بقلم: توم دي وايلي شريكٌ في شركة “بين آند كومباني” والمدير الإداري في مكتبها في الشرق الأوسط.
ليست أزمة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) كأي من الأزمات التي شهدها العالم منذ أجيال، ومن غير المعروف متى تنتهي. كما أدّت عملية التخفيف من سرعة انتشار الوباء بحد ذاتها إلى تعطيل نواحي عديدة من أوجه الحياة، فساد القلق بين الزبائن والموظفين الذين باتوا يبحثون عن تطمينات ودعم مع تغيّر احتياجاتهم بشكل جذري. يقع على عاتق شركات المنتجات الاستهلاكية مسؤولية توفير ذلك، إذ تعدّ حماية الأفراد من الموظفين والشركاء والزبائن وغيرهم أولوية لها، في سعيها إلى توفير السلع كالمعتاد وقدر الإمكان في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
وبغض النظر عن الخسائر البشرية المتزايدة نتيجة لتفشي هذا الوباء، بات واضحًا أن العواقب ستكون كبيرة على الجانب الاقتصادي. وإذا كنت مديرًا تنفيذيًا في إحدى شركات المنتجات الاستهلاكية أو جزءًا من الفريق الإداري فيها، فاعلم أن جهود الموظفين وولاء الزبائن أساسيان في تخطي الشركة للأزمة. وبناءً عليه، يتعيّن عليك أولاً القيام بكل ما هو ممكن من أجل التأكد من توفير الرعاية اللازمة لهم.
إن هذا المبدأ من أبرز أولويات خطة العمل أدناه. إنه الوقت المناسب للتفكير بما ستؤول إليه الأمور في المستقبل وكيفية تبدّل حياة الموظفين والزبائن وبما يتحتم على شركات السلع الاستهلاكية فعله لتلبية احتياجاتهم الجديدة.
تتضمن التغييرات التشغيلية المتعددة المسائل العاجلة والشاملة المتعلقة باستمرارية التوريد والتوزيع والخدمات اللوجستية وتطوير العلاقات مع الزبائن، وأمور أخرى. يؤكد تفشي الوباء أيضًا على أهمية الإعداد والاستجابة السريعة والتعلم المستمر والتكييف والتواصل في خطة الطوارئ. والأهم من ذلك كله، تبقى سلامة الموظفين والزبائن والشركاء التجاريين في مقدمة الأولويات باستمرار. تتضمن توصياتنا الخطوات التالية لمساعدة فرق القيادة في وضع خطة استجابة متعددة المراحل على المدى القصير.
1. تشكيل فريق الاستجابة للطوارئ وتمكينه
يجب تشكيل فريق متعدد الوظائف للاستجابة للطوارئ فورًا، بحيث يكون تابعًا لمكتب الرئيس التنفيذي والمدير المالي ورئيس إدارة المخاطر، ومن المحتمل أن يجري ذلك في غرفة عمليات افتراضية، نظرًا إلى إغلاق المكاتب وسياسة التباعد الاجتماعي والطبيعة العالمية لفريق العمل. يجب أن يتمكن الفريق من الاتصال مباشرة بالمدراء التنفيذيين الرئيسيين ليتمكن من تقديم توصيات متعددة الوظائف استنادًا إلى التقييم السريع للمخاطر في المجالات الأساسية التي تؤثر على القوى العاملة والعرض والمخزون وثقة المستهلك. كما يجب تحديد المسؤوليات اليومية للفريق بشكل واضح في مجالات ثلاثة: إدارة الاتصالات الداخلية والخارجية متابعة، الاستجابة للطوارئ ومراجعتها وتكييفها، والإبلاغ عن مؤشرات الأداء الرئيسية الداخلية.
تشكيل فرق محلية للاستجابة للطوارئ حيثما يكون ذلك مناسبًا (حسب المنطقة مثلاً أو البلد أو وحدة الأعمال أو منشأة التصنيع أو مركز التوزيع أو الوظيفة). كما يجب أن يعمل شخص واحد على الأقل بدوام كامل لإجراء مسح للمعلومات حول انتشار الفيروس وتأثيره على طلب وردود فعل تجّار التجزئة والإجراءات التي تتخذها شركات المنتجات الاستهلاكية الأخرى.
2. وضع حماية الأشخاص على رأس الأولويات
يجب على الشركات حماية موظفيها وزبائنها ومورديها وشركائها الآخرين من خلال التواصل مع السلطات المحلية ونقل توصياتها بسرعة داخل المؤسسة لضمان الامتثال لأحدث الإرشادات.
كما يجب تحديد وتعيين البديل عن المدراء التنفيذيين أو مدراء الأقسام. ففي حال إصابة أحدهم، يمكن للشخص الآخر أن يشغل محله. إضافة الى إلغاء التجمعات التي يشارك فيها 20 شخصًا أو أكثر والتي لا أهمية تشغيلية لها، وتلبية متطلبات العمل من المنزل، مع ضمان وجود حلول تقنية ليتمكن الموظفون من العمل عن بعد.
