مترجم بتصرف: مقال لـ ميهايلا نينا
ساهم حجم التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد في تحويل هذه المسألة إلى مسألة دائمة التطور، حيث لا يزال العالم في مواجهة مع هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة، والتي وضعت الاقتصاد العالمي في فترة من الركود، وتسببت بإغلاق مؤقت لمختلف الصناعات، في حين لا يزال إغلاق الحدود مستمراً في بعض البلدان لاحتواء الفيروس ومنع انتشاره بشكل أوسع.
وتوقع صندوق النقد الدولي في شهر أبريل أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 3% هذا العام، مما سيعيق التنمية المستدامة في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وعلى مستوى المؤسسات، لا شك أن الضغوطات الهائلة التي فرضتها تداعيات فيروس كورونا على الشركات، بدءاً من الانتقال وبشكل فوري إلى نظام العمل عن بعد، وتعطل سلاسل التوريد ، وصولاً إلى انخفاض الطلب على المنتجات أو الخدمات، قد أثرت وبشكل كبير على بعض المؤسسات التي لم تعد قادرة على الاستمرار وسط هذه الأوقات الصعبة.
ومع ذلك، فإن استجابة الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني في إدارة الموارد للحد من تأثيرات الوباء وسط هذه الأزمة الغير مسبوقة، كانت أكثر من رائعة، حيث شاهدنا التعاون من خلال المساعدات التي يتم ارسالها إلى البلدان الأكثر تضرراً، كما قامت بعض الشركات بإعادة رسم خطوط انتاجها لتلبي الطلب على المستلزمات الطبية، كما قام أفراد من المجتمعات بإطلاق مبادرات لخدمة مجتمعاتهم.
وعلى هذا النحو، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن أكثر من أي وقت هو كيف سيبدو المستقبل في فترة ما بعد كورونا؟ ما الذي يمكننا فعله لدعم الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي العالمي؟ وكيف سيصبح العمل الجديد؟
فرضت هذه الأزمة علينا إعادة التفكير في نماذج واستراتيجيات الأعمال، ومما لا شك فيه، أن التركيز على التأثير والغرض والاستدامة بات أهم من ذي قبل، حيث أثبتت الشركات مدى قدرتها على الاستفادة من مواردها لصالح الأطراف المعنية، وهو نفس مبدأ الاستدامة. حيث نرى عدداً كبيراً من الأمثلة على الإعفاءات من رسوم التأجير، والتزام البعض بالاحتفاظ بجميع الموظفين على الرغم من الحد الأدنى من العمليات، والبعض الآخر أعاد استخدام مرافقه بالكامل، أو أعطى الأولوية للمجتمعات المحلية.
وخلال السنوت الماضية، سُلط الضوء وبشكل كبير على الاستدامة، مع التركيز على الفوائد التجارية في دراسات الحالة والبحوث المتعددة من جميع أنحاء العالم، الأمر الذي لم يؤدِ فقط إلى تعزيز المشاركة بين الأعمال والأطراف المعنية، ولكن عند النظر في الأعمال التجارية من خلال عدسة الاستدامة، فإنه يدعم تقليل المخاطر عبر سلسلة القيمة بأكملها، بالإضافة إلى تحسين التكاليف ويؤدي إلى تطوير قدرات الابتكار، فقط على سبيل المثال لا الحصر.
هنا نسأل: هل ستتبنى المزيد من الأعمال مفهوم الاستدامة؟ وهل سيركز نموذج الاقتصاد الجديد بشكل متزايد على النماذج المستدامة، التي تضع الغرض في المقدمة؟ في مقابلة أجرتها بلومبرج مؤخرًا مع ألان جوب، الرئيس التنفيذي لشركة يونيليفر، سلط فيها الضوء على هذا التأثير، والذي يعد متجذراً في نموذج الشركة ولا يزال يشكل أساس قرارات العمل حتى مع وجود هذا الوباء حيث يعمل كبوصلة توجيهية لاستراتيجيات يونيليفر. ويقول: “نحن نؤمن حقًا أنه من خلال ربط علاماتنا التجارية بفعل الخير الحقيقي، من خلال إدارة سلسلة التوريد لدينا بطريقة مستدامة، وتبني نموذج عمل مسؤول، وخلق فرص أفضل للناس، فإن الناتج من ذلك سيكون أداءً ماليًا أفضل “.
