مترجم بتصرف: مقال لسعود أبو الشوارب مدير عام مدينة دبي الصناعية
استطاعت محال السوبر ماركت والبقالة في دولة الإمارات العربية المتحدة أن تحافظ على مخزونها بالكامل منذ ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد بفضل التخطيط الناجح والدقيق والرؤية الواضحة والمستقبلية. على عكس البلدان الأخرى، وعلى الرغم من استيراد دول الخليج لما يقرب من 60 إلى 90 % من المواد الغذائية المستهلكة؛ إلا أننا لم نشاهد أي ممرات فارغة أو تكديس للمنتجات. وقد ساهمت عوامل عديدة بتحقيق ذلك، وتشكل رؤية الإمارات للأمن الغذائي القائم على الابتكار أهمها.
فنحن نمتلك إمكانيات وفرصاً هائلة للحصول على الأغذية بفضل الزراعة الحديثة والتجارة العالمية، ولكن لايزال خطر انعدام الأمن الغذائي حقيقة واقعة خصوصاً على الفئات غير المحصنة في مجتمعات الدول المتقدمة والفقيرة على حد سواء. ومع ذلك، فإن استقرار الثروة والاقتصاد في دولة الإمارات العربية المتحدة قد ساهم في خلق مخزون استراتيجي في مختلف السلع الغذائية والاساسية ، الأمر الذي سيضمن خروجنا من هذه الأزمة أقوى من أي وقت مضى.
وتشكل الخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد المتكاملة عنصران رئيسيان في هذه المعادلة. لذلك يجب أن يكون لديك شبكة توزيع فعالة تضمن الوصول المباشر إلى الطرق الرئيسية مع مرافق تخزين قريبة من المطارات والموانئ.
يقع مصنعي الأغذية والمشروبات في قلب حراك الأمن الغذائي القائم على الابتكار في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويعد من بين الأبطال المجهولين في الخطوط الأمامية لمكافحة هذا الفيروس، حيث قامت هذه الشركات بحماية الوظائف والاقتصاد وصحتنا من خلال المساهمة في توفير إمدادات مستقرة من الغذاء الآمن والمغذي في جميع أنحاء المنطقة.
وانطلاقاً من رؤية القيادة الرشيدة الرامية إلى تحقيق اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، لعبت التكنولوجيا والبحث العلمي دوراً رائداً في تحقيق الأمن الغذائي في دولة الإمارات، حيث أظهرت الدولة جاهزية عالية في مجالات الأنظمة الغذائية، وتقود دبي هذا الطريق إقليمياً فيما يتعلق بتبني إنتاج غذائي يعتمد على التكنولوجيا. نحن على أعتاب هذا التحول وأظهرنا القدرة على التغلب على التحديات الزراعية، المتعلقة بالتربة والمياه، من خلال إنشاء بيئات زراعية جديدة.
وقد حفز التقدم العلمي والتكنولوجي على زيادة إنتاج الأغذية غير التقليدية مثل الزراعة المائية والأكوابونيك. وقد تم استخدام هذه الأنظمة المبتكرة لزراعة الطماطم والخيار والفلفل والفراولة على امتداد دول مجلس التعاون الخليجي.
وتطمح دولة الإمارات إلى أن تكون الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2051 من أجل ضمان الأمن الغذائي المستقبلي، حيث أطلقت حكومة دولة الإمارات في العام 2018 الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، التي تم استعراضها من قبل معالي مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري، وزيرة الدولة للأمن الغذائي. ويبرز دورها التزام دولة الإمارات الثابت بضمان حصول جميع المقيمين على أرضها على أغذية كافية وسليمة ومغذية.
كما حلت الإمارات في المركز الـ31 عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي للعام 2018. واستطاعت اليوم أن تقفز إلى المركز 21 ، جنباً إلى جنب مع اليابان، الأمر الذي يعكس التقدم الملحوظ والرؤية الاستشرافية لقادتنا في تعزيز الأمن الغذائي القائم على الابتكار. وعلى الصعيد الوطني، نرى العديد من الأمثلة على الشركات التي تعمل معًا لتعزيز إنتاج الغذاء المعتمد على التكنولوجيا.
