مترجم بتصرف: مقال لـ آبي سام توماس
لقد لاحظت خلال مقابلتي مع السيد جون تسيوريس المؤسس والرئيس التنفيذي لـ InstaShop أنه لا يتحدث كثيراً، وأجوبته مختصرة وواضحة ومباشرة. قد نندهش عندما نعلم أن جون قد قاد منصته التي يقع مقرها في دبي والمخصصة للتجارة الإلكترونية المختصة ببضائع البقالة، والتي أسسها منذ خمس سنوات، لتباع لشركة “Delivery Hero” التي يقع مقرها في برلين والمختصة بالطلبات الإلكترونية للطعام والتوصيل، بمبلغ 360 مليون دولار امريكي في أغسطس الماضي. غير أنني أدركت أن تسيوريس، رائد الأعمال، لا يحبذ الكلام، لأنه يريد لعمله أن يتكلم بالنيابة عنه.
يقول تسيوريس:” أؤمن أن الكلام يكون أقوى من خلال الأفعال. علينا أن نركز في عملنا ونحقق النتائج المرجوة التي ستتحدث عن حجم نجاحاتنا. لا يهم ما الذي يخبرك الناس عنه، المهم ما الذي تنقله للعالم والمجتمع. نمتلك القيمة التي تجعل الإعلام يتحدث عنا.”
يضيف تسيوريس، اليوناني الجنسية، أنه كان يضطر للاتصال بالمتاجر ليطلب حاجياته من البقالة، ووجد هذه العملية غير فعالة وغير كفؤوة ومحبطة. عندها فكر بمشروعه المستقبلي: “أردت أن أطور تطبيقاً ذكياً وأنقل هذه التجربة إلى المستوى التالي.” إطلاق الشركة في مرحلتها الأولى كان بفريق عمل من 5 أفراد، حيث كان نموذج عمل InstaShop مباشراً وواضحاً. منصة إلكترونية تصل المستهلك بالبائع. وتسهل المنصة عملية الشراء وتجربة حصول العملاء على منتجات البقالة التي يريدونها، بينما تهتم المحال بالتوصيل والترتيبات اللوجستية. ولا يخفى جاذبية الشركة اليوم في ظل جائحة كورونا، التي جعلت من التجارة الإلكترونية مسألة لا غنى عنها لاستمرارية الحياة من حولنا.”
يستذكر تسيوريس كيف كانت مهمة إقناع المحال بالانضمام إلى المنصة أمراً غايةً في الصعوبة قبل خمس سنوات، حيث تطلبت الكثير من الجهد والملاحقة والتعب لإقناعهم بأن تجارة البقالة الإلكترونية ستضيف قيمة لهم وليست عملاً خيرياً أو شيئاً جميلاً الحصول عليه، بل نجحنا بإقناعهم بأن هذا المجال سيكون له تأثير كبير في المستقبل.
ولكن الجهد الكبير أثمر أخيراً الآن. وحسب الإحصاءات مع نهاية الربع الثاني من 2020، نجحت الشركة في توليد ما يقارب 300 مليون دولار أمريكي كقيمة لبضائع إجمالية، وأكثر من 500,000 مستخدم نشط في خمس بلدان في منطقة الشرق الأوسط. وقد جاءت هذه النتائج المبهرة بقيمة متواضعة فقط من الاستثمار الخارجي، حيث يقول تسيوريس أن الشركة جمعت تمويلاً بقيمة 7.5 مليون دولار أمريكي من VentureFriends التي يقع مقرها في أثينا و “مجموعة جبار للإنترنت” التي يقع مقرها في دبي خلال السنوات الخمس الماضية منذ تأسيسها.
يضيف تسيوريس: “قد يبدو المفهوم بسيطاً، ولكنه لن ينسينا كمية العمل المبذول فيه لجعل InstaShop سلساً وذكياً. ولعل ذلك أحد أسباب استمرار وجود الشركة في سوق العمل رغم الارتفاع في مستوى التنافسية من لاعبين كبار وصغار في هذا المجال”. يقول تسيوريس:” بينما نجد العديد من اللاعبين في مجالنا بشكل عام، إلا أن التنافس صحي وجيد. ونتوقع ان المتنافسين سيكتشفون كمية العمل المطلوب للاستمرار، وسيدركون أنه عمل كبير وشاق مما قد يدفعهم للعودة مجدداً للتركيز على نشاطاتهم الرئيسية. هذا المجال ليس للكل، حيث إن هناك ديناميكيات مختلفة تجعل الشركة قادرة على النمو في مجال سوق البقالة الإلكتروني.”
