المتحدث : أنوار بوركادي إدريسي، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة إيدنرد الإمارات العربية المتحدة
شهد قطاع المدفوعات نموًا سريعُا وتغيرًا مستمرًا على مدى السنوات القليلة الماضية، وتشير كافة الدلائل إلى أنه سيتغير بشكل أسرع في عام 2020. فمع زيادة تدفق الاستثمار إلى القطاع، لا توجد أي مؤشرات على أن الابتكار سيواجه أي تباطؤ على الإطلاق. فمن الإحلال الرقمي إلى سباق الابتكار، أصبح من المهم أكثر فأكثر للمؤسسات والشركات أن تتغير وتتكيف بشكل استباقي في سوق لا يتوقف أبدًا عن التطور.
ومع تواجد 51٪ من سكان العالم على الإنترنت حاليًا، وأكثر من 8 مليار اشتراك على الهواتف المحمولة في جميع أنحاء العالم، تزايدت أهمية التحول إلى الخدمات الرقمية، خاصة الآن ونحن على مشارف عام 2020. تشير تقارير إحصاءات الوسائط الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2019 إلى وجود 8.75 مليون مستخدم نشط للإنترنت على الهاتف المحمول في الإمارات. أما عبر المنطقة ككل، فتبلغ نسبة مستخدمي الإنترنت 99٪، بينما تصل نسبة مستخدمي الإنترنت على الهاتف المحمول في الإمارات إلى 91٪، مما يضع الدولة على رأس المقدمة في سباق الرقمنة.
وبسبب هذا التطور السريع، بدأ المزيد من المستهلكين في التوجه إلى الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول كخيار رئيسي. ونظرًا لأن أكثر من 60٪ من السكان العاملين في الإمارات العربية المتحدة يقعون خارج إطار النظام المالي الحالي، خاصة في مجالات التصنيع والتجارة والأغذية والمشروبات والبناء، فمن المهم جدًا إيجاد حلول لتلبية متطلبات هذا السوق أيضًا.
يُعدّ إكسبو 2020 ومشاريع البنية التحتية التي تقودها الحكومة بعض أهم العوامل الرئيسية التي تدفع وتعزز نمو سوق البناء في الإمارات، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه على مدار العامين المقبلين. في الواقع، من المتوقع أن تستضيف البلاد ما بين 40 إلى 50 مليون زائر في عام 2020، مما سيساهم بشكل كبير في تحويل تركيز الدولة على قطاعات البناء والتجزئة والضيافة والسياحة.
تشمل بعض الاتجاهات الرئيسية التي ستشهدها الشركات في الإمارات العربية المتحدة بصورة متزايدة مع انتقالنا إلى عام 2020 ما يلي:
الاتجاه الأول: التوجه نحو مجتمع رقمي
لا تؤدي الابتكارات في تكنولوجيا المستهلكين وتصاعد نمو قطاع “فينتيك“، وهو القطاع الاقتصادي الذي يشمل معظم الشركات التي تستخدم التكنولوجيات الحديثة لتقديم خدمات وحلول مبتكرة فيما يخص الخدمات المالية، إلى تحفيز تبني المدفوعات الإلكترونية فقط، بل إلى تغيير وجه قطاع الخدمات المالية مما يؤدي إلى الابتكار والكفاءة وزيادة الإدماج المالي.
وفقًا لتقرير شركة جونيبر ريسيرتش، بلغت المدفوعات الرقمية 3.9 تريليون دولار في عام 2017، أي بزيادة قدرها 14٪ عن العام السابق.
يشجع الانتقال إلى المجتمع الرقمي البنوك والتجار على اعتماد حلول آمنة للمدفوعات الرقمية لتحسين النتائج النهائية. وهنا، تبرز أهمية وميزة التجارة الإلكترونية متعددة القنوات التي توفر إمكانية الدفع بسلاسة بغض النظر عن الطريقة التي يختارها المستهلك، سواء الدفع في المتجر أو عبر الإنترنت أو عبر جهاز محمول. ومن خلال تسهيل المدفوعات غير التلامسية وإطلاق خدمات الدفع المختلفة عبر الهواتف النقالة في دولة الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك مدفوعات سامسونح وأبل وجوحل، يؤكد مساعي الدولة الحثيثة على أن تكون سباقة للحاق بركب ثورة فيتنك القادمة.