وتعد مدينة دبي الصناعية أحد الروافد الداعمة لمستهدفات استراتيجية دبي الصناعية 2030، فنحن نهدف إلى زيادة إنتاج الصناعات الأغذية والمشروبات. ويضم مجتمع الأعمال لدينا أكثر من 80 شريكًا تجاريًا من قطاع الأغذية. ولدينا أيضًا 8.4 مليون قدم مربع من المستودعات القابلة للتطوير بالإضافة إلى 18 مليون قدم مربع من الأراضي الصناعية المتطورة، والتي يمكن استخدامها من قبل قطاع المأكولات والمشروبات. كما تقوم مزارع البادية ببناء أول مزرعة عامودية في المنطقة بسعة إنتاج تصل إلى 3500 كيلوغرام يوميا لأكثر من 30 نوعا من الفاكهة والخضروات يتم زراعتها بشكل مستدام وتوزيعها في السوق المحلي على مدار العام عند تشغيلها. وتستعد شركة Baofeng Grain Mills الصينية لإنتاج 250,000 كيلو جرام من نودلز الأرز الطازج يوميًا في إحدى وحداتنا الصناعية الخفيفة الجاهزة للاستخدام. كما تقوم أنوركا فودز بتصدير القهوة إلى كندا، وتقوم بركات بتوفير منتجاتها من الفواكه والخضروات الطازجة في الأسواق المحلية، بينما تقوم أواسيس كويزينز بتوزيع المخبوزات الطازجة والمنتجات الجاهزة للأكل في جميع أنحاء الدولة.
ومن المهم التأكيد على أن مدينة دبي الصناعية ليست المساهم الوحيد في تعزيز منظومة الأمن الغذائي. فهناك شركات أخرى كشفت أيضاً عن خططًها لبناء مزارع عامودية باستخدام الزراعة المائية، في حين تم تركيب كهوف أسماك اصطناعية في ميناء جميرا للصيد لتجديد الأرصدة السمكية.
نحن نسعى إلى إبقاء مجتمع الأعمال لدينا على اطلاع دائم بأحدث الاتجاهات والتقنيات في مجال الأمن الغذائي، بالإضافة إلى قضايا مهمة أخرى من خلال سلسلة من المحادثات التي يقودها الخبراء وفرص التواصل، مثل DI Talk ، حيث تمكنا من تبادل المعارف والخبرات حول مواضيع مختلفة، كان آخرها حول كيفية تأثير الثورة الصناعية الرابعة على التصنيع والخدمات اللوجستية.
وقد أثرت بشكل كبير تقنيات الذكاء الاصطناعي والأتمتة و”الثورة الصناعية الرابعة على إنتاج الغذاء محليًا وإقليميًا ودوليًا. كما أنها تفرض تغييرات شاملة على الخدمات اللوجستية من خلال إنشاء مستودعات أكثر كفاءة بتقنيات ذكية ومترابطة وأيدي عاملة أقل. وبالنسبة للصناعات التي استفادت بشكل كبير من هذه الأزمة مثل التجارة الإلكترونية وتوصيل الطعام وتسوق البقالة عبر الإنترنت، فإنها ستستفيد بشكل كبير من هذه التغييرات في الأيام المقبلة.
وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتأسيس سلسلة إمدادات غذائية مرنة ترتكز على المعرفة والابتكار. واجتذب نظامنا البيئي المترابط، المدعوم بالبنية التحتية الممتازة والبيئة الصديقة للأعمال، الاستثمارات والمواهب الدولية إلى الإمارات العربية المتحدة. ونجحنا بإنشاء بيئة للشركات الناشئة ورجال الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة لتوسيع نطاق مشاريعهم ونشر أنظمة إنتاج الأغذية المبتكرة مثل الزراعة المائية والزراعة الرأسية والمساهمة في الأمن الغذائي.
وقد استجاب الأبطال المجهولون على الخطوط الأمامية لمحاربة هذا الفيروس بشكل إيجابي للتحدي الحالي، حيث استمر مصنعو الأغذية والمشروبات في حماية الوظائف والاقتصاد ومجتمعاتنا. وقد كفل التزامهم المشترك بالابتكار أن يصبح هذا القطاع الاقتصادي الحيوي العمود الفقري للأمن الغذائي في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة ككل.