التخفيف من رحلات السفر غير الضرورية أو الغاءها بما في ذلك زيارات جهات خارجية إلى مكتبك، والاعتماد على المكالمات أو المؤتمرات عن بعد بدلاً من زيارة العملاء (كمسؤولي الحسابات) وللعاملين في مجال المبيعات إن لم تكن زيارة المتجر ضرورية.
3. مراجعة خطة الإنتاج وإدارة المخزون وتكييفهما
تحديد الحلقات الأضعف في سلسلة الإمداد من حيث المرونة – القوى العاملة والمواد الخام والتعبئة والتغليف والمستودعات واللوازم الصحية والنقل – ومعالجتها حسب الأولوية. وبناءً على ذلك، يمكن تعديل خطط الإنتاج بسرعة استنادًا إلى أنواع المنتجات المتاحة. تكثيف العمل على الأنواع ذات الطلب المرتفع، وتخفيف التركيز على الفئات التي تشهد أو يُتوقع أن تشهد انخفاضًا مؤقتًا في الطلب.
النظر في تنويع التصنيع باعتباره من الإجراءات اللازمة لموازنة المخاطر. تقسيم الإنتاج بين البلدان والمصانع والفرق، بما يضمن، في حالات التفشي الوباء أو انتشاره، تنفيذ المهام الرئيسية دون توقف. التواصل الدائم مع موردي المواد الخام، والتنبّه لزيادة أوقات التنفيذ. وضع خطط طوارئ بديلة للمواد الخام أو مصادر التوريد (أو العمل على توفّر المواد قبل الإنتاج) تحسبًا لتوقف منشآت إنتاج المواد الخام.
4. تفعيل المرونة اللوجستية ودعمها
التواصل مع السلطات المعنية لمعرفة المناطق التي قد يتم إغلاقها وكيفية التوصيل إليها. مراجعة خطة النقل والتسليم مع التركيز على تقريب المخزون من المتاجر قدر الإمكان. قد تحتاج إلى تبديل أسلوب العمل بشكل كامل، من خلال التسليم المباشر إلى التاجر بدلاً من مراكز التوزيع على سبيل المثال.
تحرير سعة الشحن من خلال إيقاف عمليات التسليم المخطط لها للفئات غير الأساسية من المنتجات واعتماد الحد الأدنى من طاقة الشحن. وإذا كان هناك نقص في السعة، فاعمل مع تجار التجزئة على معرفة ما إذا كان هناك فرصة للنقل على المدى القريب. اعمل مع مزوّدي الخدمات اللوجستية، أو حتى مع المنافسين، للاستفادة من السعة المشتركة، وابحث عن مزودي الخدمات اللوجستية عند الطلب أو خيارات التوزيع المرنة والتي تشمل خيار “الأقل من حمولة الشاحنة”.
5. البقاء إلى جانب العملاء للإستجابة
تحويل تركيز إدارة الحسابات الرئيسية من مفاوضات الشراء التقليدية إلى ضمان استمرارية التوريد. وبالنسبة للفئات والعملاء الأكثر أهمية، قد يعني هذا تقديم تنازلات مؤقتة، مثل تخفيف شروط الحسابات المستحقة القبض. وبالنسبة لبائعي التجزئة، فهذا قد يعني التكيف مع الإجراءات القصيرة المدى، مثل رفع الغرامات المتعلقة بالتسليم الكامل في الوقت المحدد. العمل ضمن فرق مرنة ومتعددة الوظائف (افتراضياً إذا أصبح التواجد الشخصي مستحيلاً) لحل المشاكل والتخلص من المعوقات وتقديم حلول مبتكرة ومفيدة للعملاء.
البيع بالتجزئة عبر الإنترنت أمر أساسي ومهم جداً. من المرجح أن تبقى الفئات التي يتم تحويلها والعمل بها على الإنترنت خلال فترة انتشار الوباء على هذا النحو لفترة ما بعد الوباء. وهذا يعني التحول نحو أحجام عبواتٍ ملائمة للبيع عبر الإنترنت. بالإضافة الى ذلك، يجب تخصيص الوقت والجهد اللذين تكرّسهما عادة لمحادثات التسعير والترويج ليشملا مجالات أوسع تركز على العرض. ومن الممكن أن يؤدي القيام بما يلزم لمساعدة تجار التجزئة الأكثر عرضة للمخاطر على الحفاظ على المخزون أثناء الأزمة إلى المحافظة على العلاقة مع العملاء مستقبلاً.
