مترجم بتصرف: مقال لـ مراد إرسان
إعادة البيع هو مستقبل قطاع التجزئة. محال تجزئة عريقة مثل “وولمارت” و”جاب” و”مايسيس” هي أسماء كبيرة جديدة تنضم إلى لعبة إعادة البيع، بالشراكة مع مشاريع ناشئة مثل “Thredup” لاستقطاب جيل من المستهلكين المهتمين بالأسعار والاستدامة.
وبحسب دراسة بحثية أجرتها “GlobalData”، نما قطاع إعادة البيع في العام 2019 أسرع من قطاع التجزئة الواسع بحوالي 25 مرة، مع توقعات بأن يتضاعف نموه خمس مرات خلال السنوات الخمس القادمة. وفي العام 2018، قدرت القيمة الإجمالية لسوق إعادة البيع في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 50-70 مليار دولار أمريكي، مع استحواذ الملابس المستعملة على حوالي النصف منها. ويتوقع أن ينمو هذا الرقم إلى 250 مليار دولار أمريكي خلال السنوات الخمس القادمة.
وفي المنطقة، فإن إعادة البيع بين المستهلكين تنمو شعبيتها. وبينما تحافظ كل من المتاجر القائمة والإعلانات المبوبة ومواقع العرض مثل “دوبيزيل”و”فيسبوك” على حضورها كركائز للتجارة المستعملة، إلا أنه ظهرت نماذج أعمال جديدة لإعادة البيع لخدمة احتياجات “جيل زد” (مواليد 1990-2010) وجيل الألفية، مثل المشاريع الناشئة المحلية “Mellto” و “The Luxury Closet”.
وبينما تعتبر “The Luxury Closet” متجر بيع بضائع مستعملة” تركز على الكماليات الفخمة، تعتبر “Melltoo” سوقاً كبيرة لبيع وشراء الأجهزة والبضائع المستعملة لتسهيل المعاملات بين الأفراد، ولا تتعامل مباشرة مع المنتجات. وتستعد الشركات الناشئة في مجال بيع البضائع المستعملة لنموٍ مع اعتماد المزيد من المستهلكين على إعادة البيع كجزء من حياتهم اليومية. وسجلت “Melltoo” نمواً بـ 60% في المبيعات خلال الربع الثاني من 2020 مقارنة بالربع الذي سبقه، في حين ضاعفت تقريباً إيراداتها مقارنة بالعام الماضي.
تغير عادات المستهلك
تقول سما عفاش، مصرفية محلية تقيم في أبوظبي، وتعتبر بائع متحمسة على ميلتو:” أشعر بالملل بسرعة من ملابسي ومعظم ملابسي ارتديتها مرات قليلة. وهي مازالت جديدة، فلماذا أرميها؟” وبدأت عفاش البيع على ميلتو في صيف 2019، حيث طرأت عليها ظروف معينة احتاجت بسببها لنقود. تقول عفاش:” احتجت إلى المال فقررت بيع بعض حاجاتي على ميلتو. قمت ببيع ملابس، وأثاث منزلي وحتى ميكرويف معطل. وفي الحقيقة لم أتوقع إيجاد مشترين، ولكنني وجدت، فقررت الاستمرار.”
ومع الوقت، باعت عفاش أكثر من 900 منتجاً على المنصة، تنوعت ما بين منتجات مستعملة أو أخرى اشترتها لإعادة بيعها. تمثل عفاش جيل الألفية وجيل “زد” الذي يهتم بالاستدامة ويشعر بالفخر عند شراء منتجات مستعملة. وذكر 30% من جيل الألفية و40% من جيل “زد” في العام 2019 أنهم اشتروا بضائع مستعملة.
الاستدامة تحتل صدارة الاهتمامات، حيث ذكر 43% من المستهلكين أنهم سينفقون أكثر على العلامات المستدامة خلال السنوات الخمس القادمة. وقد أدت أزمة جائحة كورونا إلى إعادة توجيه التركيز على الحاجة إلى الممارسات المستدامة على خلفية التغير المناخي، مع اعتبار كوفيد-19 كأحد أقوى الكوارث الطبيعية التي شهدناها خلال الأوقات الماضية.
