أفـاد معهد المحاسبين القانونيين في انجلترا وويلز ICAEW في أحدث تقاريره للرؤى الاقتصادية، أنه من المرتقب لاقتصاد المملكة العربية السعودية أن يشهد نمواً محدوداً للغاية بحوالي 0.5% في 2019، أي أقل من متوسط 2.2%العام الماضي. وبالرغم من الجهود الحثيثة لتنويع الاقتصاد، ما زال النشاط الاقتصادي في المملكة متأثراً بتمديد اتفاق “أوبك بلس” لتقليص مستويات الإنتاج. ومع ذلك، تقول المؤسسة المتخصصة في المحاسبة والتمويل إن استحداث الوظائف في القطاع الخاص يعتبر أمراً جوهرياً للمملكة العربية السعودية من أجل تحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل.
ويوضح تقرير رؤى اقتصادية: الشرق الأوسط للربع الثالث 2019، الذي شارك في إعداده معهد المحاسبين القانونيين ICAEW و “أكسفورد إيكونوميكس”، أن الاقتصاد السعودي يسير ببطء نحو التنويع الاقتصادي، وتحسين بيئة الأعمال بشكل عام. ونما القطاع الخاص غير النفطي بنسبة 2.3% في الربع الأول من 2019 – وهو الأسرع في ستة أرباع فصلية – كما وصل مؤشر مدراء المشتريات في يونيو إلى أعلى مستوى له منذ ديسمبر 2017. ومع ذلك، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة للتنويع، لا يزال الاقتصاد السعودي مرتبطاً بصورة وثيقة بتطورات قطاع النفط.
وتشير الأرقام الأولية إلى أن الاقتصاد نما بنسبة 1.7% في الربع الأول من 2019، مدعوماً بارتفاع النشاط في القطاعين النفطي وغير النفطي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ومع ذلك، فإن النمو الاقتصادي القوي وارتفاع الإنتاج لم يُترجم بعد إلى نشاط توظيف أكبر في القطاع الخاص. ويذكر التقرير أن مؤشر التوظيف ضمن استطلاع مؤشر مدراء المشتريات ظل قريباً من المستوى المحايد 50 لأكثر من عامين. ويُعزى ذلك جزئياً إلى هوامش الربح المتقلصة، حيث تعاني الشركات من ارتفاع التكاليف وتراجع أسعار البيع، وسط منافسة محتدمة وقوية.
ولطالما اعتمد القطاع الخاص على العمالة الوافدة، والتي شكلت حوالي 80% من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص في 2018. وبينما تدفع الحكومة بسياسات السعودة لمعالجة المستويات المرتفعة من البطالة بين المواطنين، انخفض عدد المغتربين العاملين في القطاع الخاص بشكل كبير، حيث غادر أكثر من 1.2 مليون مغترب سوق العمل منذ نهاية 2016. ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن إجمالي عدد السعوديين العاملين لم يرتفع، بل انخفض في الواقع على أساس سنوي لربعين متتاليين، وتحديداً خلال الربع الأخير من 2018 والأول من 2019، وبنسبة 1.7% و 1.2% على التوالي.
ومن المتوقع أن ينكمش القطاع النفطي بنسبة 1.8% في 2019، وهو أقل بكثير من معدل النمو 2.9% المسجل في 2018، مما يُضعف مساهمته في الاقتصاد. وبحسب تقرير الرؤى الاقتصادية للربع الثالث، بلغ متوسط إنتاج النفط في المملكة العربية السعودية 10.06مليون برميل في اليوم خلال الربع الأول، و 9.78 مليون برميل في اليوم خلال الربع الثاني من 2019، وهو أقل بشكل ملحوظ من متوسط 10.3 مليون برميل في اليوم في 2018. ومع تمديد اتفاق “أوبك بلس” لتقليص الإمدادات بنسبة أكبر خلال الربع الأول من 2020، من غير المرجح أن تتعافى معدلات الإنتاج في النصف الثاني من هذا العام.
وتعمل المملكة العربية السعودية بنشاط لدعم أسعار النفط، وسط مخاوف متزايدة من تدهور ظروف الطلب العالمي، والتي تعكس تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، واحتمال حدوث ركود في الولايات المتحدة العام المقبل. علاوة على ذلك، سيتأثر قطاع النفط بانخفاض الأسعار هذا العام عند متوسط 65.5 دولار أميركي للبرميل، أي أقل بحوالي 7.8% من متوسط 71.1 دولار أميركي العام الماضي.
وبنظرة إيجابية أكثر، سجلت الحكومة السعودية فائضاً في الميزانية مقداره 7.4 مليار دولار أميركي في الربع الأول من هذا العام، وهي المرة الأولى منذ حوالي خمس سنوات. كما أن حوافز القطاع الخاص البالغة 53 مليار دولار أميركي، والتي تم تخصيصها أصلاً للفترة ما بين 2018 و 2021، قد تمتد حسب المتوقع إلى ما بعد ذلك، مما يؤكد التزام الحكومة برؤية 2030 والتنويع الاقتصادي. وتشمل خطة التحفيز أموال مخصصة لتشجيع الصادرات، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار في التقنيات الجديدة. ومن المتوقع للإنفاق الحكومي أن يصل إلى 9.6 مليار دولار أميركي هذا العام، و 5.9 مليار دولار أميركي في 2020.
وأظهر قطاع الإنشاءات في المملكة أيضاً علامات للتعافي، حيث نما بنسبة 1.3% في الربع الأول من 2019 بعد انكماشه بنحو 3%سنوياً في الفترة ما بين 2016 و 2018.
النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط يتباطأ أكثر في 2019
لا تزال الآفاق المستقبلية لاقتصادات الشرق الأوسط ملبّدة بالغيوم بسبب العقوبات الأميركية، وسياسات الضغط القصوى ضد إيران، والانخفاض الحاد في إنتاج النفط. وفي 2019، سيتباطأ اقتصاد الشرق الأوسط إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من عقد من الزمان، لينمو بنسبة 0.1% فقط، منخفضاً من نسبة تقديرية بلغت 1.4% في العام الماضي. وكان الإنتاج الإجمالي للنفط في دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق قد تراجع من 24.8 مليون برميل في اليوم خلال النصف الأول من 2018 إلى 23.9 مليون برميل في اليوم خلال الفترة نفسها من 2019، مما يمثّــل انكماشاً بنسبة 3.6%.
وفي أماكن أخرى بالمنطقة، من المتوقع أن يتسارع الاقتصاد العراقي إلى 2.7% هذا العام، مرتفعاً من انكماش بنسبة 1% في 2018، على خلفية تحسّن الظروف الأمنية وارتفاع إنتاج النفط. وتشهد البحرين تراجعاً بسيطاً إلى 1.6% في 2019، مع استمرار الحكومة في تنفيذ تدابير هامة لضبط الأوضاع المالية العامة، في حين ستؤدي التحسينات النسبية في الصادرات والسياحة والتحويلات إلى دفع النمو في الأردن ولبنان إلى 2.3% و 0.8% على التوالي.