في الذكرى السنوية الثالثة لإطلاق دبي للمشاريع الناشئة، أريد مشاركتكم بعض الدروس التي تعلمتها من خلال مشاركتي في إطلاق هذه المبادرة الهامة لريادة الأعمال في الشرق الأوسط.
مترجم بتصرف: مقال لـ ناتاليا شيفا
منذ ثلاث سنوات، ولدت دبي للمشاريع الناشئة، مبادرة غرفة تجارة وصناعة دبي المخصصة لدعم ريادة الأعمال، وهنا أحببت أن أشارككم خبرتي من كوني جزءاً من هذه المبادرة، ونظرتي الشخصية لماذا كان مقدراً لها أن تصبح إحدى أنجح البيئات الداعمة لريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط.
كان قراري في ذلك الوقت بترك منصبي في شركة دولية ديناميكية وواعدة والانضمام إلى القطاع العام “خطوة مثيرة للاهتمام” كما وصفها البعض، في حين وصفها آخرون ” بالفرصة لضبط سرعة التقدم تمهيداً للعودة مجدداً للطريق”.
ولكن لدي جوابي الخاص على سؤال لماذا انتقلت للقطاع العام، وهو ببساطة لأنني أردت عيش وتجربة رحلة جديدة مع غرفة دبي مع إدارة ريادة الأعمال التي لم تكن موجودة آنذاك والتي كنت سأساهم في إنشائها وتطويرها.
الرحلة بدأت بشيء شبيه بما يفعله المستشارون السابقون، وهو عرض تعريفي يحدد الاتجاه المدروس بدقة لواحدة من أعرق وأقدم المؤسسات العاملة في دبي، والتي تهدف لتحفيز التغيير الإيجابي في دورها ودور إمارة دبي عبر اعتماد مفاهيم التكنولوجيا والابتكار وريادة الأعمال.
وهنا أشارككم هذه المقتطفات من هذه الرحلة.
البدء بلماذا
أن تطلق على نفسك لقب المؤسس أو الرئيس التنفيذي لشركة أو حتى رائد أعمال لم يكن أكثر سهولة وشهرة مما عليه الآن، وذلك بفضل سهولة تأسيس الأعمال اليوم والهالة التي تبنيها لصورتك بفضل وجود وسائل التواصل الاجتماعي (بالتأكيد أن تطلق على نفسك اسم رائد أعمال فهذا سهل جداً، أما أن تكون رائد اعمال فذلك صعب جداً).
ولا تختلف الشركات المؤسسية عن هذا المفهوم. وهناك عدد متزايد من المؤسسات التي تدخل مجال الشركات الناشئة مدفوعة إما بمصالح تجارية عملية ( كالمشتريات وتنويع الصناعة وغيرها)، أو تريد انتهاز فرصة إعلامية لإبراز صورة المؤسسة المبتكرة.
ولكن أياً من هذه الأسباب لا يشرح مصلحة غرفة دبي في الاستثمار بالوقت والجهد في تأسيس منصة لريادة الأعمال، والجواب قد نجده في قراءة تاريخ العالم الذي نعرفه. فعندما ننظر إلى القرن الماضي، نجد ان الحكومات هي من كانت تقود الاختراقات والاكتشافات في استكشاف الفضاء وتبني الطاقة النووية في ستينات القرن الماضي.
وفي نفس الوقت، نجد ان القطاع الخاص هو من جعل البيانات سلعة ( فكروا معي بجوجل وعلي بابا وغيرهما) في بداية الألفية الجديدة. واليوم نجد أن القفزة المقبلة في التكنولوجيا التي ستؤثر على حياة الأفراد والمؤسسات هي تكنولوجيا المشاريع الناشئة ومؤسسيها من أصحاب الرؤى.
ولطالما لعبت غرفة دبي دوراً أساسياً كجسر يربط مصالح القطاع الخاص مع رؤية القطاع العام. وفي هذا الوقت مع دبي للمشاريع الناشئة، كان الوقت ملائماً لبناء الجسر للمستقبل بالنسبة لكل الشركات القائمة والشركات العائلية ورواد الأعمال ومبتكري التقنيات لخلق منصات للتعاون.
.
معضلات ثلاث ( أو فرص ثلاث؟)
خلال تطبيق استراتيجية ريادة الأعمال، كان متوقعاً أننا سنواجه عدداً من التحديات. ولكنني أفضّل أن أطلق عليها اسم فرص، لأن كل واحدة منها يمكن ان تكون نقطة تحول على خط الانطلاق.
- معضلة الموهبة. خلال الأشهر الثلاث الأولى من منصبي الجديد، تم اعتماد دبي للمشاريع الناشئة كالمظلة الرسمية لبرامج وخدمات ريادة الأعمال التي تقدمها غرفة دبي، واعتماد البرامج المستقبلية للفصلين القادمين أيضاً حيث كنت وحيدةً خلال تلك الفترة في الإدارة.
إذاً لماذا استغرقت مبادرة او إدارة حكومية لريادة الأعمال كل هذا الوقت لتعيين وتوظيف شخص ما؟ ربما بالأساس هناك خصلتان متناقضتان يُنظر إليهما في المرشح:
- يجب عليه أن يكون ملتزماً بالخدمة العامة والصالح العام
- يجب أن يكون على دراية وخبرة وتجربة شخصية بالقطاع الخاص. ويجب ان يكون رائد أعمال بشكل كافٍ ليجعله يشعر ويؤمن بمصالح واحتياجات المشاريع الناشئة.
