“هل يمكن أن تكون زيارتك للطبيب كاملة بدون أن يستخدم سماعته للاستماع إلى قلبك ورئتيك، أو يضغط على أجزاء من بطنك، ويقول لك “افتح فمك وقل آه؟”
لطالما اعتبر روتين الفحص الجسدي جوهر العلاقة بين الطبيب والمريض، وضمانة الراحة والعناية والشفاء من خلال اللمسة البشرية.
وثم جاء الفيروس التاجي (كوفيد-19).
وبينما أُجبر الناس حول العالم على الإغلاق التام، والإلتزام بالتباعد الجسدي والاجتماعي لمواجهة تفشي الوباء، دعت منظمة الصحة العالمية والهيئات الصحية الأخرى إلى اعتماد الطبابة عن بعد لتخفيف التواصل الجسدي بين المرضي ومزودي خدمة الرعاية الطبية، وذلك من أجل الحد من التعرض وانتقال المرض بالإضافة إلى تخصيص وحصر سعة المستشفيات للحالات الصحية الحرجة فقط.
ورغم ان هذا ليس الحل الأمثل فيما يتعلق بالحالات الطارئة، إلا أن الطبابة عن بعد أصبحت بشكل سريع جزءاً أساسياً من الحلول لمواجهة الوباء.
يقول جيجو جايمس، المؤسس المشترك لشركة “InstaPract Health Tech IT Solutions” في حيدثه لدبي للمشاريع الناشئة :” قبل انتشار فيروس كوفيد-19، بدأنا بالتعاون مع مستشفى مقرها دبي ولم تكن تمتلك برنامجاً للطبابة عن بعد.”
أسسها كل من جايمس ومايكل أولوين في عام 2019، تسمح منصة الطبابة عن بعد ذات العلامة البيضاء “InstaPract” للمستشفيات والعيادات ورواد الأعمال بإجراء جلسات استشارات طبية عبر الفيديو متوافقة مع قانون إخضاع التأمين الصحي لقابلية النقل والمحاسبة لعام 1996 (HIPAA)، مع إمكانية الدفع إلكترونياً أو من خلال الهواتف النقالة لأبل واندرويد. وتلتزم المنصة بأعلى المعايير العالمية لنقل البيانات الطبية والإدارية بين البرامج والتطبيقات ومنها (Health Level Seven “HL7v2”) و (Fast Healthcare Interoperability Resources “FHIR”) لضمان قابلية تبادل البيانات الصحية.
وقامت هيئة الصحة في دبي مع تفشي فيروس (كوفيد-19) في بداية الجائحة بإيقاف جميع الجراحات الاختيارية والعلاج الطبيعي وجلسات الطب البديل ضمن الإجراءات الوقائية والاحترازية. وطلبت الهيئة من المستشفيات آنذاك استخدام العلاج عن بعد لاستشارات الأمراض المزمنة كالقلب والضغط وغيرها. وقد سمح آنذاك بدخول المستشفى فقط للمرضى الذين يعانون من أمراض حادة أو الذين يحتاجون لجراحات ضرورية.
يقول جايمس أن المستشفى التي كانوا قد تعاقدوا معها في دبي سجلت عبر منصة “InstaPract” للطبابة عن بعد أكثر من 700 جلسة استشارات طبية افتراضية بنجاح في غضون أربعة أسابيع فقط على تطبيقها.
يضيف جايمس:” المرضى الذين استخدموا المنصة حصلوا على استشارات من أطباء الرعاية الصحية الأولية والأطفال والجلد والأمراض المزمنة وجلسات متابعة بعد الجراحات البسيطة.”
وكانت الطبابة عن بعد متاحة منذ سنوات ولكنها لم تحظ بالاهتمام الشعبي، ولكن مع النجاح الذي حققته في فترة انتشار الوباء التاجي، فإنه أصبح من المؤكد أن تصبح الطبابة عن بعد جزءاً من المستقبل كما يتوقع جايمس، وخصوصاً الجلسات الروتينية حيث أصبح المزيد من المرضى يفضلون الاستشارات الإلكترونية بدلاً من الانتظار في عيادات الأطباء.
