دبي – خاص
بقلم: زايون دو (كيلي)، إستشارية عقارية ورئيسة فريق لدى شركة كولدويل بانكر الإمارات
عند تأمّل المشهد العقاري العالمي خلال السنوات الثماني الماضية، لا يسعنا إلا الإقرار بالدور الكبير الذي لعبته القوة الشرائية للمستثمرين الصينيين في تحفيز تدفق الاستثمار إلى بلدان مثل الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة ونيوزيلندا، وبشكل مماثل مؤخراً في أسواق جنوب شرق آسيا. كما اجتذبت مزايا التعليم الجيد والرعاية الطبية والهجرة في الأسواق الأوروبية والأمريكية عدداً كبيراً من المشترين الصينيين للاستثمار؛ في حين اجتذبتهم دول جنوب شرق آسيا بفضل قربها الجغرافي وأسعارها المعقولة ونقاط الجذب السياحي التي تتمتع بها.
خلال العامين الماضيين، شهدنا دخول عدد كبير من المستثمرين الصينيين سوق دبي. فبحسب تقرير حديث من دائرة الأراضي والأملاك، وصلت استثمارات الصينيين في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2018 إلى 1.7 مليار درهم، ما يجعلها سادس أعلى جالية مستثمرة في الإمارة خلال هذه الفترة، بعد أن كانت في المركز الخامس عشر في عام 2017.
ونظراً لكون دوبيزل العقارية، المنصة الإلكترونية الأكثر زيارة في دولة الإمارات، بحيث تُسجل حوالى 100 ألف زيارة يومياً، فتُظهر بياناتها أنّ المواطنين الصينيين كانوا من بين أكثر 20 جنسية نشطة في البحث عن العقارات على منصتها خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2018.
والجدير بالذكر أنّ عدد المقيمين الصينيين في دبي ارتفع بنسبة 53% خلال السنوات الخمس الماضية، مع تواجد حوالى 230 ألف مواطن صيني في الإمارة حالياً وحوالى 4,000 شركة صينية.
إذن ما هي الدوافع وراء هذا النمو السريع في الاستثمار من قبل المواطنين الصينيين؟
بعد الزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جين بينغ في يوليو 2018، توطدت العلاقات بين الدولتين إلى مستوى غير مسبوق، خاصة من المنظور التجاري والثقافي والسياحي والاستثماري. ومع إصدار حكومة الإمارات لعدد من السياسات المرسخة لعلاقتها مع الصين، مثل إدراج اللغة الصينية في أكثر من 100 مدرسة في دبي وقيام “إعمار” بتأسيس أكبر حي صيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت دبي بيتاً ثانياً للمواطنين الصينيين.
يمكن إرجاع العوامل الرئيسية وراء هذا النمو السريع إلى:
- تنفيذ الحكومة الصينية لمبادرة “حزام واحد طريق واحد”. تُشجع هذه المبادرة المزيد من الشركات الصينية على تأسيس أعمالها في الإمارات العربية المتحدة، وهو ما أدى إلى ارتفاع الطلب على المكاتب والسكن للموظفين.
- الاتجاه الحالي لسوق الأوراق المالية وسوق العقارات في الصين، أدى انخفاض فرص الاستثمار المحلية في الصين إلى تشجيع المواطنين الصينيين من الطبقة المتوسطة والعليا للبحث عن فرص استثمارية جديدة في الخارج.
- إنخفاض قيمة اليوان الصيني (بنسبة 8.8% في الأشهر الثلاثة الأخيرة) ساهم في زيادة الرغبة لدى المستثمرين الصينيين في تنويع محفظتهم الاستثمارية لتشمل أصولاً بالدولار الأمريكي والعملات الأخرى في الخارج.
- مزايا سوق العقارات في دبي تتماشى مع توقعات المستثمرين الصينيين، من ناحية التملّك الحر، وعائدات الإيجار المرتفعة، والقدرة على تحمل التكاليف، والاستثمارات المعفاة من الضرائب.
ما هي المزايا التي تُهم المستثمرين الصينيين؟
يهتم المستثمرون الصينيون بالعقارات الجاهزة للاستلام والمشاريع على الخارطة على حد سواء. ويُعتبر الموقع والعائد السنوي وأسعار البيع أهم العوامل التي تؤخذ في الاعتبار عند اتخاذ قرارات الشراء.
برزت وسط مدينة دبي، والروضة، والمدينة العالمية كالمناطق الأكثر شعبية للمستثمرين الصينيين لشراء العقارات الجاهزة.
وسط مدينة دبي
يُدرك المستثمرون الصينيون أهمية الموقع الجيّد في تحديد قيمة الاستثمار وجدواه، إذ تُحافظ عقارات المناطق الرئيسية من المدينة على قيمتها خلال ظروف السوق الصعبة. وفي الوقت الحالي، يتراوح متوسط سعر إعادة بيع العقارات في وسط مدينة دبي بين 1,700 و2,200 درهم للقدم المُربّع، وهو ما يعادل ربع أو سدس السعر المعتاد في وسط شنغهاي. ما يعني أنّه خيار فعال جداً من حيث التكلفة للمستثمرين الصينيين الراغبين في الحصول على شقة في قلب دبي مع موقف مجاني للسيارة. ويبلغ العائد السنوي في وسط مدينة دبي حوالي 6% إلى 7%، وهو أقل بقليل من متوسط العائد السنوي في باقي الإمارة والبالغ 8%، ولكن بفضل المزايا المذكورة أعلاه، نجحت في جذب عدد كبير من المشترين الصينيين.
