شهدت تقنية الطائرات بدون طيار “الدرونز” تطوراً سريعاً على مدى السنوات الماضية، مما فتح لها أفاق واعدة وخدمات لا حدود لها خصوصاً في قطاع الأعمال التجارية. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن هذه التقنية لا تزال حديثة العهد خصوصاً في ظل التغير المستمر للأنظمة واللوائح المتعلقة باستخدامها، الا أن هذا لم يثني رواد الأعمال السعوديين عن محاولة البحث عن طرق مبتكرة للاستفادة من هذه التقنية الحديثة في سوق العمل خصوصاً في قطاعات مثل الطيران، والأمن، والصناعة، والخدمات اللوجستية.
وعند الحديث عن الشركات السعودية الناشئة والمتخصصة في مجال تقنية طائرات الدرونز، فلا بد لنا أن نذكر شركة فرناس ايرو (Firnas Aero) التي تقدم خدمة توريد الدرونز للاستخدامات في السوق المحلية، تحديداً في قطاع الصناعة، حيث طورت الشركة تطبيقات مبتكرة للدرونز تمكنها من القيام بالعمليات الاستطلاعية ومهام التفتيش بطريقة أسرع وأكثر كفاءة من الطرق التقليدية.
تأسست شركة فرناس ايرو في عام ٢٠١٨ بواسطة طارق نصرالدين وصديقه سارية الجفري لتقديم خدمات المسح والتفتيش التي تستهدف قطاعات مثل الطيران والصناعة، وتم اختيار اسم الشركة تيمناً بالعالم والمخترع العربي المسلم أبو القاسم عباس بن فرناس الذي ولد في الأندلس ويعتبر أول طيار عربي.
يقول طارق نصر الدين، المؤسس والمدير التنفيذي لفرناس ايرو:” في بادئ الأمر، كانت فكرة استخدام طائرات الدرونز كخدمة توريد تقتصر على القيام بطلعات جوية والتقاط صورة ومقاطع فيديو للعملاء على أمل أن تكون مفيدة لهم، ولكننا أردنا أن نذهب إلى أبعد من ذلك، وأن نميز أنفسنا في السوق، فقررنا التخصص في عمليات التفتيش”.
ويشير طارق أن شركته تقدم حلولًا أكثر مرونة واستدامة ودقة في مجال التفتيش والفحص للمنشآت والمرافق متفوقة بذلك على طرق التفتيش اليدوية التقليدية، خصوصاً أنهم يعتمدون على أحدث التقنيات في طائرات الدرونز المجهزة بكميرات متطورة وبرامج تحكم وتحليل تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن تخصيصها لتلبية احتياجات كل عميل.
يملك طارق خبرة في إدارة الطيران والمطارات وكانت هي السبب وراء تأسيسه لشركته الناشئة، حيث لاحظ وجود نقص في جودة وكفاءة أعمال الصيانة والمسح الدوري لمدرج الطيران وممراته في معظم المطارات، مما قد يهدد سلامة الطائرات في حال وجود أجسام غريبة في طريقها أثناء عمليات الإقلاع والهبوط، وعادة يتم تنفيذ مهمة التفتيش هذه يدوياً بواسطة عمال متخصصين، وقد تستغرق العملية وقتًا طويلاً، فضلاً عن ارتفاع نسبة الخطأ البشري خلالها.
يقول طارق:” ليس لدينا منافس في الوقت الحالي سوى عمال التفتيش اليدوي، أعني بذلك رجلين بشاحنة مزودة برافعة يقومان بعملية التفتيش في المدرج من خلال النظر وتحديد ما يجب إصلاحه من عدمه، وخلال الوقت الذي تتم فيه عملية التفتيش اليدوي في منطقة واحدة، تستطيع فرناس ايرو تغطية ٥٠ منطقة باستخدام طائرة درونز واحدة فقط”.
