محمد الرشيدي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة One Global
مواطن كويتيّ الجنسية أحدث ثورة في مجال التحول الرقمي مما أثر على المشهد العالمي بأسره
بقلم: آبي سام توماس
بعد مرور دقائق قليلة من حديثي مع محمد الرشيدي، مؤسس شركة ون جلوبال(One Global) والرئيس التنفيذي لها، واجهت صعوبة في متابعة وتقفي آثار مسيرته المهنية حتى الآن، وذلك لأن رائد الأعمال الكويتي المغامر هذا قد أنجز وحقق الكثير في العديد من المجالات المختلفة والمتنوعة التي لا يسع المرء المساعدة فيها جميعًا فلا يكون بمقدوره إلا أن يتساءل عما يفعله الآخرون في حياتنا.
فبدأ الرشيدي من العمل في قطاعات متنوعة مثل الاتصالات، والتكنولوجيا المالية، وغير ذلك المزيد، وصولًا إطلاق وقيادة العديد من الشركات الناشئة في الكويت، وهو الحائز على جائزة الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية ضمن جوائز Entrepreneur Middle East لعام 2019، في حفل توزيع الجوائز Agility Awards، حيث أنّ الرشيدي يُعد ممن يُحيون نبض ساحة ريادة الأعمال في الشرق الأوسط لفترة طويلة في الوقت الراهن، ولا تظهر عليه أي علامات الرغبة في التباطؤ في أي وقت قريب.
بدأت شركة ون جلوبال، والتي وصفها الرشيدي بأنها شركة ابتكار وتحول في المجال الرقمي، عملياتها في عام 2004، وهي اليوم تفتخر بشهرة عالمية في أكثر من 16 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. وتندرج عروضها ضمن نطاق الاقتصاد الرقمي، والتي تشمل كل شيء بدءًا من تمويل سلسلة التوريد وعمليات التوزيع، والمشتريات، وقبول المدفوعات وجمعها، وأتمتة تسوية المدفوعات إلى الحسابات المصرفية والبطاقات والمحافظ وغير ذلك المزيد.
وفي الوقت نفسه، قامت شركة(Og) One Global أيضًا ببناء سوق يوفر إمكانيات وخدمات تسريع عمليات الشركات بأكملها، بما في ذلك الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الكبيرة. مع مجموعة من المشاريع مثل Og Money (خدمات مالية تُستخدم عبر الهاتف المحمول ومنصة للدفع، كانت تُعرف سابقًا باسم PayIt)، وكذلك Og Business (منصة رقمية لقبول وتحصيل المدفوعات)، وغيرها من المؤسسات الرقمية تحت قيادة شركة ون جلوبال، لم يكن من الصعب أن نفهم لماذا تعتبر هذه الشركة المتنوعة نفسها “موفر للحلول المبتكرة بخدماتها الرقمية المتميزة التي ترفع من مستوى الحياة الإنسانية لتتماشى مع التوجهات الرقمية.”
أما بالنسبة للرشيدي نفسه، الذي فاز أيضًا بلقب أفضل مُساهم في مجال التحول الرقمي لهذا العام في حفل توزيع جوائز Fintech Galaxy 2019، FinX Awards، فمن الواضح أنه نفسه موجه للتفكير المستقبلي، وهذا ما يفسر شغفه بما يفعله على أساس يوميّ. وتذكر كيف قام، في عام 2010، بوضع شركته على خارطة الطريق لتصبح الشركة المركزية في مجال التكنولوجيا الرقمية في السنوات العشر التي تلت ذلك، والآن، مع اقترابنا من عام 2020، لا يزال إحساس الرشيدي بالإنجاز واضحًا كما لو أنه يوضح كيف تجاوزت شركة ون جلوبال طموحاتها في تحقيق هذا الهدف الخاص.
“نحن فخورون بأننا مواطنون رقميون اليوم”، وذكر، مشيرًا إلى الطريقة التي اقتطعت بها شركة ون جلوبال مساحة فريدة لنفسها في السوق التكنولوجي في المنطقة من خلال صياغة العديد من ابتكاراتها المستخدمة في المنزل، سواء كان ذلك بتقنية الكلاود، أو من خلال عدد كبير من التطبيقات التي تم تطويرها استنادًا عليها. واليوم، من خلال التعمق الشديد لمشاريعه في مجال الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي، أو من خلال تجاربه في مجال سلسلة الكتل والعملات المعماة، يوضح الرشيدي أنه يريد أن تبقى شركة ون جلوبال دائمًا في الصدارة عندما يتعلق الأمر بالاعتماد على التقنيات الجديدة، فبالتالي يُمكن ضمان استدامة الأعمال على المدى البعيد.