أما في عام 2020، فستقود اتجاهات المدفوعات القطاع نحو اتجاه أكثر تركيزًا على المستهلك، مع اعتماد دفعات أسهل وأكثر ملاءمة.
وإلى جانب المدفوعات الرقمية، يأخذ موقف العملاء تجاه الخدمات المصرفية في التطور بشكل عام، إذ يتطلب العملاء الآن خدمات أكثر من المصارف، بما في ذلك إمكانية إجراء المعاملات البنكية المطلوبة على الهواتف المحمولة بدلاً من الحاجة إلى الذهاب إلى أحد فروع المصرف، مما أدى بدوره إلى ظهور لاعبين جدد على الساحة والنجاح بسد الفجوة. في الواقع، تضم دولة الإمارات العربية المتحدة ثلث الشركات الناشئة في مجال فينتيك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن يصل عدد الشركات في المنطقة إلى 1845 بحلول عام 2022.
ومع ذلك، وعلى الرغم من بزوع فينتيك، لا يزال النقد هو وسيلة الدفع المفضلة في الإمارات العربية المتحدة، حيث مثل 82٪ من إجمالي حجم معاملات الدفع في عام 2018. لا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر دولة نقدية، على الرغم من أن بطاقات الدفع أصبحت الآن سلعة متوفرة، نتيجة لتواجد قطاعات اقتصادية ومجموعات كبيرة من الأفراد داخل الدولة ممن يستخدمون الأوراق النقدية ويعتمدون عليها بشدة، إذ توضح الأرقام الحالية أن 75٪ من المدفوعات في الإمارات العربية المتحدة لا تزال تتم باستخدام النقد.
تشمل فئة الأشخاص الذين يفضلون التعامل مع المدفوعات نقدًا العمال ذوي الدخل المنخفض، والعاملين في المجالات الخيرية، وسائقي سيارات الأجرة، والاشخاص الذين لا يمتكلون حسابات مصرفية أو بطاقات ائتمان. ولكن الأمر لا ينحصر عليهم، إذ أن هناك أيضًا بعض الشركات الصغيرة مثل تجار التجزئة المحليين والمطاعم، إذ لا يمكنهم تبرير الرسوم العالية التي تفرضها بطاقات الائتمان على المشتريات الصغيرة.
وفقًا لدراسات شركة إيدنرد لعام 2019، يواصل أكثر من 65٪ من المستخدمين في الإمارات في قطاع الصناعة، التجارة، وقطاع البناء، سحب ما معدله 80٪ من رواتبهم باستخدام بطاقات الرواتب الخاصة بهم، وهو ما يبرز الحاجة إلى مزيد من التعليم حول الإمكانيات التي توفرها المدفوعات الرقمية والفوائد والمزايا المرتبطة بها، والتي يمكن تحقيقها بسلاسة وسهولة عند اعتماد التكنولوجيا الجديدة.
الاتجاه الثاني: التركيز على اسبتقاء الموظفين وتعزيز مشاركتهم
يظل استبقاء الموظفين في صدارة القائمة كأحد الأولويات الرئيسية للشركات، وأحد الفرص الرئيسية لتحقيق ذلك هو تعزيز المشاركة بين الموظفين عن طريق إضافة الحوافز والمزايا النقدية لحزم الرواتب العادية. لقد أصبح من المهم جدًا بالنسبة للمؤسسات أن تحرص على سعادة الموظفين وجعل حياتهم أكثر سهولة، ومساعدتهم على زيادة قوتهم الشرائية في عدد من المجالات، بما في ذلك الوجبات أو النقل أو الرعاية الصحية أو التدريب أو المنتجات الصديقة للبيئة أو الخدمات الإنسانية.
