في الآونة الأخيرة، شهد قطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات العربية المتحدة عدة تغييرات في البنية التحتية والإجراءات لتُثبت موقعها كرائدة في توفير الرعاية الصحية لكل من المقيمين ووجهة للسياحة العلاجية.
تم إدراك هذه التطورات والإشادة بها مؤخرًا مع انتشار وباء كوفيد-١٩. ونتيجة للاستثمارات المستمرة التي يتم إجراؤها لتحسين البنية التحتية المادية وغير المادية للقطاع، تم الاشادة بدولة الإمارات العربية المتحدة كواحدة من أكثر الدول أمانًا في العالم في مكافحة كوفيد-١٩.
مع بدء العديد من البلدان رفع تدابير الإغلاق والعودة تدريجياً إلى شكل من أشكال الحياة الطبيعية، سيتم استيعاب حجم التأثير الاقتصادي للوباء على مدى الأشهر المقبلة، مع توقع حدوث تغييرات هيكلية أساسية في العديد من الاقتصادات. بالإضافة إلى ذلك، أثار وباء كوفيد-١٩ العديد من التساؤلات حول الهيكل المستقبلي لقطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم
صرح شهزاد جمال، الشريك، رئيس قسم الرعاية الصحية والتعليم في نايت فرانك الشرق الأوسط: “لقد جلب عام ٢٠٢٠ معه تحديًا غير مسبوق على شكل كوفيد-١٩، متحديًا أنظمة الرعاية الصحية العالمية من حيث البنية التحتية وطريقة التسليم والتمويل وأمور أخرى كثيرة. ومع ذلك، فقد سمح أيضًا للبلدان في جميع أنحاء العالم معاينة فجوات البنية التحتية بعناية، والنظر في وسائل بديلة مثل الرعاية الصحية عن بُعد، وأدى إلى قيام المستثمرين .التقليديين بإلقاء نظرة فاحصة على تمويل هذا القطاع”
الآثار الاقتصادية لكوفيد-١٩: قطاع الرعاية الصحية في الإمارات العربية المتحدة
في حين أن الوباء كان له تأثير لا يمكن فهمه، إلى حد ما، ولكن يمكن إحصائه على صحة العديد من الأفراد وموارد الرعاية الصحية في مختلف الدول، إلا أن حجم تأثيره الاقتصادي لا يزال غير مفهوم تمامًا. مع توقف الاقتصاد العالمي، كان رد فعل العديد من الشركات خفض عدد الموظفين، أو إجازة الموظفين، أو خفض حزم المكافآت أو مزيج من الثلاثة. في بعض الدول، من ضمنها الإمارات العربية المتحدة، سيكون لهذا الانخفاض في التوظيف تأثير ملحوظ على قطاعات الرعاية الصحية الخاصة ذات الصلة.
التركيبة السكانية والصحة العامة
بالنسبة لغالبية الوافدين في الإمارات العربية المتحدة، فإن الإقامة متصلة بالتوظيف. وبالنظر إلى حجم التداعيات الاقتصادية المتوقعة في دولة الإمارات العربية المتحدة، من المتوقع أن ينخفض إجمالي عدد السكان لأول مرة منذ خمسة عقود.
في حين أنه لا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بانكماش دقيق في عدد السكان بشكل حاسم، تشير التوقعات الأولية إلى أن التوظيف سوف ينكمش بنسبة ٧.٨٪ في عام ٢٠٢٠
ومن المتوقع ألا يعود إلى مستواه لعام ٢٠١٩ قبل عام ٢٠٢٢. يشير هذا الانخفاض الأولي في التوظيف إلى أنه من المرجح انخفاض عدد السكان بنسبة ٥٪ إلى ١٠٪ في عام ٢٠٢٠، مع انتعاش في أواخر عام ٢٠٢٠ إلى أوائل عام ٢٠٢١
ونتيجة لانخفاض عدد السكان، نتوقع أن يكون هناك انخفاض نسبي في نسب المرضى، مؤثراً بشكل متقطع على سلسلة قيمة الرعاية الصحية
أدى الإغلاق والانهيار اللاحق للأعراف الاجتماعية إلى زيادة المتطلبات واستخدام بعض خدمات الرعاية الصحية مثل الرعاية الوقائية والرعاية الصحية المنزلية والنفسية
(VPS)صرح الدكتور شاجر جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة في بي اس
للرعاية الصحية:
لقد أدى القلق ونمط الحياة غير المستقر بسبب الإغلاق إلى زيادة الطلب على الصحة العقلية والتخصصات المتعلقة بأمراض نمط الحياة، في كل من العيادات الخارجية والمنصات الرقمية. مع عودة الوضع إلى طبيعته، يحتاج مقدمو الرعاية الصحية إلى التركيز على هذه القطاعات بأثر فوري لمساعدة المرضى على العودة إلى نمط حياتهم قبل كوفيد.
