تواجه أنظمة النقل في العديد من المدن حول العالم تحديات متزايدة كل عام، سيّما في ظل ما تشهده أنظمة المرور في جميع أنحاء العالم من مشكلات جمّة مثل تفاقم الازدحام المروري وارتفاع نسب انبعاثات الكربون وضيق المساحات وحوادث الطرق، حيث تشكل جميعها عوامل قلق متزايدة تلقي بظلالها على مستقبل أنظمة التنقل عالمياً. وعلى الرغم من أن العديد من حلول التنقل الجديدة ربما تصبح جاهزة لمعالجة القضايا المتعلقة بالتنقل بعد عام 2030، إلا أن المشكلة تكمن في عدم الوضوح فيما يتعلق بتحديد الحلول التي يجب اعتمادها لكل مدينة حتى الآن، وذلك وفقاً لتقرير جديد صادر من بوسطن كونستلنج جروب بالتعاون مع جامعة سانت جالن بسويسرا.
ويوضح التقرير الذي يحمل عنوان “هل يمكن للسيارات ذاتية القيادة إيقاف انهيار أنظمة التنقل داخل المدن” الفوائد التي يمكن أن تقدمها حلول التنقل الناشئة لبعض المدن الكبرى أكثر من غيرها اعتماداً على العوامل المساعدة ومنظومة التنقل في كل مدينة على حدة. يرى التقرير أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الأوفر حظاً والأكثر استعداداً للاستفادة من حلول التنقل ذاتي القيادة عند الطلب في المنطقة، من خلال اعتماد السيارات والمركبات ذاتية القيادة لتحسين وإعادة ابتكار خدمات النقل العام.
وعلى الرغم من أن المركبات ذاتية القيادة يمكن أن تساهم في إحداث تحولات إيجابية في منظومات النقل داخل المدن، إلا أن الحماس تجاهها أصابه الفتور كونها لن تصبح متاحة على نطاق واسع قبل عقد آخر على الأقل، بالإضافة لما يمكن أن تؤدي إليه من تفاقم في عدد من المشكلات المتعلقة بالهجرة من المدن أو زيادة الازدحام المرور في حال ظهرت بشكل مستقل عن اللوائح والسياسات الملائمة. وبالرغم من الشكوك الحالية، تستمر البرامج التجريبية للمركبات ذاتية القيادة في جذب الاستثمار.
وبحسب أبحاث “بوسطن كونستلنج جروب” وجامعة “سانت جالن”، فإن العقبة الرئيسة التي تواجه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تتمثل في أنظمة النقل العام الحديثة نسبياً، والتي تؤدي إلى زيادة الازدحام في المناطق الحضرية، حيث يبلغ عدد سكان الرياض حالياً سبعة ملايين ودبي أكثر من وثلاثة ملايين نسمة، وبينما تتزايد أعداد السكان في المدينتين كل عام تصبح الحاجة للتحول إلى أنظمة مواصلات عامة مستدامة أكثر إلحاحاً.
وحسب ما أفاد جيوفاني موسكاتيللي، وهو شريك ومدير مفوّض لدى “بوسطن كونستلنج جروب” فإن العديد من المدن، بما في ذلك الرياض ودبي، تعمل باستمرار على إيجاد حلول للتحديات المتعلقة بالتنقل عبر مجالات متعددة، ويمكن أن تساعد حلول التنقل ذاتي القيادة عند الطلب في معالجة هذه التحديات. ونتوقع أن يكون حوالي نصف المركبات ذاتية القيادة عبارة عن مركبات تجارية بدلاً من مركبات ذات ملكية خاصة، الأمر الذي سيوفر مستويات أعلى من الراحة مقارنة مع خيارات النقل الجماعي التقليدية.