حاليًا، لا يتمتع العمال ذوو الدخل المنخفض في دولة الإمارات العربية المتحدة بفرص الحصول على القروض أو سُلف الرواتب، ويمكنهم الوصول إلى أموالهم عبر بطاقات الرواتب الصادرة من خلال نظام حماية الأجور (WPS)، وهو النظام الذي قدمته الحكومة في عام 2009 لحماية مرتبات العمال. بموجب هذا النظام، يتلقى الموظفون بطاقات الرواتب، والتي يقوم أصحاب العمل بدفع الأجور عليها.
إلا أنه، خاصة مع تواجد الحلول المصرفية الإلكترونية التي تقدمها نخبة من المؤسسات، يمكن لأصحاب العمل معالجة الأجور بسهولة من خلال الأدوات الخاصة بشركاتهم وتزويد موظفيهم بحلول أفضل بكثير تتجاوز ما تقدمه لهم بطاقة الراتب. يتيح تطبيق الهاتف المحمول المرتبط ببطاقة الموظف الخاصة به الفرصة لإدارة شؤونه المالية، وإرسال الأموال إلى الوطن بأمان وبسرعة، وتلقي سلفة على الراتب، وحتى الادخار. هذه طريقة رائعة ومواتية تستطيع الشركات من خلالها تمكين عمالها مالياً وتعزيز حدتها التنافسية بصورة أفضل. ومع استمرار اعتماد المدفوعات الرقمية وتطوّرها، ستبدأ ميزات هذه الحلول الجديدة في الظهور بشكل أفضل خاصة مع النمو الملحوظ لشركات فينتيك الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة في الإمارات العربية المتحدة.
الاتجاه الثالث: حل دفع واحد/ نظام إدارة الموارد البشرية الشامل
بالإضافة إلى إدارة رواتب الموظفين، تحرص المؤسسات على اعتماد حل موارد بشرية متكامل وسهل الاستخدام للمساعدة في أتمتة جميع العمليات اليدوية. تسارع المؤسسات إلى تبني حل واحد للموارد البشرية يشمل إدارة الإجازات، والتوظيف، والأداء، والرواتب، والتأمين، وذلك من خلال تبني نظام إدارة شامل للموارد البشرية قائم على السحابة لمعالجة كشوفات المرتبات، وخدمات إدارة المواهب.
مكنت التكنولوجيا الحديثة المؤسسات من إدارة الوقت والأجور والإجازات والأداء بفعالية واستخلاص رؤى قابلة للتنفيذ، وقد أدى ذلك إلى زيادة الإنتاجية والكفاءة، مما يسمح لإدارات الموارد البشرية بالتركيز على المهام ذات القيمة المضافة والمهمة للشركات. بالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه الحلول المؤسسات في الوصول إلى رؤى تفصيلية أثبتت بالفعل جدواها في التنبؤ والميزانية، التحليل والتدقيق ومراجعة الحسابات. ومن خلال عدد من أدوات تصور البيانات، يمكن للإدارات المالية إدارة رأس مالها العامل بشكل أفضل وإعداد الشركات لتحقيق النجاح في المستقبل.
تُعتبر حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة أول من يشجع التكنولوجيا الجديدة والمبادرة بوضع معايير جديدة لتقديم الخدمات في الدولة، متيحة بذلك أدوات فريدة للمقيمين والمواطنين لإدارة أعمالهم الورقية ودفع فواتيرهم وتجديد التراخيص وعقود الإيجار. ولمواكبة هذا، يحتاج مقدمو الخدمات إلى تلبية هذا المستوى من التوقعات من الشركات والمستهلكين عند إطلاق أي خدمات أو ميزات جديدة. يقع رضا العملاء في قلب المبادرات الحكومية، وسوف يلعب إكسبو 2020 دورًا كبيرًا في الإعلان عن التكنولوجيات الجديدة والترويج لها.