الروضة (جرينز)
تقع معظم الشركات الصينية الكبرى بالقرب من منطقة الروضة، لذا تُعدّ خياراً شائعاً للمستثمرين الصينيين. كما أنّ قربها من مركز الشركات الكبيرة (مثل مدينة دبي للإنترنت ومدينة دبي الإعلام)، ومرافق النقل العام، فضلاً عن البيئة والمرافق المجتمعية الممتازة الملائمة للعائلات تجعل من هذه المنطقة خياراً جذاباً للغاية. يتراوح متوسط سعر البيع في الروضة ما بين 1,200 و1,500 درهم للقدم المُربّع. أما العائد السنوي فيبلغ حوالي 8%.
وقد شجعت تسهيلات القروض والرهون العقارية من البنوك المحلية، فضلاً عن عنصر توفير الإيجار أثناء الإقامة في دبي والحصول على أصول لتأجيرها في المستقبل، السكان الصينيين المقيمين في الإمارات على التملّك العقاري. كما تُفضّل الكثير من الشركات الصينية الكبرى شراء مكاتب من الدرجة الأولى في مواقع رئيسية لتوفير تكاليف الإيجار على المدى البعيد.
المدينة العالمية
تُعتبر المدينة العالمية منطقة التجمع الصيني الأكثر شهرة في دبي لقربها من سوق التنين، وهو أكبر مجمع تجاري للمنتجات الصينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتم إنشاؤه بشكل مشترك من قبل حكومة دبي والحكومة الصينية لخدمة رجال الأعمال الصينيين ودعم أعمالهم التجارية في المنطقة. إضافة إلى ذلك، شهدت المنطقة افتتاح العديد من المطاعم الصينية ومحلات الملابس والسوبرماركت المتخصصة في تلبية احتياجات الجالية الصينية. لذا يُفضل أصحاب الأعمال وموظفوهم ممن يعملون في سوق التنين شراء أو استئجار الشقق السكنية هنا. تراوح متوسط سعر البيع في المدينة العالمية 700 إلى 980 درهم إماراتي للقدم المُربّع، مع عائد سنوي للتأجير يصل إلى 9% أو 10%، ما يجعلها الأعلى في دبي من ناحية مردود الإيجار.
في حين برزت مشاريع دبي كريك هاربور، وميدان، ومدينة جميرا ليفينج كأعلى 3 مناطق استقطاباً لصفقات الشراء على الخارطة بين المستثمرين الصينيين.
دبي كريك هاربور
يُعتبر دبي كريك هاربور أحدث المشاريع الكبرى من إعمار العقارية ودبي القابضة، ونجح في استقطاب اهتمام كبير جداً من المستثمرين الصينيين الذين يعتبرون الآن أكبر جنسية مستثمرة في المشروع. وسيتضمن المشروع حال الانتهاء منه على الكثير من المعالم الرئيسية العالمية الطراز بما في ذلك برج الخور ودبي سكوير. وقد ساعد السجل الحافل لإعمار العقارية كبرج خليفة ومنطقة وسط المدينة في الفوز بثقة المستثمرين من الصين. كما أنّ اعتياد المستثمرين الصينيين على التعامل مع مشاريع المدن الكبرى في الصين أسهم في اقتناعهم بجدوى مشاريع “وسط المدينة” التي تولد في الغالب عوائد جيدة خلال فترات وجيزة.
ميدان
تُعدّ ميدان هي أيضاً إحدى المناطق المفضلة لشراء العقارات على الخارطة بالنسبة للصينيين نظراً لقربها من وسط مدينة دبي. إذ طرح مُطورون مهمون بمن فيهم ميدان وشوبا فللاً وشققاً فاخرة مع إطلالات مباشرة على مناظر طبيعية خلابة، كما أنّ مرافق الترفيه الرئيسية كقناة دبي المائية ومول ميدان ون، إضافة إلى المدارس المخطط افتتاحها في المنطقة، نجحت في توليد مستويات اهتمام عالية من المستثمرين الصينيين.
مدينة جميرا ليفينج
مدينة جميرا ليفينج هي مشروع سكني جديد من دبي القابضة، يمتاز بموقعه الفريد مقابل فندق برج العرب الشهير. وهو المشروع الوحيد للتملّك الحر في منطقة جميرا، ويتميّز بتصميم تقليدي على الطراز العربي وسهولة الوصول إلى جميع فنادق الخمس نجوم القريبة. وقد أبدى المستثمرون الصينيون المقيمون في الإمارات اهتماماً بهذا التطوير، ويعتقدون أنّ موقعه الفريد سيولّد طلباً كبيراً للتأجير في المستقبل.