بقلم: بنجامين بوتش، رئيس وحدة الخدمات الرقمية والتجارة الإلكترونية لدى «في إف إس غلوبال»
بات السفر حول العالم جزءاً لا يتجزأ من حياتنا وتجربة مألوفة تتكرر على نحو متزايد، سواء للعمل أو الترفيه، وقد شهد هذا القطاع الذي تبلغ قيمته مليار دولار أزمة لم يسبق لها مثيل، تمثل في انتشار جائحة كوفيد-19، والتي أدت إلى توقف هذا القطاع على نحو كلي. توقف الناس فجأة عن الطيران، حيث وجدوا أنفسهم حبيسوا الدول التي يتواجدون فيها، ورغم عودة الطائرات المدنية للتحليق في الأجواء، إلا أن القطاع سيحتاج لفترة ليست بالقصيرة قبل العودة إلى الوضع الطبيعي السابق! ومن المؤكد أن يشهد المسافرون حول العالم تغييرات غير مسبوقة ستبدل مشهد السفر العالمي كلياً. وتضع التوقعات العالمية لأكثر من 90٪ من الأفراد للسفر قريباً، قدر كبير من المسؤولية والتحديات على عاتق القطاع للتأقلم مع الواقع القائم وتبنّي السياسات والاستراتيجيات المناسبة للتعايش مع الوضع الطبيعي الجديد.
إلا أن التفاؤل ما زال قائماً بأن التعافي سيكون قريباً. توقع المجلس العالمي للسياحة والسفر في مارس 2020، أن ينخفض نشاط السفر الدولي بنسبة تصل إلى 25٪ هذا العام، بينما أتت توقعات المجلس إيجابية لناحية التعافي السريع في بعض المناطق – ولا سيما الشرق الأوسط. وتوافق خبراء السفر الذين اجتمعوا مؤخراً في فعاليات سوق السفر العربي الافتراضي (ATM) على أن قطاع السياحة في المنطقة سينهض على نحو أسرع مما هو متوقع. ومن المؤكد أن الابتكارات التي سيشهدها القطاع خلال فترة الانتعاش ستتضمن الابتكارات الرقمية، الهادفة لدعم المسافرين وتمكينهم من إنجاز المعاملات عن بُعد تجنباً للازدحام والتجمعات الكبيرة في المطارات.
وإليكم رؤيتنا الخاصة لناحية التحولات التي سيشهدها السفر العالمي، مع إعادة فتح الحدود الدولية للمسافرين حول العالم.
المزيد من الوقت للتخطيط
من المحتمل أن يكون التخطيط للرحلات أكثر تفصيلاً الآن – حيث يُتوقع أن يتم ترميز كلمات البحث الأساسية وخطوات السفر المختلفة في رحلتنا التالية لضرورة اتخاذ الاجراءات والتدابير الاحترازية، والالتزام بلوائح الصحة والسلامة الصادرة عن الجهات المعنية. ومن المتوقع أن يتعذر على المسافرين حجز تذاكرهم في اللحظة الاخيرة أو السفر بدون اتباع الاجراءات الاحترازية التي قد تحتاج لبعض الوقت والتخطيط قبل السفر في المستقبل القريب. سيكون الناس أكثر وعياً لناحية اختيار الوجهات التي سيختارونها لقضاء إجازاتهم، والحجز المسبق لتذاكر السفر وأماكن الإقامة حتى عند التخطيط لقضاء عطلة في بلد إقامتهم.
وقد نلحظ اتجاهات عكسية مختلفة، حيث يتوقع أن يعتمد المسافرون أكثر على الخدمات التي توفرها العلامات التجارية وسلاسل الضيافة الموثوقة، والتي تتبع المعايير الخاصة للعناية بالصحة والنظافة، بدلاً من الإقامة مع العائلات المحلية واستخدام وسائل النقل العام. كما يمكن للواقع المعزز أو الافتراضي أن يلعب دورًا هامًا في طمأنة المسافرين لناحية الواقع الصحي في المناطق التي يختارونها، وتثقيفهم باحتياطات السلامة الضرورية لحمايتهم والتي تعزز راحة البال وتمكنهم من اتخاذ قرارات مستنيرة.
إلى جانب الإقامة، سيتم الاعتماد بشكل لا مثيل له على البدائل الرقمية أثناء الرحلة. على سبيل المثال، سيتم الدفع بدون تماس باستخدام الهواتف الذكية والأجهزة القابلة للارتداء والبطاقات الممكّنة للاتصال قريب المدى (NFC)، والتي سيتم الاعتماد عليها لتجنب التداول النقدي وتحاشي التجمعات عند أكشاك تداول العملات. كما سيتم الاعتماد على نحو متزايد على خدمات المعلومات القائمة على الموقع والتي يمكن أن توفر للمسافرين الدعم الطبي الفوري، والأدلة المرجعية السريعة، والتحديثات المحلية في الوقت الحقيقي، وغيرها من المعلومات الحيوية للسياح والمسافرين.
