بقلم:ماثيو توماس نائب الرئيس والمدير العام لشركة HP Inc. الشرق الأوسط وشرق أفريقيا وتركيا
لقد شكّل انتشار فيروس “كورونا” المستجد (كوفيد-19) جرس إنذار محدود للمصنعين والمستهلكين على حد سواء لهشاشة البنية التحتية والحافز للتغيير. وشهدت سلسلة التوريد العالمية تقلبات على نحو غير مسبوق من قبل. وسرعان ما أدركنا عواقب عدم الوصول إلى العناصر اليومية، فضلاً عن التحديات التي تواجهها المستشفيات نتيجة نقص الموارد الجوهرية المتعلقة بالحياة أو الموت.
وفي خضم ذلك كله، فقد أثبتت الطباعة ثلاثية الأبعاد أنها جزء من الحل في كل دولة تقريباً.
ودفعت هذه الأزمة بالطباعة ثلاثية الأبعاد في حياة أعداد كبيرة من البشر لأول مرة. وبالنسبة للكثيرين، فإن معرفتهم بهذه التكنولوجيا لا تتجاوز سوى معدات الحماية الشخصية (PPE) أو أجهزة الفحص، مثل واقي الوجه أو القناع أو مسحة الأنف، وبما يساعدهم على الحافز على سلامتهم. فهي تجربة إنسانية عميقة.
وبعيداً عن هذا الوباء، فإن الطابع العملي وفائق التميز لتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد سوف يجعلها تشهد في الوقت الحالي انتشاراً واسع النطاق على امتداد الصناعات التي تستشرف المستقبل، وستكون جزءاً أصيلاً في حياة المستهلك بأربع طرق حاسمة. فسوف تشهد سلاسل التوريد تحولاً جذرياً، ويتم تسريع الإبداع والتصميم، وسوف تتم إعادة هيكلة منظومة الأعمال برمتها، وسوف تتقدم منظومة القيم. وستختار الشركات والصناعات إما الاستفادة من هذه الاحتمالات أو تجاوزها كما يفعل الآخرون.
سلاسل التوريد والجاهزية للأزمات
وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة Dun & Bradstreet في فبراير الماضي، فإن أكثر من 51 ألف شركة لديها مورد رئيسي واحد على الأقل في المقاطعات الصينية الأكثر تأثراً بانتشار فيروس “كورونا”. لكن مستوى الاضطراب في سلاسل التوريد يتجاوز ذلك بكثير. ففي أوروبا، أشارت التقارير إلى أن الشاحنات كانت ترسو على بُعد 40 ميلاً داخل حدود مغلقة، وهي مجرد لمحة سريعة للتحديات التي واجهتها العديد من البلدان جراء انتشار الوباء. وفي الواقع، كشفت دراسة حول تأثر سلسلة التوريد في جميع أنحاء منطقة اليورو عن أن المعادن الأساسية والمعادن المصنعة والمطاط والبلاستيك قد تأثرت بنسبة 2-4 في المئة بسبب الانتشار واسع النطاق لفيروس “كوفيد 19” في كلٍ من الصين وإيطاليا على وجه الخصوص.
وفي الوقت الذي تبدو هذه التقلبات محدودة، فإن تداعياتها واسع النطاق. فالواقع يؤكد التأثير الذي طال كل منطقة وسلسلة التوريد العالمية الأكبر يعني أنه يجب إعادة تصميم حلول منجزة. مع تحرك الشركات لتبني أنظمة جديدة، فإنها لا تنظر إلى عامل الكفاءة وحده، بل تركز على عامل التخفيف من المخاطر أيضاً. فالحقائق التي تؤثر على كل منطقة وسلسلة التوريد العالمية الأكبر تعني أنه يجب إعادة تصميم الحلول.
ويصبح الإنتاج المحلي عند زيادته بالقدرات الرقمية السريعة ميزة لمواجهة التقلبات الاقتصادية أو الجيوسياسية أو أزمة الرعاية الصحية للشركات والمستهلكين. وتشكّل الطباعة ثلاثية الأبعاد درعاً لمواجهة حالة الاضطراب، سواء كان ذلك من خلال توفير جزء مهم لجهاز التنفس الصناعي الذي قد يتعرض لمشكلة التعطل أثناء النقل، أو التأكيد على أن عدم في الاستقرار في حركة التجارة لن يؤثر على إمكانية الوصول.
ابتكار يعيد صياغة القدرات ويرسي حلولاً جديدة
لا يمكن تجاهل أهمية قدرات الوصول والجاهزية فيما يتعلق بمستقبل التصنيع. فجميع الأحاديث حول الطباعة ثلاثية الأبعاد خلال فترة تفشي “كوفيد -19” تكاد لا تخلو من الانطباعات نفسها، وهي: “لقد قمنا بذلك في غضون أيام، وليس أسابيع أو شهور.” فالشركات تسعى إلى تسخير قدرات السرعة والرشاقة هذه مجدّداً، من خلال تبني حلول جديدة أو بإعادة تشكيل الحلول الموجودة. والأمر الذي يزداد تسليط الضوء عليه أيضاً هو قدرة الشركات المبتكرة على التخلص من العلامات التجارية القديمة القائمة ذات التكنولوجيا المتدرجة. فعلى سبيل المثال شركة SmileDirectClub، التي تعد معقل أحد أكبر أسطول الطابعات ثلاثية الأبعاد في أمريكا الشمالية، قد نجحت في إحداث نقلة نوعية هائلة في صناعة تقويم الأسنان البالغة قيمتها 12 مليار دولار أمريكي، وذلك بفضل استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لصنع تركيبات تناسب كل فردٍ على حدا وقابلية هذه التكنولوجيا للاستخدام على نطاق واسع في عمليات محاذاة الأسنان. كما تجلّى هذا التوجّه مجدداً عندما أعلنت الشركة أنها سلمت درع الوجه رقم 35000 للعمال الأساسيين، في غضون أسابيع من تحويل إنتاجها إلى معدات الوقاية الشخصية.
