على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجه العالم اليوم، إلا أن منطقتنا ما تزال أرضاً خصبةً للشركات الراغبة جدياً بتنفيذ مشاريع فاعلة ولديها أهداف واضحة، ويكمن التحدي في اغتنام الفرص المناسبة وتحديد الثغرات التي يعاني منها السوق وتوفير الخدمات أو المنتجات التي تساعد على سدّ هذه الثغرات.
تقول ريم بن كرم :” على رواد الأعمال مراعاة نقطتين مهمتين هما:تقديم فكرة العمل الملائمة، وفهم مدى استعداد السوق لتقبل هذه الفكرة.وتجيب على اسئلتنا في مقابلة حصرية وفما يلي نص الحوار:
توليت إدارة كيانات مختلفة تحت مظلة مؤسسة نماء، منها المؤسسات الربحية وغير الربحية، هل يمكنك وصف الفرق بينهما؟ وكيف يختلف أسلوبك في إدارتها؟
يختلف أسلوب الإدارة حسب طبيعة نشاط كل مؤسسة، لكنّ معظمها يصبّ في خدمة هدف واحد رئيسي يتمثل في الارتقاء بقدرات المرأة وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.
وتحت مظلة مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، تعمل مجموعة من المؤسسات لكل منها خصائص ومهام محددة، ونظرًا للهيكل التنظيمي الفريد لمؤسسة “نماء”، وباعتبارها تحظى بدعم حكومي، فإننا نعتبر أنفسنا مؤسسة تعمل بنظام يدمج بين النظام الحكومي والمعايير الدولية للمنظمات غير الحكومية والشركات في العالم، بهدف تلبية احتياجاتنا وتحقيق استراتيجياتنا.
تمكنت مؤسسة “نماء” من الوصول إلى مكانة متميزة بفضل دعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وقرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المؤسسة، وتمثّل رؤيتهما حافزاً مهماً لنا للعمل من أجل النهوض بالمرأة وتفعيل دورها في مختلف القطاعات.
وبفضل تنوع خبرتي في مجال إدارة المنظمات غير الحكومية، والشركات العائليّة، فإني أتبع أسلوباً يدمج الخبرتين، فخبرتي العملية في مجال الأعمال تساعدني على وضع خطط أعمال واستراتيجيات واضحة الأهداف ونتائج قابلة للقياس، ما يسهم في نجاح واستدامة نمو المؤسسات والهيئات التي أتولى إدارتها، وهو أسلوب مرن أحرص من خلاله على التكيّف مع مختلف الظروف والتحديات التي تواجهها هذه المنظمات، بما يضمن مواصلة العمل على تحقيق أهدافنا دون أي عوائق.
وهنا أود الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية وهي دور فريق العمل، مهما كانت كفاءة مدير المؤسسة، يبقى النجاح فعل جماعي يعتمد على التناغم في الأدوار والتخصصات، فجزء كبير من نجاح مؤسسة نماء يعود إلى فريق عمل المؤسسة، وإخلاصه لمسؤولياته واتقانه لمهامه.
ما هي خصوصية تشغيل مؤسسة غير ربحية في دولة الإمارات وفي دول مجلس التعاون الخليجي عموماً؟ وما رأيك في القطاع غير الربحي في الإمارات والمنطقة؟ ما هي محفزات رواد الأعمال في هذا القطاع وما هي التغييرات المطلوبة لتطويره؟
في السابق، كانت غالبية المنظمات العاملة في منطقة الخليج عبارة عن مؤسسات خيريّة تعمل في مجال تقديم المساعدات الإنسانية والمادية على المستوى المحلي وفي جميع أنحاء العالم، إلا أنه مع بداية العقد الماضي، نشأت موجة جديدة من المنظمات غير الحكوميّة التي توجهت نحو مشاريع التنموية الاجتماعية، وتقديم خدمات الدعم لتحسين الظروف المعيشية لأفراد المجتمع، وبشكل خاص فئة الشباب، وتطوير مهاراتهم على المستوى الشخصي والمهني.