التداعيات المالية
من المرجح أن يؤدي تباطؤ النشاط الاقتصادي وما ينتج عنه من تدابير توفير التكاليف التي تستخدمها الشركات إلى أن يواجه قطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات العربية المتحدة رياح معاكسة كبيرة على المدى القصير إلى المتوسط ، على الرغم من وضعه كقطاع دفاعي
كان ولازال التباطؤ في القطاع غير مدفوع فقط بالخلفية الاقتصادية الضعيفة، ولكن أيضًا نتيجة للتدابير المختلفة التي تم سنها لإبطاء انتشار الوباء. أولاً، مع تعليق العمليات الجراحية الاختيارية والزيارات غير الضرورية إلى المستشفى – على الرغم من أن هذا التعليق قد تم رفعه جزئيًا – كجزء من تدابير الاحتواء التي تم سنها، واجه العديد من مقدمي الخدمات ولا يزالون يواجهون انخفاضًا ملحوظًا في الموارد المالية
مع احتمال تراجع الطلب واحتمالية تدهور الوضع المالي للمشغلين، قد نشهد اندماجًا في هذا القطاع مع قيام الشركات الغنية بالسيولة بنشاط الاندماج والاستحواذ لتعزيز مركزها في السوق.
التقنيات التجديدية – هنا لتبقى؟
في حين تم استخدام مصطلحات مثل التحول الرقمي والرعاية الصحية عن بُعد بانتظام لأكثر من عقد، لم نشهد رواجاً لهذه القطاعات. ومع ذلك، فقد عمل كوفيد-١٩كمسرع، حيث أصبحت الآن الخدمات الصحية عن بعد، والطب الإشعاعي عن بعد، وتجارة التجزئة للصيدليات عبر الإنترنت آخذة في النشوء .ويتم تبنيها من قبل رواد مقدمي الرعاية الصحية في الإمارات العربية المتحدة
تاريخياً، لم ترق فكرة الاستشارة الطبية عن بعد للغالبية العظمى من المرضى. حتى في العديد من الدول المتقدمة، ومع توفر الخدمات الصحية عن بعد من مدة طويلة، غموض آليات الدفع، لم يرق رواجاً عند العامة. ومع ذلك، مع محدودية الوصول الجسدي إلى مرافق الرعاية الصحية أثناء الحظر، كانت معظم مرافق الرعاية الصحية والمرضى لديهم المزيد من الاستعداد لتبني الرعاية الصحية عن بعد.
من ضمن العوامل الرئيسية التي لعبت دورًا أساسيًا في استحداث هذه التكنولوجيا واستخدامها:
١-سلامة المرضى: نظرًا لارتفاع احتمالية الإصابة بعدوى المستشفيات خلال فترة الإغلاق، تم اعتبار الخدمات الصحية عن بُعد خدمة مفضلة. ومع تزايد مستويات الراحة في مثل هذه الخدمات، من المتوقع أن يكون هذا الاتجاه جزءًا من الوضع الطبيعي الجديد حتى مع عودة التنقل إلى مستويات ما قبل كوفيد.
٢-المحاسبة المباشرة: مع وجود عدد أكبر من مقدمي خدمات التأمين الذين يقبلون الخدمات الصحية عن بعد كخدمة
مدفوعة، يعيد مقدمو الرعاية الصحية النظر في فكرة الرعاية الصحية عن بُعد كخدمة في الخطوط الأمامية حتى يتمكنوا
من تطوير أعداد المرضى الخارجيين.
٣-توفير الوقت: يمكن أن تستغرق الاستشارة النمطية وجهاً لوجه مع الطبيب ما بين ٢-٣ ساعات ضمن حساب وقت المواصلات والتسجيل والانتظار والاستشارة. ولكن، خدمة الرعاية الصحية عن بعد، تقلل هذا الوقت الإجمالي إلى أقل من ٢٠-٣٠دقيقة.
٤- جيل الألفية: تتلاءم هذه الخدمات بشكل جيد مع أسلوب حياة جيل الألفية، الذي يشعر بالراحة عند اعتماد الحلول التكنولوجية.
وعلى الرغم من أن الخدمات الصحية عن بُعد لها قيودها الخاصة بها، إلا أن المرضى يتمتعون الآن بتجربة مباشرة للراحة التي تقدمها الخدمة، ويبدو أنها ستكون وسيلة مهمة لتقديم الرعاية إذا كانت مدعومة بالقواعد المناسبة
نظرة مستقبلية
لم يكن هذا الوباء مثل أي أزمة شهدها العالم في الآونة الأخيرة، وهو أول تجربة لنظام الرعاية الصحية اليافع نسبيًا في الإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، تضافرت جهود الجهات المعنية الحكومية والخاصة لضمان تقييد تأثير كوفيد-١٩ قدر الإمكان ووضع حياة الإنسان وصحته على رأس الأولويات
من المهم تقييم الدروس المستفادة من هذا الوباء، حيث سيكون من الضروري إعادة النظر في الاستراتيجية الحالية لتوفير الرعاية الصحية من قبل كل من القطاعين العام والخاص لعامل الاستعداد التشغيلي والسماح بالتوسع المؤقت للقوى العاملة والبنية التحتية كما وعند الحاجة
الاستخدام الناجح للخدمات الصحية عن بُعد، أثناء الإغلاق، زودنا بوسيلة بديلة لتقديم خدمات الرعاية الصحية. لذلك، يجب دعم هذا القطاع من خلال إطار تنظيمي قوي وإرشادات مشابهة لنموذج تقديم الرعاية الصحية التقليدي
وبالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى زيادة الجهود للاعتماد على الذات بشكل كامل من حيث رأس المال البشري المتعلق بالرعاية الصحية وكذلك توفير المعدات الطبية والمواد الاستهلاكية. سيضمن ذلك استعداد الأمة وفعاليتها ضد أي أوبئة وشيكة أو مواقف مماثلة