بقلم: تشارلز يانغ، رئيس شركة هواوي الشرق الأوسط
بدأت دول الشرق الأوسط إجراءات تخفيف القيود التي فرضتها للحد من آثار جائحة كورونا، حيث شهدت العديد من الدول عودة قسم من الطلاب إلى مدارسهم وبدأت الأعمال والأنشطة في مختلف القطاعات والأسواق تعود لسابق عهدها. وفي ظل محاولة عودة الأعمال للمعتاد بشكل تدريجي، تشهد مجتمعاتنا انتشاراً متسارعاً لتقنيات المعلومات والاتصالات مثل الجيل الخامس والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي التي كان لها دور حيوي خلال فترة الأزمة، ويتوقع منها أن تسهم بقوة في إعادة انتعاش الاقتصاد.
بالإضافة لدور الابتكارات التكنولوجية على مستوى تطوير الأعمال وتحقيق مزيد من الأرباح، برزت أهميتها في تعزيز البنية التحتية الرقمية لتحسين حياة البشر ومواجهة الظروف الصعبة كجائحة كورونا كوفيد-19. وتدرك دول الشرق الأوسط اليوم أهمية ذلك باعتبار أن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية يحقق أرباحاً مالية مستقرة وعائدات استثمارية على المدى الطويل. وسيسهم التحول إلى الاقتصاد الرقمي في تعزيز الإنتاجية وتحسين الرفاهية الاجتماعية وتوفير الوقت والتكاليف المترتبة على المستهلكين.
تشير التوقعات إلى أن الأنظمة الرقمية في جميع أنحاء العالم ستنمو بمعدل أسرع بثلاث مرات مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتصل قيمة الاقتصاد الرقمي وفقاً لمعظم التقديرات إلى 11.5 تريليون دولار أمريكي، أي ما يعادل 15.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كما توقعت دراسة حديثة أجرتها هواوي بالتعاون مع شركة “أوكسفورد إيكونوميكس” أن يشكل الاقتصاد الرقمي العالمي ما نسبته 24.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أي ما يعادل 23 تريليون دولار[1] بحلول عام 2025 إذا بلغ التحول الرقمي في العالم أقصى مستوياته. ومن المتوقع أن توفر شبكات الجيل الخامس خدماتها إلى ملياري مستخدم جديد في جميع أنحاء العالم، مما يؤدي إلى نمو الناتج المحلي العالمي التراكمي الحقيقي بما يصل إلى 2- 4 تريليون دولار بحلول عام 2030. ومن المتوقع أيضاً أن تسهم تقنية الذكاء الاصطناعي، التي يبلغ معدل الاعتماد عليها 70% حالياً، بزيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما يصل إلى 13 تريليون دولار (كنسبة تراكمية اعتباراً من عام 2020) بحلول عام 2030.
وفي الوقت الذي تسعى بعض دول الشرق الأوسط إلى تعزيز استثماراتها في البنية التحتية الرقمية، فإن العديد من دول المنطقة غير قادرة على الاستفادة من هذه الاستثمارات بشكل كامل، مما يحد من فرص الازدهار وتحقيق الأرباح. ولذلك من المهم خلال الفترة الحالية أن تنظر الحكومات في مسألة إيجاد الحلول من خلال اتباع سياسات مرنة وعملية للاستفادة من التقنيات الحديثة والحد من آثار التذبذبات على المدى القصير .
وفي ظل هذه المعطيات، من المهم أبضاً أن تعمل الحكومات على مراجعة الاستراتيجيات الخاصة بتقنية المعلومات والاتصالات، لا سيما من الناحية الإدارية حيث أن تطوير القوانين التنظيمية من شأنه المساهمة في نمو وازدهار القطاع بما يعود بالفائدة على الجميع – اعتباراً من الأطراف الفاعلة في القطاع وصولاً إلى الشركات والمستخدمين. وعلى الرغم من أن معظم الحكومات تسعى إلى بناء اقتصاد رقمي متين ومستدام يسهم في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنه لا يوجد نماذج قياسية يمكن للدول الاستفادة منها من أجل تعزيز قدراتها التكنولوجية نظراً لأن الاقتصاد الرقمي الناجح يتطلب العديد من القدرات ومقومات البنية التحتية.