ومن هنا، لا يجب أن يقتصر عمل المنظمات غير الحكومية في العالم على جهود الإغاثة والمساعدات الإنسانية، بل يجب أن تركّز أيضاً على مشاريع التنمية، باعتبارها المتطلب الأبرز بالنسبة لبعض شرائح المجتمع التي تحتاج إلى التدريب أو بناء القدرات أو فرص العمل، أكثر من الدعم المالي.
وأودّ أن أضيف أن أحد التحديات الرئيسة التي تواجهها المنظمات غير الحكومية في منطقة الخليج التي يتمحور نشاطها حول المشاريع التنموية والاجتماعية، هي إجراءات التسجيل المعقدة، إذ أنها لا تندرج تحت القطاع الحكومي ولا الخاص كما أنها ليست جمعيات خيريّة بالمفهوم التقليدي، ولذلك، عند التقدم بطلب للتسجيل لدى الجهات الرسمية، لا يوجد ضمن قائمة أنواع النشاطات فئةً تلاءم نوع نشاطها، فيتم اختيار الفئة الأقرب لتتمكن من إدراج اسمها ككيان قانوني قادر على مزاولة الأعمال.
ومن ضمن التحديات أيضاً التي تواجهها هذه المنظمات غير الحكومية، توفير مصادر التمويل والحفاظ عليها، فهي عادةً ما تضع مشاريعها وأهدافها المالية وفقاً للتمويل المضمون أو المتوقع، لذلك لا بدّ من تغيير هذه المنهجية لضمان اكتفائها الذاتي، وهنا تبرز أهمية نموذج المشاريع الاجتماعية، وهي عبارة عن مؤسسات تجارية ذات أهداف اجتماعية محددة تخدم أغراضها الأساسية.
أما بالنسبة لمحفزات رواد الأعمال في القطاع الاجتماعي غير الربحي، تقدم أكاديمية “بادري للمعرفة وبناء القدرات”، الذراع التعليمية لمؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة، برنامج “بادري لريادة الأعمال الاجتماعية” الذي يقام على مدار 10أشهر، بهدف تزويد رائدات الأعمال بالمعرفة والتدريب العملي لتمكينهنَ من تأسيس مشاريع تجارية ذات بعد اجتماعي مستدام، ومشاريع مكتفية ذاتياً لا تعتمد بشكل كامل على الدعم المالي لأي جهات مانحة.
كيف تنظرين اليوم إلى المنطقة من حيث ملاءمتها لممارسة الأعمال؟ وما هي برأيك الاعتبارات الرئيسة التي يجب على رواد الأعمال مراعاتها عند بدء أي عمل تجاري في دولة الإمارات ومنطقة الخليج؟
ماتزال نطقتنا مكاناً مناسباً لريادة الأعمال والفرص المتعلقة بها، ولكن لابد من توفر خبرات لأصحاب الشركات الناشئة ، حتى تتمكن من الوصول إلى النجح المنشود،. ولابد من دراسة السوق واحتياجاته وسبل تقديم منتجات مناسبة تلائم احتياجاته.
على سبيل المثال ربما تقدم إحدى الشركات الناشئة عروضاً أو منتجات فريدة، لكن لا صلة لها بالسوق، ما يسبب لرائد الأعمال صاحب هذه الشركة خسارة كبرى.تعتبر الأبحاث الخاصة بفهم احتياجات السوق وتوجهاته أمراً بالغ الأهمية لتحديد وضع الشركة في السوق، ومن الضروري إجراء اختبار السيناريوهات المستقبلية من زوايا مختلفة لتتمكن من بناء حضور قويّ لها في السوق، والأهم من ذلك لا بدّ من المثابرة والعزم على مواجهة الصعوبات مهما كانت، وهنا يكمن جوهر ريادة الأعمال.
