خاص Entrepreneur العربية
بقلم: هاني ويس، الرئيس التنفيذي لـ “ماجد الفطيم للتجزئة”
يمر الاقتصاد العالمي حاليًا بأسوء أزمة له منذ نحو 100 عام. ولربما كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأكثر تأثرًا من أي منطقة جغرافية أخرى، فقد تعرضت المنطقة لضربتين موجعتين تمثلت إحداهما في جائحة كوفيد-19 وما تبعها من انهيار حاد في أسعار النفط. وقد طالت تلك التبعات أيضًا سلوكياتنا المجتمعية وأنشطتنا اليومية التي نشأنا وتعودنا عليها، حيث بدأت المتاجر ومراكز التسوق في إغلاق أبوابها، وبدأنا على المستوى الشخصي في تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، ومن ثم تغيرت سلوكيات الانفاق في ظل هذه المرحلة التي يغلب عليها الكثير من الظن وعدم اليقين. وباعتبارنا جزءاً من منظومة قطاع التجزئة، فإن هذا التغير السلوكي قد ألقى بمزيد من الضغوط على أعمالنا.
ولكن، وبنظرة متفائلة لا تغفل الواقع، وبينما يستعيد الاقتصاد العالمي نشاطه بحذر، يتوجب علينا الاستعداد للوضع الطبيعي المستجد. ودعونا نبدأ من هنا بالنظر إلى توجهات العملاء التي نشأت حديثاً بالتزامن مع الأزمة والتي أظهرت رغبة متزايدة في الحصول على “أفضل شيء من كل شيء”، مثل ضمان وجود سلسلة توريد مستدامة، وتقديم الجودة على الكمية، والتأكيد على الالتزام تجاه الاقتصاد المحلي، وتعزيز ممارسات نقل المعرفة، وكذلك الالتزام بشكل أكبر تجاه الاستدامة البيئية. والشركات التي ستنجح بجدارة في تلبية تلك المتطلبات اليوم وعلى المدى المتوسط والطويل، هي التي ستتمكن من عبور الأزمة نحو المستقبل.
جوانب مشرقة
لم يكن مستغربًا من خبراء الاقتصاد في البنك الدولي أن يتوقعوا انخفاض إنتاجية منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2020. ومع ذلك فهنالك بوادر أمل مشجعة وأمثلة بارزة على تطور عقلية قطاع التجزئة وطريقة التعامل مع تداعيات الأزمة بأفكار وأساليب متكيفة، وحرص مختلف مكونات القطاع على تقوية مناعتهم وتحسين عملياتهم التشغيلية استعدادًا لدخول مرحلة ما بعد كورونا. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن أغلب الأعمال التجارية في المنطقة غير مستعدة بالقدر الكافي للتوافق مع المتغيرات الجذرية القادمة على الطريق، ولكن
الأمر مطمئن في ذات الوقت أن نرى الشركات تتحرك في الاتجاه الصحيح، وتعمل على اتخاذ ما يلزم من إجراءات لخوض تلك المرحلة الفاصلة نحو استعادة الازدهار.
وضع مستجد يستوجب عقلية متجددة
وباعتبارنا مكونًا مؤثرًا في منظومة قطاع التجزئة ضمن المجتمعات التي نقدم لها خدماتنا، فإننا في “ماجد الفطيم للتجزئة” حرصنا على الأخذ بزمام المبادرة وقيادة هذه التحولات، وضمان أننا وشركائنا مستعدون لاستعادة أوضاعنا بالتزامن مع تحسن الظروف. ولذا عملنا على تسريع اطلاق سوقنا الإلكترونية في دولة الإمارات عبر “كارفور” carrefouruae.com، وتزويد المستأجرين في مراكز التسوق التابعة للشركة والأنشطة التجارية الأخرى في الدولة بقناة تجارة إلكترونية جديدة للتواصل مع عملائهم. وتحتوي سوقنا الإلكترونية حاليًا على أكثر من ربع مليون منتج، وسجلت مبيعات متزايدة بأكثر من عشرة أضعاف خلال الفترة الماضية. وبالإضافة لذلك، يتلقى الموقع اليوم أكثر من 1300 طلب تسوق في المتوسط، ويمثل ذلك فرصة حقيقية سواء للأعمال التجارية المتطلعة لبدء أنشطتهم التجارية الإلكترونية أو تلك الساعية إلى توسيع أنشطتها الإلكترونية والتواصل مع عملائهم في مثل هذه الظروف. كما تقدم هذه السوق الإلكترونية للشركات فرصة تنمية أعمالهم وتوسيع نطاق أنشطتهم على الإنترنت والوصول إلى قاعدة أوسع من العملاء.