لا تعد هواية، إعادة البيع بات شريان حياة
حولت أزمة جائحة كورونا إعادة البيع من هواية إلى شريان حياة. وبينما يبيع الناس حاجاتهم لأسباب مختلفة، مثل حماية البيئة او حتى تفريغ خزاناتهم، إلا أن المال يبقى الدافع الأساسي.
سميرة حسين، طالبة ولدت وترعرت في عجمان، كانت تعتني بوالدتها المريضة خلال السنوات الماضية، قبل أن توافيها المنية العام الماضي، مما ترك فراغاً في حياة سميرة وجدت صعوبة في ملئه. وقام شقيقها بتعريفها على ميلتو. تقول سميرة:” لأنني طالبة وبسبب وضع عائلتي، لم تتح لي الفرصة لإيجاد عمل خارج المنزل. ونجد أنفسنا اليوم في ظروف صعبة مع فيروس كوفيد-19 الذي أثر على الاقتصاد. إنني سعيدة مع ميلتو، حيث يمكنني الجلوس في المنزل واكتساب المال. إنني فخورة بنفسي لأنني أصبحت مستقلة.”
وبين بيع حاجاتها الشخصية أو بضائع جديدة عهد إليها ببيعها، نجحت سميرة في الحصول على دخل جيد ومتواضع من البيع الإلكتروني عبر ميلتو. وهي ليست لوحدها، فهناك إثنان من بين ثلاثة أشخاص شاركوا باستبيان “GlobalData” في 2019، ذكروا أنهم منفتحون على بيع متعلقاتهم إلكترونياً لاكتساب المال. وقد ساهمت جائحة كورونا في تسريع هذه التوجه حيث يمضي الناس مزيداً من وقتهم في منازلهم، وقلقون على دخلهم ويتطلعون إلى تقليل حاجاتهم ومتعلقاتهم المنزلية.
الجانب الإيجابي هو إعادة البيع. ومع تقلص الميزانيات ووضع المستهلك لأولوياته فيما يتعلق بالقيمة والتسوق الإلكتروني خلال الأشهر االإثنا عشر المقبلين، توفر سوق بيع البضائع المستعملة للمستهلك الثقة للشراء مع علمهم بقدرتهم على إعادة البيع.
المستهلك مستعد للإنفاق إذا عرف أنه قادر على إعاد البيع
أماليا من الفلبين، كانت ممرضة لأكثر من 10 سنوات في الإمارات وتقيم حالياً في أبوظبي. وقد توقفت عن العمل بسبب طلب زوجها. ولكونها كانت مستقلة مالياً في معظم حياتها السابقة، أرادت الاستمرار في الإنفاق كما اعتادت. فقررت شراء منتجات إذا ما استطاعت بيع منتجٍ تملكه. بدأت بالبيع على فيسبوك في 2013 وعندا إطلاق ميلتو، بدأت بالبيع على منصتها أيضاً.
تقول أماليا:” لا أريد أن أمارس عاداتي الشرائية إذا لم أكن قادرة على إعادة بعض المال من بيع المنتج بعد استعماله. ولذلك فميلتو قادر على المساعدة، حيث استطعت أن أبني لنفسي قاعدة عملاء قوية لأنني اهتم بمتعلقاتي التي أريد إعادة بيعها، وأضمن وصول كل ما أقوم ببيعه للعميل بحال ممتازة.”
ولا يخفى على أحد إن قيمة إعادة البيع كان تقليدياً عاملاً هاماً في شراء السيارات والمنازل، وقيمة إعادة البيع أيضاً عامل مهم عند شراء بضائع استهلاكية. وبحسب استبيان أجراه Statista.com في العام 2018، فإن 57% من جيل “زد” و50% من جيل الألفية ينظرون إلى قيمة إعادة بيع المنتج عند شراء الكماليات. وقد ساهم نمو منصات إعادة البيع عالمياً في تعزيز هذه التوجه.
وكان مفهوم إعادة البيع يتضمن إعلانات مبوبة، واجتماعات مع العديد من الغرباء ووقتاً ضائعاً. وحولت إعادة البيع الإلكترونية مفهوم إعادة البيع إلى نشاط تمارسه من منزلك. وتستذكر سما عفاش من أبوظبي:” إنني مشغولة جداً وهناك العديد من الأشخاص يتصلون بي عبر الهاتف. أنا أبيع فقط على ميلتو لأن البيع يتضمن التوصيل. ليس لدي وقت للاجتماع مع المشترين.”