من ناحية أخرى، غالباً ما تكون الموارد والأموال غير كافية في معظم البلدان، وبالتالي ينبغي على الدول اختيار الخطة المناسبة لها بعناية كبيرة حيث يجب أن يتم تحديد النموذج المثالي الذي يوفر سياسات رقمية مجدية ومتوافقة مع احتياجات البلد. ويمكن للدول، عند تحديد النموذج الأمثل، ربط استراتيجية تقنية المعلومات والاتصالات باستراتيجيات التنمية الوطنية، مما يعني تحقيق “التكامل” بين استثمارات تقنية المعلومات والاتصالات والبنية التحتية والمهارات المتوفرة والمناخ الملائم لسياساتها. وعند تحقيق الحد الأدنى من هذه المتطلبات، سيجني البلد أرباحاً جيدة من عوائد رفع أو خفض الأسعار واستثمارات البنية التحتية الرقمية.
ولتحقيق هذا الهدف، قامت شركة الاستشارات ودراسات السوق آرثر دي ليتل بتكليف من هواوي بإعداد بحث وأصدرت بموجبه تقريراً يتضمن سبعة نماذج أولية لبناء اقتصاد رقمي تتلخص في التالي:
- نموذج “مركز الابتكار”: يتم وضع خطط واستراتيجيات لابتكار الحلول والتقنيات الحديثة وتسويقها؛
- نموذج “المستهلك الناجح”: يساهم المستثمرون المتخصصون في نشر حلول تتيح بناء قطاع تكنولوجي متماسك؛
- نموذج “مركز الخدمات”: تركز الدولة على تطوير البرمجيات والمحتوى وتوفير الخدمات من خلال الاستفادة من فائض المهارات المتوفرة لديها؛
- نموذج “مركز التصنيع العالمي”: تتم الاستفادة من فائض القوى العاملة والتكاليف المنخفضة لتصنيع التقنيات الحديثة؛
- نموذج “مركز الأعمال”: يتم تحويل البلد إلى مركز للأعمال التجارية في المنطقة من خلال جذب المواهب والشركات من مختلف المناطق؛
- نموذج “إدارة تقنية المعلومات والاتصالات”: لا يتضمن النموذج تحقيق قيمة كبرى في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، وإنما يتم استخدام واستهلاك التقنيات على نطاق واسع؛
- نموذج “الناشئ في اعتماد تقنية المعلومات والاتصالات”: يتضح من اسم النموذج أن يبدأ البلد باعتماد تقنيات المعلومات والاتصالات والسعي إلى تعزيز قيمة هذا القطاع.
وعموماً، يمكن القول بأن الاستثمار في البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات يسهم من خلال اتباع أحد النماذج المذكورة في دعم عملية اتخاذ القرار بحسب طبيعة دول الشرق الأوسط. كما أن تحديد نقاط القوة والقدرات الأساسية والسمات المميزة للبلد سيتيح التركيز على الأصول التي تدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكل كبير. وبدوره، يمكن للاستثمار في المجالات المناسبة أن يمكّن الانتقال من نموذج إلى آخر، حيث توفر تقنية المعلومات والاتصالات فرصاً لتحقيق قيمة أكبر. وليس هناك أدنى شك بأن دول الشرق الأوسط ستجني فوائد كبيرة من الاستثمار في تقنية المعلومات والاتصالات إذا طورت استراتيجياتها بما يتماشى مع النماذج المناسبة لها. ومن ثم يمكن لهذه النماذج أن تمكّن الدول من استغلال نقاط قوتها مع التركيز على القدرات الاقتصادية والتكنولوجية التي تملكها، مما يوفر أساساً متيناً لتعزيز المجتمع وتمكينه رقمياً، والمضي قدماً في بناء الاقتصاد الرقمي المستدام المبني على المعرفة.
[1] https://www.oxfordeconomics.com/recent-releases/digital-spillover