والخطوة الأصعب بالنسبة للشركة الناشئة هي بدء تنفيذ الفكرة في السوق، إذ تحتاج إلى تحديد العملاء المحتملين والحصول على آرائهم بمنتجاتها، ثم تقييم النتائج وتعديل أفكارها تبعاً لذلك بما يمكّنها من الدخول إلى السوق وتحقيق النجاح.
بالعودة إلى أسلوبك الخاص في الإدارة، ما هي العوامل التي تساعد المدير التنفيذي، أو رئيس أي مؤسسة أو شركة على أن يكون قيادياً متميزاً وناجحاً؟ وما هي الاستراتيجية التي تعتمدينها في قيادة مؤسستك؟
يحرص القيادي الناجح على تمكين فريق عمله ومنحهم المساحة والحرية الكافية ضمن نطاق مسؤولياتهم لأداء مهامهم بكفاءة وإبداع، وأن يكون على تواصل دائم مع موظفيه وتقديم الدعم لهم على جميع المستويات الإدارية، وأن يكون على دراية بأدق التفاصيل ضمن منظومة العمل الشاملة في المؤسسة.
تمتاز مؤسسة نماء للارتقاء بالمرأة بهيكل تنظيمي فريد إذ تندرج تحت مظلتها ثلاث مؤسسات تمتلك كلّ منها فريق عمل خاص، وتعمل معاً بروح العمل الجماعي والتعاون الفاعل لتحقيق النجاح.
وليست الإنجازات الرائدة التي حققناها حتى الآن إلا ثمرة جهود مشتركة بذلها أكثر من 70موظفاً فقط عملوا معاً بتفانٍ وإخلاص.
هل يمكنك أن تذكري لنا عملية أو إجراء داخلي واحد في مؤسستك لم يكن يجري تنفيذه بالشكل الأمثل وكيف تم إصلاحه أو تعديله بطريقة مبتكرة؟ (على سبيل المثال، تغيير الإدارة المسؤولة عن تلك العملية المحددة ، أو ربما تبني توجه جديد لأداء تلك المهمة، إلخ.)
من أبرز التحديات التي واجهتنا في بداية انطلاقة مؤسسة “نماء”، إيجاد طريقة لإدراج المؤسستين التابعتين لـ”نماء” (مجلس سيدات أعمال الشارقة) و(مجلس إرثي للحرف المعاصرة)تحت مظلتها على الرغم من أنهما كانتا تمارس نشاطهما بدون مظلة “نماء”، وفي مرحلة معينة كانت هناك أربع مؤسسات تحتاج إلى تنظيم نشاطاتها لتعمل مع بعضها بتكامل.
وتمثلت الخطوة الأولى في العمل على تنسيق رؤى المؤسسات ورسائلها وأهدافها ومن ثم بناء فريق عمل متفاهم يدرك مهمة المؤسسة التي يعمل بها ويحرص على تحقيق أهدافها والرؤية التي أنشئت من أجلها مؤسسة”نماء“وهي تمكين المرأة ودعمها في جميع المجالات.
كان ذلك إنجازاً كبيراً بالنسبة لنا وخاصةً أن كلاً من تلك المؤسسات تقدم خدمات متخصصة تختلف عن غيرها، واليوم تحتضن مؤسسة “نماء”ثلاث مؤسسات تابعة لها تعمل بتكامل وتناغم على النهوض بالمرأة من خلال أنظمة دعم شاملة تهدف إلى تمكينها في القطاعات المهنية والاقتصادية وغيرها.
فيما يتعلق برائدات الأعمال في المنطقة (في القطاعين الربحي وغير الربحي)، ما هي التحديات الرئيسة التي يواجهنها في الوقت الراهن وماهي التحسينات التي تتطلعين إليها في عام 2019؟
تواجه رائدات الأعمال في معظم دول العالم ضعف حجم التحديات التي يواجهها رواد الأعمال، إذ يعملن بجدّ وبصورة متواصلة على تغيير الصور النمطية للمرأة العاملة لإثبات نجاحهنّ وتميزهن، كما أن الأعراف والعادات الاجتماعية بإمكانها أن تعيق قيام المرأة بدورها الكامل في الحياة الاقتصادية.