ولأن الشيء بالشئ يذكر، ولأن جميع تلك التوجهات الجديدة التي سبق ذكرها تتمحور حول التقنيات المتطورة، فمن المهم أن تستوعب جميع الأعمال التجارية ضرورة تسريع تحولاتها التقنية باعتبارها محوراً أساسياً في جهود الاستعداد للمستقبل والعودة بقطاع تجزئة محدّث يناسب مرحلة ما بعد كوفيد-19. وكثيراً ما سمعنا عن تقنية “البلوك تشين” والدور الأساسي الذي تلعبه في هذا التحول، وعلى سبيل المثال تعتمد عملية أتمتة تبادل البيانات المتسلسلة للمنتج على هذه التقنية المتقدمة التي تتمتع بالقدرة على إجراء عمليات التدقيق بسرعة فائقة وغير مسبوقة.
وبالإضافة إلى ذلك، فبمقدور هذه التقنية أيضًا ضمان زيادة الإنتاجية والكفاءة لعمليات سلسلة التوريد، وفي ذات الوقت تمكين العملاء من تتبع خط سير جميع أصناف البضائع الموجودة في المتجر بدءًا من مواقع الإنتاج وحتى وصولها إلى عربة التسوق. وفي الوقت الذي ستبقى فيه أغلب المتاجر التقليدية على وضعها المتأخر فيما يخص تبني تقنية “البلوك تشين”، إلا أنها تفكر في اتخاذ خطوة للأمام نحو التحول التقني، وهذه الخطوة الأولى على تواضعها من الممكن أن تقودهم إلى المزيد من الفوائد، من بينها؛ الحماية من عمليات الاحتيال، ورفع كفاءة إدارة نقاط الولاء، وقبول الدفع بالعملة المشفرة، وتتبع المخزون، وأتمتة الإدارة وغيرها.
وعلى ذات المستوى، تشهد عمليات سلسلة التوريد أيضًا تحولاتها الخاصة، حيث نرى نماذج جديدة من التعاون بين مختلف أعضاء مجتمع تجارة التجزئة، والتي تعمل على تجميع طلبات وفورات الحجم الكبير، وفي ذات الوقت خفض مخاطر تعطل الإمدادات خلال فترات الاضطراب، وتستفيد هذه الطريقة لتأمين الإمدادات من الأسعار الرخيصة والتجزئة الأقل وعمليات توزيع أكثر كفاءة وكذلك تخفيض المخزونات. وعلى الرغم من كون ذلك مفهومًا مألوفًا، فقد أصبحت الاستعانة بهذا النموذج التعاوني في عمليات سلسلة التوريد أكثر أهمية بكثير خلال هذه الأوقات الصعبة. وأنا أعتقد أن هذا النموذج كفكرة إيجابية من أجل غدٍ أفضل، قادر على إدخال تحسينات مؤثرة على المدى الطويل، خاصة عندما تتعرض الأسعار لضغوط كبيرة.
توقعات لتحديات المستقبل
ولأننا جميعًا نأمل ألا تكون هناك أزمة أخرى بهذا الحجم لقرن آخر، إلا أنه يمكننا أن نستخلص دروسًا قيّمة من هذه الأزمة الصحية العالمية نستفيد منها لمجابهة التحديات المستقبلية. وسنستمر في دعم بعضنا البعض ومشاركة رؤيتنا، حتى نكون جميعًا مؤهلين لمرحلة إعادة فتح الاقتصاد بالكامل، وضمان أن كل استعداداتنا اللازمة في موضعها الصحيح حتى نتمكن من إستعادة حيوية قطاع التجزئة مجددًا. وحتى ذلك الحين، نأمل أن نرى ونتفاعل مع ابتكارات أخرى من جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما يبرهن على قدرتنا الفريدة من نوعها على الخروج من النفق والاستعداد لأيام أكثر إشراقًا في المستقبل.