ولكن ليس فقط أرقام العائدات هي التي دفعت الرشيدي إلى رؤيته ومهام شركته، فقد أصبح ذلك جليّا عندما رد على سؤال حول دافعه الشخصي من كل ما وصل إليه مع شركة ون جلوبال. وأوضح “التأثير الاجتماعي”. “فرغبتي هي مُساعدة الأفراد على الحياة بصورةٍ أفضل”. للوهلة الأولى، قد يبدو هذا كأنه تصريح مُبالغ بصورة ما، لكن بالنظر إلى إنجازات الرشيدي وفريق عمله في شركة ون جلوبال على مدار السنوات الماضية سنجد أن ذلك ليس مجرد رد ذُكر دون مُبالاة.
فكر، على سبيل المثال، في جهود الشركة (ونجاحاتها) في مجال المدفوعات عبر الإنترنت من خلال شركة One Global (Og) ، حيث تمكن الرشيدي وفريقه بشكل أساسي من تغيير الطريقة التي ينتهجها الأفراد في ذلك الصدد، حيث كان يتعين عليهم في السابق الانتقال إلى موقع ما لدفع فاتورة بعينها، أما الآن فهم قادرون على القيام بهذه المعاملات من خلال النقر على هواتفهم المحمولة. في الواقع، عندما كشفت شركة ون جلوبال عن سُبل سداد الفواتير وعروض شحن الرصيد على أجهزة بلاك بيري في عام 2009، كان ذلك مفهومًا ثوريًا آنذاك، حيث كانت الشركة الأولى في المنطقة التي أطلقت هذا العرض بالفعل.
وإذا أردنا أن نبحث عن شخص يمكن الإشارة إليه في نهج شركة ون جلوبال فيما يتعلق بهذا التفكير التقدمي في مجال التكنولوجيا، فيجب أن يكون ذلك الشخص هو الرشيدي، لأنه من الواضح أنه هو من يُحدد النهج الخاص بكيفية استمرار مشاريعه ومهام موظفيه. يقول الرشيدي: “من الجيد أن نفعل أمرًا نحن متحمسون له. فنحن نشعر بأننا نستمد قيمتنا من تحسين حياة الأفراد.” يمكن استعراض مثال آخر على كيفية تأثير عروض ون جلوبال على حياة الأشخاص في غزوها للسودان، حيث أطلقت في عام 2009 خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول والتي يطلق عليها اسم الهاتف الصرّاف “Saraf Mobile”
. وهذا النظام الذي يسمح للمستخدمين بإجراء التحويلات وتحرير المدفوعات باستخدام هواتفهم المحمولة، كان بمثابة أداة رئيسية في السوق المالي في السودان، حيث لم يتم استغلال الإمكانيات الكاملة للحوالات المالية المتنقلة في البلاد إلى أن دخلت منصة “Saraf Mobile” في السوق. ولم تكتفي هذه المنصة بأن أصبحت تُستخدم بسرعة من قبل المزيد والمزيد من الأشخاص في السودان، بل إن سياسة “Saraf Mobile” المتمثلة في توظيف أشخاص من المجتمعات المحلية ليكونوا وكلاء لها قد أدت كذلك إلى رفع مستوى معيشة الكثيرين في البلاد. وذكر الرشيدي: “لقد كان اضطرابًا جديدًا تمامًا. وتعلمنا منه كثيرًا في رحلة بناء شركتنا.”
وفي هذه المرحلة، وعلى الرغم من كل الإنجازات التي يمكن للرشيدي أن يُعلن عنها حتى يومنا هذا، من المهم أن نلاحظ أنه كان عليه أن يعاني مرارًا من التحولات والمنعطفات على طول طريقه. وفي حين أن رجال الأعمال في المنطقة اليوم بمقدورهم أن يجدوا الكثير من الدعم لأنفسهم في صورة توجيهات ودعم ماليّ، فإن هذا لم يكن بالتأكيد حالة النظام البيئي عندما بدأ الرشيدي في رحلته لريادة الأعمال. فقد كان عليه أن يمر بكل مرحلة بدءًا من رؤية عملياته تنهار بسبب وجود مشاكل مع الهيئات التنظيمية، إلى إدراك أنّ الابتكارات المُقدمة إلى السوق جاءت، في بعض الأحيان، في وقت مبكر للغاية.
ومع ذلك، فإن كل هذه التجارب التي جعلت من الرشيدي رجل الأعمال المرن الذي نراه اليوم، قد وضعته أيضًا في مكانة يمكنه أن يقدم منها نصائح عملية للشركات الناشئة التي تبدأ في مسارات أعمالها. وذكر الرشيدي عندما طُلب منه ذكر أهم الدروس التي تعلّمها من مساعديه في مجال ريادة الأعمال حتى الآن: “عليك أن تؤمن بموهبتك”. وأتبع ذلك بملاحظة لأولئك الذين يريدون أن يكونوا رجال أعمال، أن يدركوا أنهم لا يحتاجون بالضرورة للانطلاق بأنفسهم لانتهاج طريقة التفكير هذه. يقول: “لا يجب أن تكون رائد أعمال – يمكنك أن تكون موظفًا رائدًا”. “لذا، أَحدِث التغيير داخل لمؤسسة التي تتواجد فيها اليوم، حتى تتمكن من معرفة ما يمكنك القيام به أولاً … فأن تبني أعمالك بمفردك في السوق ليس أمرًا يسيرًا في نهاية المطاف. فذلك يحتاج إلى الكثير من المهارة والموهبة لتحقيقه.”