كما يعد الافتقار إلى الدعم الكامل فيما يتعلق بخطط الاستثمار، والمنتجات المصرفية، والوصول إلى الأصول والممتلكات، والأنظمة والتشريعات من بين التحديات الرئيسة التي تواجهها رائدات الأعمال خلال اطلاق وتنفيذ مشاريعهنّ.
تتبنى دولة الإمارات وقيادتها سياسةً داعمة للمرأة انطلاقاً من إيمانها بقدرات المرأة ومهاراتها القيادية، ونأمل أن تتبع مؤسسات القطاع الخاص وقطاع الاستثمار وأصحاب المصلحة النهج ذاته من خلال توفير الوسائل والفرص الملائمة للمرأة في جميع المجالات.
أؤمن بأن النساء قادرات على أن يكنّ سيدات أعمال ناجحات في حال حصولهنّ على فرص متكافئة، تماماً مثل الرجال، حيث يقومون بأدوار متكاملة ويقدمون الدعم لبعضهم البعض.
أتطلع أن يشهد عام 2019المزيد من التغييرات على مستوى القطاع الخاص لإيجاد بيئة عمل أكثر دعماً للمرأة من خلال تعديل الأنظمة والقوانين لتمكينها من تحقيق النجاح والتميز المهني وتحفيزها على الابتكار لتقوم بدور فاعل في بناء مستقبل مشرق لدولتنا.
وأتطلع لرؤية المزيد من رائدات الأعمال المتحمسات لتحقيق أحلامهن وطموحاتهن المهنية وارتقاء سلم النجاح إلى أعلى المستويات، وأؤكد أن مؤسسة “نماء” حاضرةٌ دائماً من أجلهنّ لتوفير كل ما هو ضروري لصقل مهاراتهنّ وتوجيههنّ لبناء مستقبل مشرق.
بالنظر إلى خبرتك المهنية الواسعة، ماهي برأيك الفرص المتاحة في السوق اليوم أما رواد الأعمال في دولة الإمارات ودول الخليج؟ وما هو المجال الذي تنصحينهم بالتركيز عليه في عام 2019؟
هناك الكثير من القطاعات الناشئة والمجالات غير المستغلة التي تحمل فرصاً واعدة، مثل قطاعات التكنولوجيا والطاقة والتمويل والذكاء الاصطناعي والبيئة، ويمثل برأيي الاستثمار في المعرفة وتطوير المهارات أحد أبرز تلك القطاعات. يحتاج رواد الأعمال إلى توسيع معارفهم والاطلاع بشكل دائم على أحدث المستجدات المتعلقة بأعمالهم ليكونوا قادرين على المنافسة، كما أنصحهم بالعمل على تنمية مهاراتهم وقدراتهم على الصعيدين الشخصي والمهني.
بوكس:
5نصائح لرائدات الأعمال لقيادة شركات ناجحة
- أن يكن قيادات وليس مديرات، فالقيادي مصدر إلهام ومثل أعلى لموظفيه، وتقع عليه مسؤولية توفير الدعم اللازم لتواصل المؤسسة أعمالها بنجاح وكفاءة.
- قدرتك على أداء مهامك ومهاراتك هي العامل الرئيس في تحديد مدى كفاءتك وليس النوع (رجلاً أو امرأة)، وتذكري أنك وصلت إلى هذا المنصب لأنك تستحقين ذلك.
- دعم النساء مهنياً لتطوير إمكاناتهن والارتقاء بقدراتهنّ وتقديم جميع التسهيلات لهنّ في هذا السياق.
- لا تتوقفي عن التعلم، وكوني على اطلاع دائم على آخر المستجدات في القطاع الذي تعملين فيه والصناعات ذات الصلة والجهات الفاعلة.
- كوني على معرفة ودراية كاملة بمؤسستك وفريق عملك لتتمكني من استثمار مهاراتهم وقدراتهم بشكل أفضل حسب الموارد المتاحة.