يضيف جايمس:” أصبح المفهوم أكثر أهمية اليوم للمستشفيات التي توفر هذه الخدمة. وفي السنوات الأخيرة، كان هناك تحول تدريجي لصالحها. المرضى اليوم باتوا أكثر إصراراً وحثاً للمستشفيات والعيادات على اعتماد الزيارات الافتراضية. وكل الحالمين الذين كانوا في السابق غير مقتنعين بنجاح هذا النموذج أو حتى عدم قدرة الطبابة عن بعد على در عائد على الاستثمار، بدأوا اليوم يعيدون النظر بذلك ووصلوا لقناعة بأن العيادات من دون هذه المنصات الرقمية، ستخرج من المنافسة.”
وقد جاء التعاون بين “InstaPract” وشركائها من المستشفيات في دولة الإمارات كنتيجة لانخراطها في برنامج “شراكات الأعمال” التابع لدبي للمشاريع الناشئة، منصة غرفة دبي لدعم رواد الأعمال والمشاريع الناشئة، حسبما قال أولوين.
يضيف قائلاً:” لقد قاموا في دبي للمشاريع الناشئة بتعريفنا بالأشخاص الملائمين مما ساهم في توسيع شبكة علاقاتنا بسرعة أكثر مما تخيلنا.”
ومع الضغط الذي يحدثه الوباء على الشركات الراغبة بإيجاد حلول سريعة للتحديات التي تواجهها، يلعب برنامج “شراكات الأعمال” التابع لدبي للمشاريع الناشئة دوراً أساسياً في مساعدة الشركات الكبيرة في التعرف على شركات ناشئة مبتكرة تساعدها في تذليل التحديات التي تواجه دورة أعمالها. ويعتبر البرنامج منصة فريدة تسهل التعاون والشراكات بين الشركات الناشئة المبدعة والشركات الكبيرة في وجه التحديات، وتخلق قيمة لعملياتها وتوفر لها خيارات جديدة لمساعدتها على النمو والنجاح.
ويسمح برنامج “شبكة شراكات الأعمال” بوصل الشركات الكبيرة مع أصحاب المشاريع الناشئة بهدف إنشاء شراكات مربحة عبر تعاون مشترك. ويمكّن هذا البرنامج أصحاب المشاريع الناشئة من اكتساب مميزات عدة من المشاركة فيه مثل تطوير مشاريعهم حيث أنهم سيعملون مع إحدى هذه الشركات وسيكتسبون الخبرة والمهارات اللازمة للعمل على تطوير مشاريعهم الخاصة، وتطبيق أفكارهم على تحديات الشركات الكبيرة، في حين يوفر هذا البرنامج للشركات الكبيرة دفعة نحو التغيير المبتكر في جوهر عمل المؤسسة.
ويقول أولوين أن الأحداث المتسارعة التي أحدثها الوباء قد خلقت كذلك وعياً إيجابياً حول الطبابة عن بعد بين المهنيين الطبيين، حيث شمل ذلك أخيراً تغير النظرة تجاه هذا التحول وخصوصاً بين الذين كانوا مشككين بهذا التوجه ويفضلون الاستشارات الطبية المباشرة الشخصية.
يضيف قائلاً:” لقد غّير فيروس (كوفيد-19) وجه الرعاية الطبية في العالم.”
وبالطبع فإن النظرة المتفائلة حول الزيارات الافتراضية الطبية لا تخلو من التحديات.
يقول أولوين:” سداد التأمين الطبي للطبابة عن بعد شكل أحد التحديات الرئيسية، ولكننا بتنا نلاحظ المزيد والمزيد من شركات التأمين التي بدأت بتغطية الاستشارات عن بعد في الفترة الحالية.”
وأوضح أولوين إن هذه التحديات توفر كذلك مجالاً جديداً من الفرص غير المحدودة للشركات الناشئة خصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات. فبعد كل هذه التغيرات، بإمكانك عند رؤية الطبيب عبر التطبيق أن تفتح فمك وتقول اليوم “آه آه” وكأنك أمامه تماماً.”