والآن، بالنظر إلى العقبات المهنية والشخصية التي سيتعين على رواد الأعمال مواجهتها أثناء عملهم في المهن التي يختارونها، يوصي الرشيدي أيضًا بأن يجعلوا من هذه النقطة وسيلة للحصول على الدعم المطلوب. وذكر “اختر الشريك المناسب. فهذا الشريك هو الذي سيظل معك إلى الأبد. لذا، يجب عليك اختيار الشريك المناسب لتقديم الدعم لك – ليس فقط الدعم المالي أو التوجيه في العمل، بل أنه سيُصبح هو أو هي مُدربك ومُعلمك عندما تحتاج إلى التوجيه في الأوقات الصعبة … عليك أن تجد شخصًا يحاول دائمًا دفعك للتقدم، وليس عرقلة تقدمك”. هذه هي الروح التي يدعمها الرشيدي في نصيحته التالية، وهو أمر يذكره جميع المديرين التنفيذيين المتفوقين دائمًا عندما يتعلق الأمر بشرح كيفية عملهم في بناء أعمالهم التجارية الناجحة، وهذا يرجع أساسًا إلى بذل الجهد لبناء فريق قوي ومؤثر لدعم مشروعك.
(وذكر الرشيدي “هذا استثمار من شأنه أن يؤتي ثماره بغزارة”.) عندما يتعلق الأمر بنصيحته النهائية لرواد الأعمال في الكويت والمنطقة وخارجها، ينظر الرشيدي إلى تطور مسيرته المهنية، بالنظر إلى عدد سنوات خبرته، كإشارة إلى ما ينبغي على نظرائه في النظام البيئي أن يستوعبوه بأنفسهم.. “الصبر” كما ذكر الرشيدي. “تحتاج إلى التحلى بالصبر. سيأتي النجاح – على الرغم من كافة الأوقات المظلمة التي قد تجدون أنفسكم في منتصفها، وعلى الرغم من المعارك التي يجب أن تكافحوا بها، وعلى الرغم من التحديات التي يجب عليكم مواجهتها … سيأتي في نهاية المطاف، إذا كان لديك الفريق المناسب، وإذا كان لديك الشريك المناسب، وإذا كنت تؤمن بما تفعله، وكذلك إذا كنت صبورًا. سيأتي في نهاية المطاف.”
وأما بالنسبة للنقطة التالية للرشيدي وهي ون جلوبال، لا يبدو أن رجل الأعمال قد استقر بعد على المرحلة التالية من التطور التي سينتهجها عمله ابتداءً من عام 2020. فمن بين المهام التي تم تحديدها بذل جهد رئيسي لإعادة صياغة العلامات التجارية، مع إنشاء شعار جديد لشركة ون جلوبال، والذي سيصبح بعد ذلك الموضوع الرئيسي الذي تستمد منه جميع الكيانات تحت شعار الشركة هويتها. وعلى الجانب التجاري من الأعمال، يلاحظ الرشيدي أن شركته، بعد أن حققت الأهداف المحددة في خطتها الخاصة بالعشر سنوات السابقة التي امتدت من 2010 إلى 2020، تشرع الآن في وضع استراتيجية جديدة طويلة الأجل لشركة ون جلوبال لتُحدد مسار العمليات حتى عام 2025. وذكر “سنوفر الحياة الذكية بوصفها خدمة، وستكون مهمة شركتنا للسنوات الخمس المقبلة حتى عام 2025“، عندما سُئل عما يترتب على هذه الرؤية الجديدة لشركة ون جلوبال.
يكشف الرشيدي أيضًا عن أن الخطط قد بدأت بالفعل على قدمٍ وساق في مشروعه لإطلاق ما يَدعي أنه سيكون أول “تطبيق فائق” في المنطقة، مثل تطبيق WeChat الرائد في الصين. وأضاف أن شركته تعمل أيضًا على بناء أول سوق للخدمات المالية اللامركزية من نوعه في المنطقة، والذي يساعد، إلى جانب البنوك وغيرها من المؤسسات المالية، المؤسسات على التحول رقميًا، وسوف يعزز أيضا نمو الشركات الناشئة بالسماح لهم بالإسراع في إطلاق خدماتهم المالية الرقمية. وكل هذا هو مجرد عدد قليل من المبادرات العديدة التي يقودها الرشيدي في شركة ون جلوبال، ويبدو أنه يَهدف مرة أخرى إلى القيام بالكثير في فترة زمنية قصيرة نسبيًا – ولكن إذا كان النجاح الذي شهده حتى الآن له أي دلالة، فمن الإنصاف أن نقول إن آفاق مشاريعه الجديدة تبدو جيدة جدًا أيضًا. إلى الأمام وإلى التقدم.