التجارة الإلكترونية في العالم وهو أيضا ايجابية آخرى لا يمكن تجاهلها.
و على المستوى الخليجي قال :” قبل جائحة “كوفيد-19” كانت التوقعات تشير إلى أن سوق التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي سيسجل معدل نمو سنوي مركبا قدره 14 بالمائة حتى عام 2022 لكن تم تعديل هذه التوقعات لتصبح 20 بالمائة.. لافتا إلى أن بيانات شركة /Kearney/ العالمية تشير إلى تغير التقديرات للقيمة المتوقعة لقطاع التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي بحلول نهاية العام الماضي من نحو 21 مليار دولار إلى أكثر من 24 مليار دولار وأرجع السبب الأكبر في هذا الإرتفاع إلى التغيرات الملحوظة في سلوك المستهلكين.
و أشار الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل إلى أن قيمة سوق التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي ستصل إلى 50 مليار دولار بحلول 2050 رغم الظروف الراهنة .. و توقع أن تؤدي الظروف العالمية الحالية إلى دفع هذا القطاع إلى النمو بسرعة أكبر.. ونوه إلى أنه في إيطاليا وحدها ازدادت مبيعات تجارة التجزئة عبر الإنترنت بنسبة 90 بالمائة خلال شهري فبراير و مارس 2020.
وأضاف : ” في ظل الظروف التي يشهدها العالم من المتوقع أن يشهد قطاع التكنولوجيا المالية نموا متسارعا نتيجة لتزايد الإعتماد عليه كونه من أكثر القطاعات التي أثبتت نجاعتها في مواجهة الأزمة .. إذ تشير التوقعات العالمية إلى أن هذا القطاع سيخرج من تحديات المرحلة الحالية بحالة أقوى نتيجة تحول الناس إلى الإعتماد على الخدمات الرقمية على نطاق أوسع و نجاح تلك الخدمات في تجاوز آثار الأزمة بفضل كفاءتها وموثوقيتها و قدرتها الواضحة على التأثير بالمنظومة الاقتصادية العالمية”.
و قال الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل : ” سيؤدي توجه مزيد من الأشخاص نحو الإعتماد على التقنيات المالية بسبب التباعد الاجتماعي و اقتران ذلك بتحسن سهولة استخدام تطبيقاتها وزيادة أمانها وتسهيل حصول الأفراد على الخدمات التي يحتاجونها إلى حدوث نقلات نوعية و توفر خدمات أكثر ابتكارا في هذا المجال.
و بشأن توقعاته للقطاع اللوجيستي المحلي.. أكد الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل أن القطاع اللوجستي في الامارات زاد من الثقة الدولية بالمكانة الإقتصادية والاستثمارية الرائدة للدولة.
و قال إن القطاع اللوجستي المحلي مرشح لدور عالمي وتنتظره فرص نمو متميزة خاصة بعدما أظهر مرونة كبيرة في أداء وفعالية سلاسل الإمداد وحافظ على مستويات مرتفعة لمخزونات السلع الرئيسية في الدولة ما يؤكد أهمية الاستثمارات التقنية والاستراتيجية التي خصصتها الإمارات خلال السنوات الماضية لتطوير المرافق الحيوية بما فيها الموانئ والمرافئ والمطارات والمناطق الحرة ما مكنها بالتالي من مواصلة العمل بكفاءة عالية وبكامل طاقتها.
و شدد على أن الظروف التي يمر بها العالم أكدت قدرة الدولة الفائقة في التعامل معها و السير بالقطاع اللوجيستي إلى مستويات متقدمة بل و التفوق على كثير من دول العالم المتقدمة.
و بشأن أهم التحديات التي يواجهها القطاع اللوجستي العالمي.. قال الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل :” أصبحت دول و حكومات العالم أكثر إدراكا من ذي قبل لحجم التحديات التي ينطوي عليها الاعتماد على مصدر وحيد للواردات خاصة عندما يتعلق الأمر بالسلع الأساسية لأن الموانئ قد تتعرض للإغلاق وقد توقف الدول صادراتها أو ربما تتوقف مصانعها عن العمل ولذا فإنها تتوجه حاليا إلى تعزيز التصنيع المحلي حتى و إن كان أعلى تكلفة”.