يشهد العالم تغيراً سريعاً وغير مسبوق بكيفية اختيار المنتجات والخدمات التي نستخدمها والأهداف التي نريد تحقيقها من خلال هذه المنتجات والمنهجية التي نتبعها من أجل ذلك.
ويقوم العديد من الناس حول العالم بإجراءات الحجر الصحي أو العزل الذاتي. وفي حين أدّى ذلك إلى انخفاض السفريات اليومية والتفاعلات الخدمية، إلاّ أنه بالمقابل أدى إلى ازدهار الطلبات عبر الإنترنت واستخدام الاتصالات الرقمية والترفيه المنزلي. ولقد شهدنا العديد من التغييرات الجذرية في حياتنا اليومية، كما أننا بدأنا باستخدام منتجات وخدمات جديدة وتخلينا عن منتجات وخدمات سابقة لم تعد ذات فائدة في هذا الظرف الراهن.
انعكاس كيفية تفاعل الشركات مع الوضع على تغيّر عملائها
في هذه الحقبة الجديدة، تجد الشركات نفسها مضطرة لإعادة توجيه منتجاتها وخدماتها واتصالاتها بما يتلاءم مع الوضع الذي فرضته جائحة كوفيد-19. فلم يعد الخيار مفتوحاً أمام الشركات بمواصلة الأيام السابقة نفسها (ما قبل الجائحة)، بل يجب عليها أن تتأقلم وتتكيف حيثما يتطلب الأمر، من أجل ضمان استمرارها مع العملاء.
والخبر السار في الشرق الأوسط أن العديد من الشركات قد تكيفت بسرعة مع الوضع الجديد، حيث حصلت العديد من التغيرات فيما يتعلق بالخدمات، بدءاً بآليات الدفع عن بعد وتوصيل طلبات الطعام الموضوعة بكيسين وحتى الاستشارات الطبية عبر الهاتف، وإلى صالات اللياقة البدنية التي توفّر صفوفاً وتدريباً شخصياً لعملائها عبر الإنترنت.
وسيتطلّب الخوض في هذه التغييرات بشكلٍ ناجح فهماً واسعاً لكيفية تغيّر احتياجات العملاء، وبالتالي إعادة صياغة مفاهيم خدمات الأعمال لتلبية هذه الاحتياجات.
ومن المهم ألّا تقتصر إعادة صياغة المفاهيم على التفكير بما يتلقاه العملاء فحسب، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار أهمية تقديم خدمات متكاملة. ويتوجب على المؤسسات إجراء تقييم جديّ لنقص العمالة المتوفرة والانقطاع في سلاسل الإمداد وغيرها من الآثار المتوسطة إلى طويلة الأمد، وذلك في حال أرادت تقديم خدماتها الجديدة بشكلٍ فعّال لعملائها.
تحول مبادئ تصميم تجربة المستخدم إلى معيار أكثر قيمة مما كانت عليه سابقاً
يعتبر الفهم الشامل والمتجدد لكلّ من مستخدمي الخدمات ومقدميها السبيل الأساسي للقيام بعمليات التخطيط الضرورية لنجاح الشركات في فترة كوفيد-19 وما بعدها. ويشمل ذلك فهم دوافعهم وقيمهم ومواضع الشكوى لديهم والعوامل العاطفية والوظيفية الأخرى التي ترتبط بقصد أو بغير قصد بنجاح خدمات المؤسسة.
وتبقى المقومات الأساسية لكيفيّة دراسة وفهم هذه العوامل هي ذاتها بشكلٍ عام، حتى خلال الأزمة. ومن المرجح أن تقوم العديد من الشركات التي تتطلع قدماً بالسعي لتحقيق هذه المقومات الأساسية لتمكين أنفسهم من القيام بالأبحاث الضرورية لتبنّي استراتيجياتهم. كما من المحتمل أن تزيد أهمية هذه المقومات الأساسية، حيث تعد الحاجة لاكتساب فهم متطور للمستخدمين المتغيرين بشكلٍ سريع أمراً بالغ الأهمية لنجاح عملية التجديد.
وستتمكن الشركات المزودة بفهم خاص للعملاء من تسخير هذه المعلومات لتساعدها على التأقلم والنجاح. وكما يتفاعل المستخدمون بشكل مختلف، على المؤسسات التصرف بشكلٍ مختلف أيضاً؛ حيث تتغير طريقة استهلاكنا للخدمات، ويجب على الشركات أن تتكيّف بسرعة لتضمن تلبيتها احتياجات المستخدم النهائي.
وقد يتمثل هذا الأمر بالمواضع التي يمكن إضافة قيمة لها، ككيفية جعل رحلة العميل بسيطة وسريعة، وكيفية زيادة ولاء العميل تجاه المؤسسة. وكلّ ذلك يبدأ بفهم واضح وفريد لمعرفة عملاء المؤسسة.
الخطوة التالية
ما زالت طبيعة المشهد التجاري في فترة ما بعد كوفيد-19 غير واضحة المعالم. إلاّ أنه من الواضح على أية حال أن تلك المؤسسات التي استخدمت مبادئ البحث المتعلّق بالمستخدمين بشكلٍ فعّال ستكون في أفضل موقعٍ للبدء ببناء فهمٍ للسلوكيات الجديدة الناشئة لعملائها. وقد تكون هذه السلوكيات متغيرةً وغير ثابتة، وربما تكون قد تغيرت عمّا كانت عليه منذ بضع أشهرٍ مضت.
وبذلك، يمكن القول أنّ التغيرات التي حصلت فجأة في نمط حياتنا، والتي غيّرت الطريقة التي نستهلك فيها المنتجات والخدمات بطرقٍ لم نكن لنتخيلها قبل ستة أشهر، قد أصبحت المعايير الجديدة. ويجب اعتبار هذه المبادئ جزءاً أساسياً من مجموعة الأدوات الاستراتيجية، حتى بالنسبة للشركات التي تعتبر أنها تحظى بأفضلية في مرحلة ما بعد كوفيد-19.
وبينما نتطلع إلى الوضع الجديد بعد زوال الجائحة، من المؤكد أنّه سيبقى هنالك أثرٌ دائم على سلوك المستخدمين. ولا تكشف الأزمة عن نقاط ضعف الشركات فحسب، بل تسلّط الضوء على الفرص لإجراء تحسينات وإعادة تقييم فيها. وفي نهاية المطاف، ستتمكن المؤسسات من الخروج من هذه الفترة وهي أكثر قوّة، مع فهمٍ متجدد لسلوك المستخدمين، الأمر الذي أتاح لهم مستوى جديد كلياً من قدرات إعادة التشكيل والابتكار.