يمكن للدرونز التقاط آلاف الصور عالية الدقة لموقع واحد في وقت قصير وإرسالها للتحليل بواسطة البرامج المجهزة بالذكاء الاصطناعي، والتي ستحدد الموقع الدقيق للمشكلة كي يقوم العمال بمعالجتها. وهذا يمكّن العملاء من التغلب على قيود العمل اليدوي من ناحية السرعة والدقة وإمكانية الخطأ البشري، وبالتالي رفع كفاءة العمل وتجنب المخاطر. ويشير طارق إلى أن طبيعة مهام التفتيش التي تتسم بالتكرار الكبير يمكنها تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي، مما يحسن في قدرة وأداء طائرات الدرونز على القيام بهذه المهمة في كل مرة، يقول:” نحن في نطاق دقة يصل الى ٩٠ في المئة، في حين أن معظم عمليات التفتيش اليدوي تكون نسبة دقتها ٥٠ أو ٦٠ في المئة”.
بدأت انطلاقة فرناس ايرو في مسرعة الأعمال “تقدّم” في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) في ٢٠١٩، وهي برنامج لريادة الاعمال يستمر ستة أشهر يقدم خلالها الدعم والتدريب والإرشاد لرواد الأعمال الشباب لإطلاق شركاتهم الناشئة بنجاح، وكانت فرناس ايرو أول الفائزين في ذلك العام وحصلت على التمويل اللازم لبدء التشغيل، ومنذ ذلك الحين، تواصل الشركة السعودية الشابة العمل بنشاط لتطوير شبكة عملائها وتوسيع خدماتها. يقول ساريه الجفري المؤسس المشارك ومدير الاستراتيجية في شركة فيرناس ايرو: “كنا محظوظين جداً بانتمائنا لبيئة الابتكار المتميزة في كاوست وبما تقدمه من برامج ودعم لرواد الأعمال مثل مسرعة “تقّدم”، ولم يتوقف طموحنا عند هذا الحد، بل قررنا مواصلة رحلتنا والاستفادة من شتى أنواع الدعم المتاحة”.
(من اليمين إلى اليسار) طارق نصرالدين وسارية الجفري عند فوزهما بالمركز الأول في مسار الفكرة ضمن منتدى MIT لريادة الأعمال في السعودية، فبراير ٢٠٢٠.
وبعد نجاحها في مسرعة الأعمال “تقّدم”، انضمت فرناس ايرو الى مدينة الأبحاث والتقنية (KRTP) في الحرم الجامعي لكاوست، والتي تتميز ببنية تحتية مثالية لشركات التقنية تمكنها من الوصول إلى مختبرات الجامعة المتطورة والتواصل مع أعضاء هيئة التدريس والطلبة، فضلاً عن استخدام الأماكن العامة في الحرم الجامعي والاستفادة من مرافقه المصممة لتعزيز التعاون والمشاركة المعرفية.
وشاركت الشركة الطموحة مع فريقها المكون من ثلاثة أشخاص في مشاريع مختلفة، كان أخرها مع وزارة الصحة السعودية للمساعدة في تحديد حالات المشتبه بإصابتهم بأعراض فيروس كورونا (كوفيد-١٩) بين الحشود باستخدام طائرات الدرونز المزودة بكاميرات تعمل بنظام الأشعة تحت الحمراء، يقول طارق: “استخدمنا طائرتنا للتنبؤ بالأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في درجة حرارة الجسم في الأسواق المركزي في المدينة المنورة، وقدمنا تلك المعلومات لفريق وزارة الصحة الذي كان متواجداً معنا، وبعد تلقيهم للمعلومات كانوا يذهبون ويتحققون مرة أخرى مع الأشخاص المعنيين”.
وتجري شركة فرناس ايرو حاليًا مناقشات مع كاوست لتطبيق خدمة طائرات الدرونز الاستطلاعية ذات التحكم المستقل، أو “الدرونز في صندوق” كما يحب أعضاء الشركة تسميتها، ويشرح طارق هذه الخدمة على أنها الخطوة التالية لامتلاك نظام مستقل بالكامل، حيث يتم تخصيص صندوق يستوعب الطائرة وجميع أنظمتها الأساسية سواءً كانت أنظمة التبريد، أو نقل البيانات ، أو منصة الشحن، وما إلى ذلك ، ثم يتم تثبيت الصندوق في منطقة معينة، وعند الحاجة للقيام بعملية تحكم روتينية أو في حال وقوع أمر طارئ، تتم برمجة الدرونز للتحليق وتغطية منطقة العمليات بصورة ذاتية.