توجه متزايد لاعتماد البوابات الإلكترونية في المطارات العالمية
مع بدء إعادة فتح الأجواء، يمكننا رسم خارطة طريق السفر الدولي في المستقبل على نحو أكثر كفاءة. فمن المتوقع أن يتم التشجيع على استخدام أكشاك الخدمة الذاتية، ومنصات تسجيل الوصول عبر الإنترنت، واعتماد أنماط التعريف الرقمية، وغير ذلك من الاجراءات الرقمية عند السفر جواً، لضمان الحد الأدنى من التواصل البشري المباشر، تلافياً لمخاطر انتشار العدوى، إلا أن الحاجة لتعقيم شاشات اللمس بعد كل استخدام سيشكل عبئاً إضافياً على مزودي الخدمات.
كما سيتم تشجيع المسافرين أيضاً على اعتماد الخيارات الرقمية لمعالجة الوثائق عند السفر إلى دول أخرى. وتساهم الحلول التكنولوجية المتقدمة مثل eVisas وبوابات جواز السفر الإلكترونية في معالجة وثائق السفر الأساسية رقمياً، للحفاظ على سلامة المسافرين.
وستكتسب خدمة الفيزا الإلكترونية عند الوصول، المعتمد في تايلاند على سبيل المثال، أهمية متزايدة، حيث سيتمكن السياح بموجبها من إنجاز معاملات التأشيرة عند الوصول في مطار الوجهة على نحو أكثر سرعة وسلامة. وسيساهم هذا الحل بشكل أساسي في إتاحة الفرصة للحصول على التأشيرات عن بعد، إضافة إلى اختصار الوقت اللازم لإجراء هذه العملية.
من ناحية أخرى، ستساهم بوابات جواز السفر الإلكترونية، التي تستخدم تقنية التعرف على الوجه للتحقق من هوية المسافر مقابل البيانات المخزنة في الشريحة في جوازات السفر البيومترية، في تلافي المخاطر الصحية والمخاطر الأمنية المحتملة. إضافة إلى ذلك، يساهم هذا الحل في تعزيز عمليات تنفيذ المبادرات العالمية لضمان سفر رقمي أكثر ذكاءً.
وتساهم مبادرة برنامج الهوية الرقمية المعروف للمسافرين (KTDI)، التي تم إطلاقها من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي، في تدشين اتحاد عالمي يضم الأفراد والحكومات والسلطات والشركات العاملة في قطاع السفر، للمساهمة في تعزيز الأمن في قطاع السفر العالمي. ويساهم هذا البرنامج في تمكين الأفراد من إدارة ملفهم الشخصي وجمع “الشهادات” الرقمية لبياناتهم الشخصية، ما يتيح لهم تحديد البيانات التي يريدون مشاركتها ومتى. وكلما زاد عدد الشهادات التي يشاركها المستخدم، كلما كانت معالجة عمليات السفر أكثر سهولة وبساطة وسرعة.
في النتيجة، ستكون الخدمة الذاتية جزءاً من الوضع الطبيعي الجديد في المستقبل.
معايير السلامة أثناء السفر
وبخلاف مجهود السفر، فمن المتوقع أن تشهد طريقة اختيار مكان الإقامة والخدمات المتاحة للمسافرين في الوجهات تغبراً ملحوظاً. يجب أن يكون المسافرون على دراية تامة بمقتنياتهم، والتأكد من تعقيم أمتعتهم وأغراضهم الشخصية الأخرى. وقد تكون أنفاق التطهير بالأشعة فوق البنفسجية من بين الخيارات التي سيتم استخدامها عند نقاط الدخول لضمان السلامة.
ومن المؤكد أن يشهد القطاع ارتفاعاً لناحية الاعتماد على الأمتعة وأساسيات السفر الممكنة بإنترنت الأشياء، لتمكين المسافرين من تتبع أمتعتهم وتعزيز وعيهم بالأشياء التي يلامسونها. من ناحية أخرى، سنشهد انتشاراً واسعاً لمفاتيح غرف الفنادق الرقمية، التي تمكن المقيمين من الوصول إلى غرفهم فوراً دون الحاجة إلى الانتظار في قاعات الاستقبال المزدحمة. ورغم أن الحجوزات الرقمية التي تسمح للأفراد بتخطيط السفر عن بُعد باتت خياراً شائعاً، إلا أنها باتت تكتسب أهمية أكبر بالنسبة للمسافرين حالياً.
وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وجهة جاهزة رقمياً وتتطلع إلى الترحيب بالزوار. من المؤكد في الحقبة القادمة، أن يكون للتكنولوجيا لها تأثير قوي على سلوك المستهلك لأنها توفر وسيلة أكثر ذكاءً وسرعة وأمانًا للسفر. سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف تتنافس العلامات التجارية الحالية في مجال السفر والضيافة مع العلامات التجارية الحديثة في مجال تكنولوجيا السفر، وأيهما سينجح في جذب المستهلكين والتكيف بشكل أفضل مع الوضع الطبيعي الجديد.