وعندما تهيمن الخصلة الأولى، فإنها تؤدي إلى بقاء الشخص في القطاع العام مدة طويلة، ولكن ذلك قد يجعله جامداً فيما يتعلق باحتياجات العمل المتغيرة ومتطلبات السوق، أو قد تمنح الشخص إحساساً خاطئاً بالثقة، مثل المدرب الذي يدرب تمرين القرفصاء دون أن يمارسه بنفسه. وفي نفس الوقت. فإن الخصلة الثانية تجعل الشخص أكثر قرباً للعملاء، ولكن ذلك يعني جذبهم بعيداً عن القطاع العام لاستكشاف طموحاتهم في عالم الأعمال وبدء مشاريع ذاتية وبالنهاية ترك العمل.
الجانب الإيجابي من معاناتي خلال الأشهر الأولى؟ كان لي كل الشرف في توظيف الموارد التي أصبحنا عليها اليوم، والمواهب والمعرفة التي تدفع الإدارة على الأمام.
- معضلة العميل. “الحكومة، بعكس شركات القطاع الخاص، لا يمكنها اختيار العملاء الذين تريد خدمتهم.” قرأت هذه الجملة في مكان ما في الماضي، وملاءمتها للواقع كان بارزاً وواضحاً خلال فترتي مع دبي للمشاريع الناشئة.
ففي اليوم الأول لانضمامي لغرفة دبي، نجحت في الحصول على قائمة تضم 100 من رواد الأعمال في مجال التقنية، كان سهل الوصول لحوالي 10% منهم، ومن هنا بدأت رحلة مجتمع المبتكرين الذي نما من 10 أشخاص إلى أكثر من 4,000 شخصاً اليوم.
في عالم ريادة الأعمال، وربما أكثر من أي مجال آخر، التعريفات غامضة. ففهم مكونات المشروع الناشئ أو الشركة الصغيرة والمتوسطة مختلف ليس فقط على امتداد الدول والتعريفات القانونية، ولكن حتى ضمن النطاق الجغرافي الواحد.
وقبل التفكير بتطبيق الاستراتيجية من خلال تصميم الخدمة، أحد أهم الأساسيات هو امتلاكك لتعريف واضح للعميل. ومنذ اليوم الأول، ركزت دبي للمشاريع الناشئة على دعم الشركات التقنية في مراحل نموها الأولى من خلال مكون مبتكر (نموذج منتج أعمال وخدمة) مع إمكانات عالية للنمو، بالإضافة إلى دعم الأفراد المهتمين بسلوك هذا الدرب.
- معضلة الخدمة. لا يمكنك خدمة العميل بدون خدمة. وقد وضعنا في اعتبارنا في دبي للمشاريع الناشئة أن هذه الخدمة يجب أن تكون ذات طبيعة ممكنة، لا يمكن لرواد الأعمال الحصول عليها بل عليهم الاختيار هذا التوجه والعمل بجهد للاستفادة منها. ويجب أن تكون ذات قيمة لدرجة أن المئات أو حتى الآلاف من المشاريع الناشئة الفردية ستبدأ بالبروز والمساهمة في الدفع بالنمو الاقتصادي والاجتماعي للمدينة.
هناك فرق شاسع بين القطاعين العام والخاص عندما يتعلق الأمر بتطوير منتج أو خدمة. وفي القطاع الخاص (باستثناء شركة أبل وغيرها من الشركات المماثلة الأحادية القرن)، تلجأ إلى بناء منتج يريده المستهلك. أما في خدمات القطاع العام، تفعل نفس الشيء بينما تمتلك أجندة أكبر للاستفادة من المنتج في تطوير الاقتصاد والمجتمع.
وبالتالي فإن الطريقة التي تمارس فيها دبي للمشاريع الناشئة تطوير الخدمة تماثل طريقة رواد الأعمال في إدارة مشاريعهم. وبعد إنجاز أكثر من 40 برنامجاً ومئات فعاليات التواصل، يمكنني القول إن المنهجية كالتالي: نبني نموذجاً أو مشروعاً أولياً، نجري تجربة لاختبار المنتج والخدمة، نقوم بقياس النتائج، نحسن الخدمة، وعندما تكتمل لدينا مقاييس النجاح، نرتقي به ونحوله إلى مشروع دائم مكتمل الأركان.
مهمة (غير) مستحيلة
وضعنا منذ ثلاث سنوات رسالة دبي للمشاريع الناشئة وهي :” توفير والإرشاد والتوجيه والوضوح لرحلة رواد الأعمال في دبي”. وفي الأوقات الحالية مع بروز أزمة كوفيد-19، قد تبدو هذه الرسالة مستحيلة للبعض. وفي الواقع فإنه في مثل هذه الأوقات يتم اختبار الثقة بين المؤسسة والفريق والعملاء. ومع وجود معضلات أساسية (الموهبة والعميل والخدمة) يتم مناقشتها في بداية الرحلة، فإن ذلك يجعل فريق عمل دبي للمشاريع الناشئة والمجتمع الذي نخدمه جزءاً من الحل للتحديات الحالية.
سيرة المؤلف
ناتاليا شيفا، مدير ريادة الأعمال في غرفة تجارة وصناعة دبي. تقود ناتاليا ضمن مهامهما في دبي للمشاريع الناشئة، ذراع ريادة الأعمال في غرفة دبي، تطبيق مجموعة من البرامج مثل تمويل المشاريع الناشئة وشبكة شراكات الأعمال والاستشارات المتخصصة والتعليم من خلال الشراكات مع القطاع العام وقادة الأعمال لبناء ورعاية التطور والابتكار في ريادة الأعمال في القطاع الخاص في دبي. nyscheva.com