وطورت كل من بوسطن كونستلنج جروب وجامعة سانت جالن في إطار البحث في تأثير حلول التنقل ذاتي القيادة على منظومات التنقل في المستقبل، أداة محاكاة متطورة لتحليل تأثيرات التكنولوجيا بمرور الزمن، فيما يتعلق بحجم حركة المرور ومعدلات الوفاة جراء الحوادث المرورية وتكاليف النقل وإجمالي مساحة مواقف السيارات، واستهلاك الطاقة، وجداول الرحلات. وكخطوة أولى، تم تحديد خمسة أمثلة نموذجية لكل مدينة وهي – المدن متوسطة الكثافة ومحدودة المساحة، المدن الكبيرة التي تعتمد على السيارات بشكل أساسي، مراكز الابتكار المزدهرة، مدن في طور التطور الحضري بوتيرة متسارعة، المدن الكبرى عالية الكثافة. وجاءت كل من الرياض ودبي في فئة المدن الكبيرة التي تعتمد على السيارات بشكل أساسي حيث أن عدد سكانها كبير ولكن الكثافة السكانية فيهما منخفضة جداً.
ستستفيد المدن الكبيرة التي تعتمد على السيارات بشكل أساسي مثل الرياض ودبي، والتي تعمل بشكل مستمر على توسيع وتطوير أنظمة النقل العام، من المركبات والسيارات ذاتية القيادة. وبما أن هذه المركبات ستحل محل السيارات الخاصة، فقد خلصت دراسة “بوسطن كونستلنج جروب” وجامعة سانت جالن، إلى أن إجمالي الوفيات السنوية سينخفض بنسبة 37%ـ بينما سينخفض إجمالي مساحة مواقف السيارات 35%. وستتقلص حركة المرور سينخفض بنسبة 4%، وسينخفض معدل استهلاك الطاقة بنسبة 12%، وستنخفض تكاليف النقل بنسبة 13%، بينما ستنخفض أوقات الرحلات أيضاً بنسبة 3%.
وفي الوقت نفسه، سينخفض إجمالي الرحلات التي يقوم بها السكان باستخدام السيارات الخاصة بنسبة 27% وباستخدام النقل العام بنسبة 2%، عند مقارنتها مع النماذج الحالية والمتوقعة في المستقبل – في حين تمثل كل من سيارات الأجرة والحافلات ذاتية القيادة 11% من الرحلات سنوياً في النموذج المتوقع. وفي حين تخطط بعض شركات صناعة السيارات وشركات التكنولوجيا لإطلاق المركبات ذاتية القيادة بحلول منتصف 2020، من المرجح أن تستغرق المدن عدة سنوات أخرى لإكمال جهوزيتها – مما يعني أن هذه الفوائد لن تؤتي ثمارها بشكل كامل حتى أوائل العام 2030.
ويمكن لكل من الرياض ودبي الاستفادة بشكل كبير من هذا المجال الناشئ، حيث يمكن أن يؤدي تطوير المركبات ذاتية القيادة إلى جعل بيئاتها الحضرية أكثر استدامة ومرونة، فضلاً عن دعم أنظمة النقل المستدامة.
وتعتبر المركبات ذاتية القيادة بما في ذلك سيارات وحافلات الأجرة، مناسبة للرياض ودبي، وتقع على عاتق مسؤولي التخطيط وصناع القرار مهمة إجراء وتنفيذ المشاريع التجريبية اعتماداً على عدة مقاييس مثل الخطوط المخصصة، ومدى توافر خدمات النقل بشكل سلس وميزات الأسعار، إضافة إلى ضمان تجارب جيدة للمستخدم من أجل تعزيز توجههم نحو اعتماد خدمات النقل الجديدة.
من جهته، أضاف إنجمار شافر، أحد أعضاء الرئيسين في الفريق المسؤول عن ممارسات التنقل والمركبات ذاتية القيادة في شركة بوسطن كونستلنج جروب: “غالباً ما تكون أنظمة النقل الجماعي في المدن الكبيرة التي تعتمد على السيارات بشكل أساسي دون المستوى المطلوب، وبالتالي يجب أن تكون حلول التنقل ذاتي القيادة عند الطلب أكثر راحة وملاءمة، ويجب أن يتم إدماجها ضمن منظومة رقمية شاملة تسهم في إقناع السكان بالتخلص من مركباتهم الخاصة واعتماد وسال النقل الحديثة ذاتية القيادة”.