علماء من كاوست يطورون برنامجًا يعتمد على “التعلم العميق“ قد ييسر ابتكار العقاقير
طوّر علماء في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) أداة حاسوبية جديدة تستخدِم الذكاء الاصطناعي للاستدلال على خصائص البروتينات من حيث ارتباطها بالحمض النووي الريبي RNA.
وجدير بالذكر فان البروتينات تعد من المكونات الاساسية للمادة الحية وتشكل أعلى نسبة من مكونات الخلية بعد الماء حيث تصل نسبتها حتى ١٥ %في الخلايا الحية. والبروتينات هي المسؤولة عن البنية المميزة لكل خلية وعن جميع الوظائف الحيوية للخلية ونشاطها. أما الحمض النووي الريبي فهو أحد الأحماض النووية التي تتكون منها الكروموسومات، والتي تنقل الصفات الوراثية من جيل لآخر.
ويتفوّق البرنامج المطور من قبل علماء كاوست والذي يحمل اسم NucleicNet على غيره من النماذج التي تنتمي للنوع نفسه، لكونه يقدم فهمًا بيولوجيًا إضافيًا أعمق من شأنه أن يساعد على تصميم الأدوية وتطويرها.
وبحسب جوردي هومينج لام، الباحث المشارك السابق في كاوست، والمؤلف المشارك الأول للدراسة الحالية فان الارتباط بالحمض النووي الريبي يُعد سمة أساسية لعديدٍ من البروتينات، ويضيف: “بمقدور إطارنا الحاسوبي الجديد القائم على البناء التركيبي أن يكشف خصائص ارتباط الحمض النووي الريبي لدى هذه البروتينات، وهو أمر له أهميته في توصيف طبيعة عديد من الأمراض”.
هذا وتتفاعل البروتينات في المعتاد مع جزيئات الحمض النووي الريبي كوسيلة للتحكم في عمليتين، هما: معالجة نُسَخ الجينات ونقلها، وأي انحراف في هذه التفاعلات، يعطّل تدفق المعلومات داخل الخلية، مما يهدّد بحدوث اضطرابات؛ مثل مرض السرطان وبعض أمراض تنكس الأعصاب.
ولمعرفة أجزاء الحمض النووي الريبي التي تميل إلى الارتباط مع البروتين على نقاط مختلفة منه، استعان لام وزملاؤه بتقنية “التعلّم العميق” وتمكَّن مع طالب الدكتوراة يو لي، من خلال عملهما في معمل الدكتور أكسين غاو، أستاذ علوم الحاسب الآلي المشارك، وذلك بمركز أبحاث العلوم البيولوجية الحاسوبية في كاوست، من تعليم وتدريب برنامج NucleicNet كيفية التعرُّف تلقائيًا على السمات التركيبية التي تميز التفاعلات بين البروتينات والحمض النووي الريبي. ومفهوم “التعلم العميق” كأحد فروع علم تعلم الآلة (machine learning)،يعني ببساطة الطريقة التي يتمكن بها الكومبيوتر من “تعلم” محاكاة طريقة تفكير البشر المستندة على التدريب واكتساب الخبرة. ورغم ان هذه التقنية لا تزال في مراحلها الاولى، الا ان أنظمة “التعلم العميق” أصبحت لها تطبيقات على ارض الواقع ، مثل أنظمة توجيه السيارات ذاتية القيادة وتشخيص الأمراض والحصول على عقاقير جديدة وتحليل أنماط ارتكاب الجرائم والكشف عن المخدرات و البصمة الوراثية وغيرها.
قام الباحثان بتدريب خوارزمية الذكاء الاصطناعي باستخدام بيانات تركيبية ثلاثية الأبعاد مأخوذة من ١٥٨ مركبًا من المركبات المختلفة الناتجة عن الارتباط بين البروتينات والحمض النووي الريبي، والمتاحة على قواعد البيانات العامة وبمقارنة برنامج NucleicNet الجديدة بالنماذج التنبؤية الأخرى -التي تعتمد جميعها على مُدخلات سَلْسَلة الحمض النووي، لا على معلومات تركيبية– بيَّن فريق كاوست، أن البرنامج يمكنه رصد المواقع المرتبطة بجزيئات الحمض النووي الريبي على سطح البروتين بدقة عالية.
إضافة إلى ذلك، يمكن للأداة الجديدة، على خلاف أي نموذج آخر، أن تتوقع أي الجوانب من جزيء الحمض النووي الريبي هي التي ترتبط بالبروتين.
تمكّن لام ولي وجاو، بالتعاون مع الباحثين في الصين والولايات المتحدة، من التحقق من صحة برنامجهم عن طريق مجموعة متنوعة من البروتينات المرتبطة بالحمض النووي الريبي، بما في ذلك البروتينات المسببة لمرض سرطان اللثة، والتصلب الجانبي الضموري، لإثبات أن التفاعلات التي استنتجها برنامج NucleicNet تطابقت بشكل كبير مع تلك التي كشفت عنها التقنيات التجريبية.
يقول لام: “إن السمات القائمة على البنية التركيبية لم تكن تحظى سوى باهتمام ضئيل من قبل الأطر الحاسوبية الأخرى. لقد نجحنا في ترويض قدرات (التعلم العميق) لكي نستدل على تلك التفاعلات الخفية”