ويتعين على الشركات نقل الأفكار من خلال عملية التكرار لتصبح قابلة للتطبيق بسرعة، قبل أن تفعل ذلك نظيراتها. يأتي ذلك في الوقت الذي تزداد توقعات المستهلكين للحصول على منتجات وحلول أكثر ملاءمة لاحتياجاتهم الشخصية. وبدءاً من عمليات محاذاة الأسنان، إلى السيارات، إلى الملابس الرياضية المتطورة، فإن توجّهات واحتياجات العملاء هي الموجّه لهذه التقنيات، مما يتطلب إيجاد حلول مبتكرة تواكب ذلك. بينما تهدف الاقتصادات إلى توطيد أقدامها مجدّداً، سيكون المستهلكون أكثر حكمة في أوجه إنفاق أموالهم. وسوف يشكّل كلٌ من السرعة والتخصيص أكثر العوامل تأثيراً في الولاء للعلامات التجارية.
منظومة من أجل التعاون القائم على القيمة
لقد أتاحت أزمة انتشار فيروس “كوفيد-19” أيضاً سبلًا جديدة للتعاون. وعندما تنتهي هذه الأزمة، سوف تحتاج الشركات إلى إعادة التفكير في طرق تعزز تنافسيتها في الظروف الطبيعية. وفي عام 2015، أشارت دراسة لمجموعة “بوسطن” الاستشارية إلى النسبة المئوية بالنسبة للشركات المصنفة على أنها “مبتكرة قوية”، لتبني الأفكار الناشئة من شراكات مع أطراف أخرى، حيث تبيّن أن 65% من الشركات قامت بذلك. وفي عام 2018، أوضحت دراسة “بوسطن” أن العدد قد زاد، لتصل النسبة إلى 83% من هذه الشركات المبتكرة القوية كانت تتعاون خارج نطاق النشاط المعتاد، وغالباً مع صناعات متعددة.
وقد سمعت أخيراً قصصاً مشجعة من العديد من الشركات التي تستخدم الطابعات ثلاثية الأبعاد من HP حول التعاون في مجال الأعمال عبر القطاعات وعبر الحدود، وحتى المنافسين الذين يجتمعون معاً من أجل مشاركة الأفكار والاستفادة من تصاميم بعضهم البعض وخلق قيمة جديدة للعملاء، بل ولأنفسهم. والتصنيع الرقمي تأسس على عقلية العمل ضمن منظومة واحدة، وأصبح التعاون القيم الآن، أكثر من أي وقت مضى، أمراً حتمياً لتحقيق النجاح.
دمج الاستدامة
لقد أرسلت هذه الأزمة رسالة تذكير قوية بشأن الضغوط التي تتعرض لها بيئتنا. ويوضح أكثر من نصف المستهلكين أن تجاربهم خلال انتشار “كوفيد-19” ستجعل شراء منتجات صديقة للبيئة أكثر احتمالية، في الوقت الذي يشير 78% إلى أن الشركات بوسعها القيام بالمزيد لمساعدتهم على اتخاذ قرارات تحسن النتائج البيئية. وذلك يرسخ في الذهن أهمية أن نحظى بالماء النظيف والهواء الأكثر نقاءً في مقدمة الأولويات، ومن هذا المنطلق توفر الطباعة ثلاثية الأبعاد حلاً قابلاً للقياس. ومن بين فوائدها العديدة أنه من خلال تنفيذ التصنيع الموزّع يمكن تقليل حمولات البضائع وانخفاض الانبعاثات الناجمة عن عمليات الشحن. وفي الوقت نفسه، سوف تقل النفايات البلاستيكية التي تنتجها الشركات مقارنة بأي وقت مضى، بفضل الطرق المضافة بدلاً من الحذف. ولهذا السبب ركزت HP على توفير البولي بروبيلين ثلاثي الأبعاد الأول من نوعه المتاح للاستخدام على نطاق واسع، وإعادة استخدام 100% من مسحوق الفائض. فالإنتاج الأكثر كفاءة واستدامة هو الأوفر حظاً بالنسبة للشركات التي ترغب في المنافسة في المستقبل.
ينبع الابتكار من الظروف الأشد قسوة. وقد ساعدت الطباعة ثلاثية الأبعاد الشركات الأفضل أداءً خلال هذا الوباء، وحظيت بمكانة جديدة في أذهان المستهلكين والمبدعين نتيجة لذلك. وبالنسبة للشركات التي تهدف إلى تعزيز المرونة على المدى الطويل، فإن الطباعة ثلاثية الأبعاد ليست مجرد لحظة بل هي وقود التغيير.