راميش جاجاناثان، أستاذ الأبحاث بقسم الهندسة ونائب عميد تطوير ريادة الأعمال في جامعة نيويورك أبوظبي ومدير عام منصة ’ستارت إيه دي‘
يشهد عالمنا الحالي توجهاً حضرياً متزايداً، حيث تزداد مساحة المدن بسرعة متنامية مع الوقت. ففي عام 1950، كانت نسبة 30% من سكان العالم تعيش في المدن، ووفقاً لإحدى التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، فإنه بحلول عام 2050 سيعيش 68% من سكان العالم في المراكز الحضرية
وسيشكل عام 2050 لحظة مهمة بالنسبة لتطور المناخ، فوفقاً للتوقعات الحالية، سيسجل هذا العام تجاوز العالم لعتبة ارتفاع درجات الحرارة البالغة درجتين مئويتين.
كما تنتظر البشرية العديد من التحديات الصعبة خلال السنوات الثلاثين المقبلة. وبالتالي تتلخص مهمتنا في إيجاد طرق لجمع أبرز الإمكانيات بغرض التغلب على هذه التحديات. وفي إطار تحقيق الأهداف المرتبط بالمسؤولية المناخية، ينبغي التوصل إلى مجالات تكنولوجية جديدة لتغيير الطرق التي نعيش وفقها.
وكبداية، يجب علينا أن نعمل لجعل مدننا مستدامة وخضراء، بالإضافة إلى تعزيز الاقتصاد الدائري الذي يقلل من هدر المواد، فضلاً عن تطوير الممارسات الزراعية لضمان الوصول إلى سلسلة غذائية مستدامة.
وعلى الرغم من صعوبة تحقيق هذا التقدم، إلا أنه ليس مستحيلاً، وهو يجسد فعلاً الخطوة الأعظم خلال القرن الحالي.
إلا أن هذا التغيير يتطلب اعتماد تكنولوجيا مبتكرة وجريئة. وبالتأكيد، فإن شريحة الشباب المعاصر جاهزة لمواجهة هذه العقبات. فمن خلال إشراكهم في مواجهة هذه العقبات، وضمان انخراطهم ضمن التحديات الكبرى لعالمنا، نستطيع أن نضمن بأنهم سيكونون البناة الأساسيين لجهود الاستجابة الجديدة لهذه القضايا العالمية.
وتجدر الإشارة إلى أن الشركات التي بدأت كشركات ناشئة طلابية منذ حوالي 15 إلى 20 عاماً، هي اليوم تقود العالم في مجال التغيير التكنولوجي، إذ أصبحت كل من ’جوجل‘ و ’فيسبوك‘ و ’أمازون‘ أمثلة بارزة عن قدرة ريادة الأعمال على إحداث ثورة في العالم.
وفي مواجهة ارتفاع درجة الحرارة الوشيك، بالإضافة إلى التعقيدات الإضافية الماثلة أمام محاولة تفعيل هذا الانتقال في سياق التمدن السريع، أصبحت الحاجة لمنهجية ريادة الأعمال أكثر انتشاراً وارتباطاً من أي وقت مضى. حيث ظهر وادي السيليكون بصفته مركز ابتكار لتلبية احتياجات نوع معين من المستهلكين. إلا أن العالم اليوم يشهد ظهور شريحة جديدة من المستهلكين متمثلةً في الطبقة الوسطى العالمية في الهند والصين وأفريقيا، والتي تحتاج إلى منتجات وحلول متخصصة لمشاكلها. وبالتالي، تنبع الحاجة إلى المبتكرين المحليين ممن يعملون على معالجة هذه التحديات الجديدة.
وتبرز الكثير من الأمثلة عن الشركات الناشئة التي تسعى لمعاجة هذه القضايا الرئيسية، إذ تهدف شركة ’فل هارفست‘ إلى تعزيز الاستدامة الزراعية من خلال تخفيض هدر الأغذية، ساعيةً إلى الحد من الـ20 مليون رطل من المنتجات “غير الجيدة” التي يتم هدرها كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث قامت هذه الشركة الناشئة بإنشاء متجر إلكتروني للأعمال المباشرة بين الشركات، والذي يتيح للمزارعين التواصل مع شركات الأغذية وضمان عدم إهدار المنتجات الفائضة وغير السليمة.
مثال آخر مثير للاهتمام هو شركة ’أورجان‘ والتي تأسست كشركة ناشئة عام 2014 في مومباي بالهند. حيث تسعى الشركة إلى توفير ألواح الطاقة الشمسية الذكية بأسعار مناسبة للشركات والمنازل والشقق السكنية. ومن خلال تقديم خيارات التمويل الذكية الملائمة للشركات، جنباً إلى جنب مع التكنولوجيا المتطورة لدعم عملية التقاط الأشعة الشمسية ، تقدم ’أورجان‘ نموذجاً مشرقاً عن قدرة ريادة الأعمال على إنشاء المدن الذكية.
كذلك يمكننا الحديث عن شركة ’فود فور أس‘، والتي تأسست من قبل طلاب في ’معهد بيرلا للتكنولوجيا والعلوم- بيلاني‘- والذين تخرجوا من برنامج “ما وراء العرض 2018”- بدعم منصة ’ستارت أيه دي‘. وتطمح الشركة إلى تقليل هدر الطعام من خلال إنشاء منصة للمتاجر والمطاعم بالإضافة لعامة الناس ليكونوا قادرين على التبرع بالطعام للمنظمات غير الربحية. ومن خلال مثل هذه العروض، تتصدر الشركات الناشئة طليعة الجهود لإنشاء اقتصاد دائري قادر على تقليل الهدر وتكاليف الإنتاج، والتي تؤثر بشكل أفضل على الدورة الزراعية العالمية.
ويعتبر إطلاق مثل هذه المشاريع أمراً مشجعاً، ولكن لتحقيق القفزة الاستثنائية، فإننا نحتاج إلى ضمان أن الاستثمار في ريادة الأعمال مستمر بلا هوادة. كما ينبغي على مراكز التعليم تأمين الدورات التدريبية اللازمة لتمكين الشباب عبر العالم من ابتكار الحلول للمشاكل الحرجة والملحّة.
وبالإضافة لذلك، فإنه من الضروري ضمان توفير التدريب على مجالات ريادة الأعمال المتمحورة حول المناخ، وضمان وصوله لكافة المبتكرين في العالم، وليس فقط لأولئك الذين يعيشون في شمال كاليفورنيا. وفي حين يمكن العثور على مشاريع متميزة في الهند وأفريقيا وهنا في الشرق الأوسط، إلا أنه من الممكن والواجب إنجاز المزيد لنتيح للشباب من مختلف أنحاء العالم تطوير إمكانياتهم في ريادة الأعمال.