بقلم مروة قعبور
رئيس التسويق والاتصال ، مجموعة المسعود
لم أزر هولندا من قبل، ونادراً ما أشتري أزهار الزينة. ومع ذلك، تلقيت بريدًا إلكترونيًا في أواخر أبريل 2020 من تاجر بالجملة لأزهار توليب في أمستردام يشرح لي كيف كانت شركته تتعامل مع أزمة انتشار وتفشي فيروس كوفيد-19.
الرسالة لم تعنيني ولم تقدم أي قيمة. إذن، ما هي القصة؟
نعم صحيح أن فيروس كوفيد-19 كان له تأثير غير مسبوق على جميع جوانب الحياة البشرية، حيث فقد حوالي المليون شخص حياته، وأصيب ملايين آخرون بالفيروس، وفقدت الوظائف، في حين دفع الإغلاق الناس والسكان إلى ملازمة منازلهم.
وفي أعقاب هذه الأزمة غير المتوقعة، سعت العديد من الشركات إلى طمأنة أكبر عدد ممكن من الناس بأن أعمالهم تحت السيطرة.
لكن التسويق التقليدي، مثل البريد الإلكتروني الذي تلقيته من مزارع التوليب في أمستردام، لن ينجح.
منذ عام 1999، أو على الأقل منذ شرح سيث جودين في كتابه “Permission Marketing”، فوائد الاحتفاظ بمعلومات التسويق الشخصية وفوائد إقامة علاقات قيمة مع العملاء، أدرك المسوقون أن الاتصال غير المباشر نادرًا ما يكون فعالًا، وأن العميل يجب أن يحدد هو دائماً اتجاه العلاقة بينه وبين العلامة التجارية.
وهناك في الواقع مخاطر مرتبطة بالاستراتيجيات التي يُنظر إليها وكأنها تفرض الأفكار على المستهلك.
إذن، ماذا يقول العملاء في عالم ما بعد كوفيد-19؟
لنعترف أن هذه الأزمة غيرت أولويات إنفاق المستهلك.
كان هناك ارتفاع في “عمليات شراء التأكيد”، حيث يريد الناس استعادة السيطرة على حياتهم، وشراء عنصر باهظ الثمن مثل فستان سهرة، الذي يمكن أن يكون بمثابة إعلان عن النوايا. الفرح يصبح أكثر قيمة في أوقات الأزمات، وهناك أيضًا اتجاه بين المستهلكين لشراء الأشياء التي ترتبط بشكل واضح بالمتعة، حيث يمكن أن يشمل ذلك منتجات متواضعة مثل قطعة الشوكولاتة.
وبينما ازداد التصفح والشراء عبر الإنترنت، فقد حدث ذلك لأشياء بسيطة مثل البقالة ومنتجات التجميل والرعاية الصحية. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالأشياء باهظة الثمن، كافحت العلامات التجارية لإتمام الصفقة، وأصبحت الجهود يائسة لإعادة التوجيه نحو الإعلانات، مع عدم رغبة المستهلكين في إعادة النظر في قراراتهم رغم استمرار الإعلان الترويجي بملاحقتهم عبر الإنترنت.
سرَّعت أزمة كوفيد -19 التحول نحو الاقتصاد الرقمي. وزادت المبيعات عبر الإنترنت، ونمت أهمية وسائل التواصل الاجتماعي. وفي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، قام 34٪ من مستخدمي تطبيق “الإنستغرام” بشراء منتج بناءً على توصية أحد المؤثرين.
ونحن نرى اليوم نمطًاً مشابهًا محليًا. ففي مؤسسة “المسعود Al Masood” ، عندما أطلقت العلامة التجارية للسيارات الفاخرة “إنفينيتي” أحد حلول المبيعات الافتراضية في أبو ظبي، كان لدينا عميل متحمس يقول نعم لسيارة من خلف شاشته المحمولة مقاس 5 بوصات بعد يوم واحد فقط من إطلاق المنصة.
كما ظهرت منصات خدمات جديدة، خاصة في مجال الصحة. توقعت شركة “ماكينزي ان كومباني” أن حجم قطاع الخدمات الصحية عن بعد سيصل قريبًا إلى ربع تريليون دولار في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. وفي الإمارات العربية المتحدة، كانت الحكومة متجاوبة بشكل مثير للإعجاب في إطلاق تطبيقات الأجهزة المحمولة لمساعدة الأشخاص على إجراء الاختبارات وتتبع نتائجهم.
أدت أزمة كوفيد-19 أيضًا إلى إضفاء الطابع المحلي على العالم، حيث تم تقييد السفر مع بعض عمليات الإغلاق التي فرضت على الناس ملازمة منازلهم، في حين كان المسافرون قبل الوباء متحمسين للقفز على متن طائرة والسفر لآلاف الأميال، أما بعد كوفيد-19، أصبح الناس أكثر اهتمامًا بمناطقهم المحلية.
في دراسة أجراها أوليفر وايمان بعنوان The Chinese Traveller Survey في شهر مارس 2020، طُرح على 77 شخصًا السؤال التالي: “ما هي وجهات رحلتك الأولى بعد تفشي كوفيد-19؟” وأجاب جميعهم بأسماء أكثر الأماكن السياحية في الصين مثل يونا وبكين، وشنغينغ، وشنغهاي وسيشوان. وبناءً على ذلك، كان على العلامات التجارية توجيه إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي نحو الأماكن المحلية، والتفاعل مع رغبة العملاء في المنتديات المجتمعية ومجموعات المساعدة المحلية.
وأفاد 55 ٪ من المستهلكين في استطلاع حديث، أنهم تحولوا إلى العلامات التجارية التي يثقون بها أثناء عمليات الإغلاق. ففي عالم غير مستقر تتضرر فيه الثقة العامة ويبدو المستقبل غير مؤكد، تكون الثقة أكثر قيمة. تدرك بعض العلامات التجارية أن الثقة تتحسن من خلال العمل الجيد وإخبار القصص الحقيقية التي تجمع العملاء.
إعلان Dove التجاري الذي شكر العاملين في مجال الرعاية الصحية على تضحياتهم أثناء الجائحة هو مثال على علامة تجارية خرجت عن الإطار التجاري المعتاد وتصرفت بمسؤولية. وسعت ماكدونالدز إلى الحصول على الأصالة أثناء وجودها في الفلبين، تخلت الشركة عن أي علامة على وجود خدعة، ووضعت رئيسها التنفيذي كينيث يانغ أمام الكاميرا مرتديًا زي أحد أفراد طاقم الموظفين، حيث تحدث بصوت واضح عن مخاوف العملاء من أن المطاعم ليست آمنة.
إذا كان بإمكاننا توقع اتجاه العام المقبل، فببساطة نستطيع إن نقول أن العملاء سيطلبون المزيد من الإلهام والصراحة من العلامات التجارية. ومع طرح اللقاحات، سيرغب الناس في العودة إلى حياتهم الطبيعية، وسيُطلب من العلامات التجارية توفير الحافز. لن يكون من السهل على الشركات إجراء انتقال حقيقي من طمأنة العملاء في عام 2020 إلى إلهامهم في عام 2021، ولكن بعد كل المتاعب التي حدثت على مدار الأشهر الماضية، قد نُسامح إن قلنا إن العام المقبل لا يمكن أن يكون أصعب من العام 2020.