6. تكييف أساليب التسويق وتوجيه الرسائل
يساعد التقليل من التركيز على الإنفاق والأنشطة التسويقية غير الجوهرية لمهام الشركة في تركيز الميزانية بشكل أكبر على الأنشطة الجوهرية وإدخال تحسينات قصيرة الأجل على النقد ورأس المال العامل. ومن المهم أيضاً تكييف المحتوى والرسائل من حيث التوقيت والملاءمة مع الوباء. يمكن لتوجيه رسائل حول الصحة والسلامة العامة، حتى ولو لم يكن ذلك ضمن مجال اختصاصك، أن يشير إلى الالتزام تجاه المستهلكين. يضاف ذلك إلى إلغاء الحملات التي لن تلقى آذانًا صاغية في ظل الأزمة والتي تُضر بالقيمة السوقيّة.
7. مراقبة التدفق النقدي ورأس المال وعمليات الدمج والاستحواذ
إن إدارة رأس المال العامل عن كثب وتقييم الإنفاق الرأس مالي بهدف خفض الانفاق على المشاريع غير الأساسية أو الإستراتيجية أو تأجيلها ضرورة في أوقات الأزمات بالنسبة لشركات المنتجات الاستهلاكية كافة، إذ من الممكن أن تبرز الحاجة الى تثبيت الإنفاق في جميع المجالات. هناك مجموعة من التحسينات المتعلقة برأس المال العامل، كتدابير تسريع عمليات تحويل النقد – كرفع معدل دوران المخزون من خلال خفض سعر الربح على السلع ذات الطلب الضعيف. يمكن للشركات، عند الضرورة، خفض الأكلاف غير المباشرة عن طريق إلغاء التدريب الذي لا يشكل ضرورة تشغيلية وخفض الإنفاق التسويقي في المجالات ذات الصلة.
8. التواصل والتعاون
تلعب شركات المنتجات الاستهلاكية دورًا حيويًا في دعم المجتمع خلال الأزمات، كأزمة انتشار فيروس كورونا المستجد. ومن الضروري أن يحافظ كبار الموظفين التنفيذيين على خطوط اتصال مفتوحة مع السلطات في الأسواق التي يعملون فيها. وهذا يعني البقاء على اطلاع بأحدث المستجدات حول ما تنوي الحكومة القيام به للحد من الشراء بدافع الهلع والخوف من نقص السلع، أو الإغلاق المحتمل للمناطق والذي قد يشمل القيود اللوجستية لاحقًا. يمكن أن تدل هذه الجهود على حسن النية عندما تكون المنتجات متاحة رغم الظروف الصعبة. ومع ذلك، يمكن أن يكون الضرر كبيرًا على سمعة الشركات في حال لم تلتزم بالإجراءات الاحتياطية والمبادئ التوجيهية الصحية التي أوصت بها السلطات.
يرغب جميع الموظفين من أكبرهم إلى أصغرهم بسماع الأخبار الداخلية المهمة من إدارتهم بشكل مباشر، بدلاً من الاستماع للشائعات. يجب على التواصل الآيل إلى طمأنة القوى العاملة حول السلامة أن يكون مفصلاً لا أن يتطرّق إلى العموميات، وأن يسلّط الضوء على التدابير الملموسة المتخذة لحماية الموظفين. يريد الموظفون أن يشعروا بأن الشركة تهتم بكلفة الوباء على الأفراد.
9.انظر إلى ما هو أبعد من العمل
يعدّ التبرع للمستشفيات والمؤسسات الطبية من أبسط الأنشطة وأكثرها شيوعًا. يمكن للعلامات التجارية تسخير مواردها وقدراتها في توفير دعم ملموس والإغاثة في حالات الكوارث. يمكن لشركات السلع الاستهلاكية أن تتصدّر بوضوح عملية الاستجابة السريعة للأزمات، كما يمكن لمساهمتها الإيجابية هذه أن تعزّز الولاء لها وقيمتها السوقية على المدى الطويل.
الطريق نحو التعافي
قد يكون من الصعب مواكبة التحديات العاجلة في الأوقات الحرجة، فكيف بالأحرى الاستمرار في التركيز على المديَين المتوسط والبعيد. ومع ذلك، تدرك الفرق الإدارية في شركات السلع الاستهلاكية أنها غير قادرة على التغاضي عن أهدافها الأوسع نطاقاً في ظل الظروف المضطربة التي يتسبب بها وباء كورونا، وأنه عليها التخطيط للتعافي بعد انتهاء الأزمة. إن تخفيف الموارد وفرق إدارة الأزمة يتمّ على نحوٍ تدريجي، وذلك بعد التقييم ومراجعة الدروس. عندها قُم بتطوير مقاربة لاعتمادها في أزمات مشابهة في المستقبل آخذاً بالاعتبار سرعه تفعيل فريق الاستجابة للطوارئ. طريق التعافي هذا يجب أن يتضمّن خطة جديدة للعام 2020 مع أهداف وميزانيات وتوقعات وخطط تشغيلية جديدة.