أما المؤسسات التي لم تتأثر بشكل كبير من هذه الأزمة، فلديها فرصة فريدة لتركيز مواردها على إعادة بناء نظام مزدهر لدعم وضمان الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي. بدايةً، يمكن للمؤسسات تقييم كيفية تعزيز القيمة التي تم إنشاؤها للأطراف المعنية، سواء من خلال منتجاتها أو خدماتها في المقام الأول أو من خلال توسيع مسؤوليتها داخل المجتمعات التي تعمل فيها.
وعلى سبيل المثال، إن النظر في النماذج الدائرية وإعادة دمج أو إعادة استخدام النفايات، يمكن أن يقلل من تكاليف التصنيع، وفي الوقت نفسه، يقلل من التأثيرات الجانبية على النظم البيئية الطبيعية. كما يمكن أن يؤدي توطين بعض سلاسل التوريد إلى خلق وظائف جديدة وتقليل البصمة الكربونية الناجمة عن النقل. كما يمكن للاستثمار في تطوير مهارات الفريق أن يساهم في إعدادهم للأدوار المستقبلية بالإضافة إلى تعزيز إنتاجيتهم أو مستوى مشاركتهم.
وهكذا يبدأ كل شيء ببناء القدرات من أجل الاستدامة، والنظر في أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة على جميع أبعادها المترابطة، والنمو الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي، والضغط الأقل على الموارد الطبيعية. لطالما ركزنا على هذا المجال، ليس فقط لدعم القيادة، ولكن أيضًا لدعم الفرق، والابتعاد عن التصور بأن الاستدامة هي التطوع عبر الأقمار الصناعية أو إعادة المشاريع، بل يمكن أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من نموذج الأعمال لبناء المرونة التنظيمية والقدرة التنافسية والأداء. قد يشكل ذلك فرصة لأي مؤسسة، بغض النظر عن حجمها، أن تقود التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة من خلال زيادة التأثير الإيجابي الذي يمكن أن تقدمه للأطراف المعنية.
وإذا نظرنا إلى أمثلة عالمية أخرى، فقد أعلنت كندا، على سبيل المثال، عن برنامجٍ اقتصادي جديد لدعم لشركات، مرتبط بالمؤسسات التي تكشف عن مؤهلاتها المناخية وأفعالها الداعمة لتغير المناخ، من أجل دعم أهداف التنمية المستدامة الوطنية. يمكن تكرار هذا النموذج عبر القارات مما سيؤدي إلى مزيد من الشفافية و الإفصاح ضمن مؤشرESG ، بالإضافة إلى العمل المعزز بشأن تحديات الاستدامة.
وعلى مستوى المدن، اعتمدت أمستردام على نموذج “اقتصاد الدونات” من أجل دعم الانتعاش بعد الوباء في المدينة وبناء استراتيجية طويلة الأجل. يشكل “نموذج الدونات” نموذجًا اقتصاديًا يدور حول التنمية المستدامة وينعكس في إطار أهداف التنمية المستدامة، مع “المساحة الآمنة والعادلة للبشرية” التي تستند إلى الرفاهية الاجتماعية الصلبة وضمن المعايير البيئية، أو “حدود الكوكب”.
فهل يمكن للاستدامة أن تؤطر استراتيجياتنا العالمية والتنظيمية طويلة الأمد للتعافي؟ هناك بالتأكيد إمكانات – قمنا في Concerto TIC أيضًا بإجراء استطلاع رأي على منصة لينكدإن، أظهرت نتائجه حتى الآن أن أكثر من 60 ٪ يشعرون أن تبني الاستدامة سيكون أكبر في مرحلة ما بعد كوفيد-19 ، في حين أشار أكثر من 20 ٪ إلى إمكانية حدوث ذلك. ففي نهاية اليوم، نحن من سيصنع العالم الجديد.