وبعد أن أصبح إعادة البيع سهلاً، استغل العديد هذه الفرصة لاستخدام منصات إعادة البيع لإطلاق شركات صغيرة.
إعادة البيع وظهور ريادة الأعمال الإلكترونية
خلال رحلة إلى وطنها الأردن في 2016، اشترت ديما أحمد بعض منتجات التجميل كهدايا إلا أنها لم تقم بإعطائهم لأحد. ولم يبدو الأمر منطقياً لها بالاحتفاظ بهم، فبدأت بالبحث عن منصات لبيعها. وقامت ببيع منتجات التجميل عبر ميلتو بخمس أضعاف ثمنها الأصلي. وقالت ديما:” توقفت عن العمل للاعتناء بأطفالي، حيث دخل اثنان منهما الجامعة. وللوهلة الأولى، بدأت البيع من أجل المتعة والحصول على دخل إضافي. ومع الوقت، تحولت الهواية إلى مشروع تجاري. إنني استمتع بالبحث عن منتجات مميزة بأسعار جيدة يمكنني إعادة بيعها. ومنذ بدء تجربتي مع ميلتو، افتتحت حساباً على الإنستغرام حتى أن ابنتي استلهمت مني وفتحت شركتها الخاصة.”
وبناءً على تقرير من ماكينزي، ارتفعت حصة التجارة الإلكترونية في المنطقة من 5% إلى 8% من إجمالي تجارة التجزئة في الربع الثاني من 2020، وهو نمو كان متوقعاً أن يحصل في سنوات ولكنه حصل بثلاثة أشهر فقط. وقد برز مفهوم رواد الأعمال الصغار الذين استفادوا من الفرصة للبيع الإلكتروني. تضيف سما عفاش:” إنني أفكر بالتوسع خارج ميلتو، وأن أبدأ مشروعي الخاص. إنني حالياً أتعلم عن بيع منتجات الغير بالعمولة وأقوم بتصميم موقعي الخاص.” إعادة البيع الإلكتروني أصبح منصة انطلاق للعديد من المستهلكين الذين أصبحوا وراد أعمال ووجدوا طرقاً جديدة لاكتساب المالي في هذه الأوضاع الجديدة.
فرصة أو (تهديد؟) لقطاع التجزئة.
ويحاول بائعو التجزئة اللحاق بالمستهلكين الذين يقودون تجارة إعادة البيع. وفي السنوات الماضية، كان هناك العديد من المشاكل بين العلامات التجارية الفاخرة ومواقع إعادة البيع، حيث كانت هناك قضية رفعتها شركة شانيل ضد “ذاريل ريل” وهو موقع بيع كماليات مستعملة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قالت العلامة التجارية ان العديد من بضائع شانيل التقليدية تباع عبر الموقع على أنها بضائع أصلية.
ويشير العديد من المراقبين إلى أن العلامات التجارية مرتبكة من قيام مواقع إعادة البيع ببيع منتجاتها من دون أي استفادة مباشرة من عملية إعادة البيع. ولذلك لجأ العديد من التجار إلى الشراكة مع شركات ناشئة لإطلاق قنواتهم الخاصة لإعادة البيع. وفي فبراير، تشاركت “جاب” مع شركة إعادة بيع الأزياء “Thredup” لإطلاق برنامج “إعادة شراء”، حيث يقوم المستهلكون ببيع ملابس جاب القديمة ويحصلون على قيمتها كرصيد للشراء في متاجر “جاب”.
وبينما تنمو المخاوف من تأثير ذلك على مبيعات الملابس الجديدة، إلا أن المسؤولين في “جاب” يؤمنون بوجود جانب إيجابي للشركة، حيث أن المستهلكين العائدين لشراء منتجات برصيدهم سيزيدون الإقبال على متاجرهم. كما أن “جاب” تعتبر نفسها “مستدامة” وتلقى إقبالاً من قبل جيل “زد”.
ويمكننا بسهولة توقع أن تجار التجزئة الإقليميين سيقفزون للاستفادة من هذه الفرصة. وهناك بعضهم ممن بحث نسج شراكات لبيع المخزون المكدّس من بضائعهم عبر منصات مثل ميلتو. والخطوة التالية هي إشراك المستهلك في برامج الشراء وإعادة البيع. خطوة كبيرة تنتظر قطاع التجزئة في المستقبل.