يحتاج مصطلح “رائد أعمال” إلى فترة من الوقت قبل أن يقع في آذان المتلقي كمصطلح غير مقتصر على جنس بعينه، ليتجاوز الفروقات القائمة بين الجنسين ويشمل النساء من رائدات الأعمال العصاميات. فوفقاً للمؤشرات الحالية، تشير أحدث تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن سدّ الثغرة بين الجنسين في مختلف القطاعات على مستوى العالم سيستغرق 108 سنوات لو استمرت الجهود الرامية لسدها في التقدم بالرتم الحالي. أما على صعيد ريادة الأعمال، فهناك دول بدأت بالفعل في سدّ هذه الثغرة بصورة أسرع من غيرها عبر مساهمة التكنولوجيا في إزالة العوائق العملية والاجتماعية، وما نفخر به أن هذه الدول هي تلك الواقعة في الشرق الأوسط.
وشكّل السباق الذي تشهده دول المنطقة نحو تنويع اقتصاداتها، إلى جانب احتضانها القوي لقطاع التكنولوجيا الناشئ، دافعاً قوياً لدخول المرأة إلى عالم الأعمال. ونظراً لكون هذا القطاع حديث العهد في الوطن العربي، فإنه لم يكن هناك مجال أمام أي من الجنسين لأن يتسيّد القطاع. كباقي المجالات والأعمال التقليدية الأخرى التي يسيطر عليها الرجال. حيث يمكن لأي شخص كان، أن يكون رائداً في مجال التكنولوجيا، لسهولة الدخول والمشاركة والحصول على التمويل اللازم. ولم تعد الفروقات بين الجنسين ذات تأثير على الشركات الناشئة، كما أن الطبيعة المرنة لقطاع التكنولوجيا تتيح أمام المرأة العربية فرصة لتحقيق طموحاتها المهنية من داخل منزلها.
وعلى نطاق العالم، تحظى دول الشرق الأوسط بنسبة أعلى لمعدّل نصيب المرأة في قطاع التكنولوجيا بالمقارنة مع المرأة الغربية. فعلى أرض الواقع، تشكل المرأة نسبة 35% من إجمالي روّاد الأعمال في المنطقة، وتمتلك نسبة 49% من سجلات الأعمال التجارية. وفي البحرين، تمثل الشركات الناشئة التي أسستها المرأة نسبة 18% من إجمالي الشركات الناشئة، لتتجاوز بذلك نسبة مشاركة المرأة ضمن مراكز عالمية شهيرة مثل وادي السيليكون بنسبة 16%، ولندن بنسبة 15%.
وأظهر تقرير بيئة الأعمال الناشئة الدولية لعام 2019، وهو أكثر الأبحاث العالمية حول ريادة الأعمال شمولاً وانتشاراً، أن مملكة البحرين تعدّ واحدة من أفضل 10 مواقع للأعمال الناشئة في العالم، تتلوها مباشرة دولة الإمارات التي حظيت بنسبة 15% من الشركات الناشئة التي أسستها المرأة.
قد لا يكون هذا الأداء مفاجئاً، إذ لطالما استلمت المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي مناصب قيادية هامة في القطاعين العام والخاص. وتتمتع دول مثل البحرين والكويت والإمارات بتاريخ حافل من تعيين وزيرات وشخصيات نسائية على مستوى السياسة يسهمن في صناعة استراتيجيات الدول. وهذا الأمر يبرز في البحرين بشكل خاص، حيث تسهم مبادرة البحرين للمرأة في التكنولوجيا المالية في دفع وتيرة التكنولوجيا المالية للبلاد عبر توسعة المجال لفرص العمل في القطاع المالي والتكنولوجيا محلياً وعالمياً، ودعم التنوع والشمول في قطاعات الأعمال والتعليم وريادة الأعمال والابتكار.
إن مبادرات مثل “المرأة في التكنولوجيا المالية” تحظى بالدعم في أنحاء المنطقة بفضل تغيرات البنى التحتية وحوافز الاستثمار الرامية إلى تعزيز الظروف الملائمة لرواد الأعمال، والنساء بشكل خاص، للنجاح والازدهار. وأصبحت برامج الشركات الناشئة تستهدف المشاريع المركزة على المرأة بشكل متزايد وتدعم التنوع بين الجنسين في القطاع التكنولوجي. وقد تم تأسيس المحفظة المالية لتنمية المرأة البحرينية بقيمة 100 مليون دولار بهدف دعم رائدات الأعمال في المراحل المتقدمة من مشاريعهن ومنحهن الدعم المالي والتدريب والتوجيه من خلال مبادرات مثل مركز “ريادات”. أما في دبي، فيهدف مسرع الأعمال في المراحل المبكرة Womentum إلى تعزيز دخول رائدات الأعمال في المنظومة الإقليمية وتمكين شبكات الأعمال الخاصة بالنساء.
لا شك بأن الاستثمار في تعزيز قدرات المرأة أصبح أمراً بديهياً. كما أن دعم رائدات الأعمال له أثر ملموس على المجتمع، خاصة وأن الشركات التي تملكها النساء هي أكثر إنتاجية بنحو 1.7 مرة من الشركات المملوكة من الرجال كما ثبت مؤخراً، وأن هذه الشركات المملوكة من النساء تولد ضعف العائدات مقابل كل دولار يتم إنفاقه على التمويل. لكن تشغيل الأعمال في واقع الأمر أمر صعب ويترافق مع المخاوف من ارتفاع التكاليف ومواجهة العمليات البيروقراطية، إضافة إلى أن المصاعب تتضاعف بالنسبة إلى النساء اللواتي يقفن في وجه الأعراف الاجتماعية. لذا يمكن للحكومات أن تعزز قيمة الاقتصاد بكامله لفائدة الجميع من خلال التمكين والسماح لرواد ورائدات الأعمال بالتركيز على مشاريعهم.
دلال بوحجي، مدير أول الخدمات المالية بمجلس التنمية الاقتصادية، رئيس مبادرة البحرين للمرأة في التكنولوجيا المالية