وجاء استحواذ Delivery Hero على InstaShop ليؤكد تحليل تسيوريس، حيث يقول نيكلاس أوستبيرغ، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لـ Delivery Hero: ” نجحت InstShop باعتبارها أحد اللاعبين الرواد في قطاع البقالة، في بناء سمعة مبنية على محبة العملاء، حيث ان خبرتهم ستكون عاملاً مميزاً يضاف إلى توسعنا التجاري السريع. معاً، سنستمر بالاستثمار في مستقبل التوصيل عبر رفع معايير السرعة والراحة.” وحسب الاتفاق بينهما، ستستمر InstaShop بالعمل كعلامة مستقلة تحت مظلة Delivery Hero، حيث ستركز فوراً على تحفيز النمو ضمن نطاقات جغرافية حالية، بالإضافة إلى الاستفادة من فرص للتوسع على المستوى العالمي. ولذلك فإن صفقة الاستحواذ تبدو إنجازاً لـ تسيوريس وفريق عمله رغم أن هدفه النهائي الذي رسمه للشركة لم يكن أبداً بيع الشركة، بل العمل المستقل. يضيف هنا قائلاً:” لقد تصادفت وتلاقت مسيرتنا مع Delivery Hero، فهم نشطون جداً في المنطقة، ونتشارك معهم الثقافة وطريقة العمل والقيم. وهم أيضاً مؤسسة شغوفة بالنمو، وملتزمة دعم رواد الأعمال الشباب وتحب الاستقلال. وقد أتاحوا لنا الاستقلالية في إدارة شركتنا وهو أمر بغاية الأهمية بالنسبة لنا وأحد مزايا شراكتنا معهم.”
يثق تسيوريس بأن Delivery Hero ستكون محفزاً وداعماً لنمو InstaShop، وهو واثق أن ما تقدمه شركته صالح للاستخدام في أسواق جديدة أيضاً في الشرق الأوسط والعالم (تعمل الشركة حالياً في الإمارات وقطر والبحرين ومصر ولبنان). وجاء أداء الشركة خلال فترة جائحة كورونا كمؤشر على قوة الشركة التي كانت مستعدة لمواجهة الطلب المتزايد رغم تحديات تلك الفترة. يضيف تسيوريس:” لدينا شبكة قوية من الشركاء، ولدينا تقنيات ملائمة لإدارة التحديات من الناحية التشغيلية مما سمح لنا بتوفير خدمة يمكن الاعتماد عليها حتى مع ارتفاع الطلب وفي ظل التحديات.”
يقول تسيوريس:” فريقنا شاب، ويحب المغامرات، وكلما وضعتهم تحت ضغوطات، ازداد حماسهم للعمل. وفي الحقيقة فإن الجائحة أعطتنا رسالة ووفرت لنا هدفاً حقيقاً. فالعديد من عملائنا فجأة اعتمدوا علينا بكثافة لتلبية متطلباتهم من إمدادات البقالة، وآخرون شعروا بالقلق ولم يرغبوا بمغادرة منازلهم، ولجؤوا لخدماتنا. وقد أدركنا أن لدينا دوراً جدياً في تلبية متطلبات العملاء قدر الإمكان. وقد دفعنا ذلك للعمل بجد.”
ومن وجهة نظر شخصية، يتحمس تسيوريس لتطوير نفسه كرائد أعمال. فمنذ خمس سنوات، كانت تملؤه رغبة ببدء مشروع شخصي والنجاح فيه، والآن، هو أكثر تحمساً لتنمية ما بناه خلال الفترة الماضية، وتعلم دروس جديدة. يقول تسيوريس:” كل فرد ينظر لي كرائد أعمال ناجح، ولكن الواقع أنه هناك مزيد من الدروس التي يتوجب عليّ تعلمها لأصبح رائد أعمال عالمي ناجح.”