جدير بالذكر، أن هذه الخدمة لا تتطلب وجود طيار في نفس المكان للتحكم اليدوي في الدرونز، مما يجعلها حلاً فعالاً للتحكم ومراقبة المشاريع والمجمعات الضخمة بأقل جهد وأسرع طريقة ممكنة، يقول طارق:” يمكن للدرونز العمل في المناطق النائية بشكل آمن لبضعة أسابيع أو بضعة أشهر، بحسب طبيعة المشروع”.
إن المستفيدين المحتملين من هذه الخدمة هم المطارات والمجمعات الصناعية والمؤسسات الحكومية المختلفة، يقول سارية الجفري: ” تساعد هذه الخدمة في زيادة التغطية ورفع جودة الخدمة، الأمر الذي سيكون له تأثير إيجابي على مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين والمقيمين”.
وتعتقد الشركة أنها وعلى المدى البعيد ستتمكن من تقليل جميع أنواع عمليات المراقبة والاستطلاع الحالية التي تتم باستخدام سيارات الجيب الدورية تدريجيًا حتى تصل إلى الصفر، يقول سارية: “لن تكون هناك حاجة لهذه الأنواع من الوظائف، إذ يمكنك القيام بعملية المراقبة بشكل مستقل دون الحاجة لوجود اشخاص يقودون المركبات”. ويفيد سارية إن هذه التقنية، من ناحية أخرى، ستخلق أنواعًا أخرى من الوظائف ذات طبيعة تقنية تعتمد على وجود اشخاص مهمتهم تحليل الصور الملتقطة بواسطة الدرونز واتخاذ القرارات وإرسال فرق الاستطلاع والتحري.
كما تطمح شركة فرناس ايرو إلى الاستحواذ على قطاع التوصيل اللوجستي للبضائع والشحنات، يقول طارق: “المرحلة الثانية بالنسبة لنا هي تقديم خدمات نقل وتوصيل البضائع الخفيفة، أو ما يطلق عليه في الصناعة خدمة “توصيل الميل الأخير”، وهو الجزء الذي يتم فيه توصيل الشحنة من مركز التجميع إلى وجهة التسليم النهائية، وهي أكثر عمليات سلسلة التوريد اللوجستي كلفة، كما نتطلع في غضون خمس إلى عشر سنوات إلى الانتقال لتوصيل الحمولات والبضائع الأكبر، ونأمل في نهاية المطاف أن نتمكن من نقل الأشخاص باستخدام طائرات الدرونز”.
يعتقد طارق أن العالم خلال العقد القادم مقبل على تحولات كبيرة في مجال التقنية، الأمر الذي سيفرض علينا إعادة تقييم أعمالنا التجارية وطريقة تقديمنا للخدمات بحسب ما يقتضيه اقتصاد اليوم الذي يطلب فيه المستهلكون حلولًا عاجلة وفورية، يقول: “كان الذكاء الاصطناعي كلمة مستقبلية للغاية قبل خمس سنوات، ولكنه اليوم يستخدم في ابسط الأشياء بما فيها فلاتر تطبيق سناب شات (Snapchat)، لذا فهو لم يعد من مصطلحات الخيال العلمي، بل حقيقية يومية، وليس بعيد المنال كما كنا نتصور”.
وبصرف النظر عن التحديات المتعلقة بالأمور البيروقراطية وعوائق التدفق النقدي التي يمكن أن تبطئ تقدم أي مشروع، تطمح شركة فرناس ايرو إلى تغطية السوق السعودي والتوسع الى دول مجلس التعاون الخليجي في غضون عامين، والى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، عندها ستمتلك سجلاً حافلاً يؤهلها بجدارة للوصول إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وجنوب شرق آسيا.